فؤاد علي عبد العزيز الزريقي
إعداد/ طاهر علوان الزريقي -

ولازال المسرح اليمني يشكو من نقص الكوادر والملكات الفنية المؤهلة والمتخصصة، 
بالإضافة إلى نقص الإمكانات الفنية والتقنية على صعيد الأجهزة والمعدات والآلات.. فعلى صعيد المؤثرات الضوئية 
والصوتية لازالت الإضاءة والمؤثرات الصوتية لا تخدم المشهد المسرحي بما تتطلبه تقنية المسرح

 أما بالنسبة للديكور فيغلب على العروض المسرحية أن حضورها يدفع بإيقاعاته حركة الميزانسين (حركة الممثلين والكاميرا والإضاءة والديكور وكل ما هو داخل تكوين المشهد) إلى الخلف، ويشتت انتباه المتفرجين. ولا توجد مع الأسف في مسرحياتنا عموماً ما يسميه فسيغولد مايرخولد "الخطة الديكورية ووحدة الطريقة في الرسم الديكوري وتوزيع الأجسام وانسجام وتكوين الديكور والملابس بما يؤدي إلى انسجام الخطوط والألوان وبلوغ الدقة في التناسب الهرموني للأجزاء". ولكن ما يبعث الأمل في تجاوز ضعف الإمكانات هذه، يتلخص في إرسال وزارة الإعلام والثقافة البعثات الدراسية للتخصص في مختلف تقنيات وفنون المسرح..
(5) أزمة النصوص المحلية: لازالت النصوص المحلية بعيدة عن المقومات البنائية والتركيبية للعمل الدرامي ومقتضياته التقنية. فأغلبية كتاب المسرح لدينا لم يستوعبوا بعد شروط التأليف المسرحي وتكنيكه المعقد، فالحدث في هذه النصوص يتكون من عدة حوادث تتعاقب قسراً بتتابع كمي دون أن تؤدي إلى تصاعد الخط الدرامي للحدث، كما أن الشخوص الدرامية لهذه النصوص تتسم بالجمود والتسطح والسكونية والافتقار إلى تعدد الأبعاد ومستويات الشعور والتجربة. وحوار هذه النصوص بعيد عن الديالوج الدرامي لغياب التكثيف المركز وعدم تعميق خطوط الشخصية. كما أن أكثرية مؤلفينا لا يدركون ضرورة تفاوت المستويات التعبيرية للشخوص بتفاوت المحيط الاجتماعي، والمناخ الثقافي، ودرجة السلم الاجتماعي، والانتماء الفئوي لهذه الشخوص.. كما يتسم حوار هذه النصوص بالإنشائية والنبرة الخطابية والنفس الوعظي، واستجداء الضحكات بحشر بعض الإيحاءات والإيماءات التي تعبر عن بعض اللمحات المعبرة عن روح الفكاهة الشعبية دون توظيفها في السياق الاطرادي للمسرحية أو مقتضيات المسار التصاعدي للدراما. ورغبة من وزارة الإعلام في تجاوز هذا العائق، شجعت على الاستفادة من المسرحيات العربية والعالمية إعداداً واقتباساً أو (يمننة). وفي الحقيقة يعتبر هذا حلاً سليماً ومدخلاً طبيعياً وعملياً لازدهار الحركة المسرحية في البداية، وهذا الازدهار سوف يؤدي دوره في المستقبل المنظور إلى أن تتوافر النصوص المحلية الجيدة..
(6) عدم توفر العنصر النسائي: رغم الشوط الذي قطعته المرأة ومشاركتها في الحياة الثقافية إلى حد ما، ورغم توفر عناصر نسائية في مجال الرقص والغناء، إلا أن هناك فقراً شديداً في العناصر النسائية في مجال المسرح، وقد صُرف النظر عن إخراج مسرحيات لكون شخوصها الدرامية نسائية، ومما يزيد من أزمة عدم توفير العنصر النسائي في المسرح اليمني، أن الكثير من الممثلات يتركن التمثيل بعد فترة لأسباب أسرية مختلفة، أهمها الزواج، ولكن ازدهار وتقدم الحركة المسرحية وتطور المجتمع سوف يؤدي إلى استقطاب العناصر النسائية الموهوبة إلى عالم المسرح.
ولإعطاء لمحة عامة عن واقع الحركة المسرحية، سوف أقدم رصداً تقييمياً لبعض المسرحيات التي عرضتها فرقة المسرح الوطني التابعة لوزارة الإعلام. 
لقد عرضت فرقة المسرح الوطني بعد تأسيسها حوالي 15 مسرحية، وهذه المسرحيات تتسم بالتنوع والتعدد. لقد عرضت الفرقة مسرحيات يمنية ومسرحيات عربية مقتبسة ومسرحيات عالمية (ميمننة)، كما قدمت الفرقة مسرحيات نثرية وشعرية. ولصعوبة استعراض كل المسرحيات التي قدمتها فرقة المسرح الوطني سأكتفي باستعراض مسرحيتين تعطيان مؤشراً للمستوى الذي بلغته الحركة المسرحية في بلادنا..
1 - مسرحية المعلم: وهي من تأليف الأستاذ محمد الشرفي، وإخراج حسين الأسمر هذه المسرحية كنص أدبي تنتمي إلى ملهاة النماذج الاجتماعية (كوميدي أوف منر)، وتتمحور حول الصراع الحاد بين جيل الآباء الذي عاش في مجتمع كان يسوده الجهل، وبين جيل الأبناء الذي يطمح إلى تجاوز الواقع المتخلف. كما تركز المسرحية على نقد بعض قطاعات الشباب الذي يلهث خلف المناصب والكسب السريع. وتتناول بالنقد اللاذع الذين يستغلون الدين لمصالحهم الذاتية. ويلاحظ أن النص المسرحي، رغم مضمونه المتقدم وموضوعاته التي تعري بعض عيوبنا الاجتماعية، يعاني من التهلهل النسبي في البناء الفني، لأن الحدث في المسرحية لا يتشكل من عناصر مترابطة تتسم بالصراع الدرامي، كما أنه لا ينمو تصاعدياً، إذ يتكون من عدة أحداث ممتدة دون نمط وترابط، فالشرفي يهتم كما يبدو بالامتداد الكمي للحدث بدلاً من النمو التصاعدي له. كما نلاحظ أن شخوص هذه المسرحية مسطحة، وأحادية البعد، ولا تعاني من الصراع الداخلي، فهي شخوص جاهزة ومقولبة.. فالأب في المسرحية شخصية أنانية لامبالية، تتمسك بالمفاهيم البالية، تلهث لإشباع حاجاتها الجنسية تحت مبرر إنجاب المزيد من الأولاد دونما أي إحساس بالمسؤولية تجاه الأسرة واستقرارها. لكن هذه الشخصية لا تتوفر فيها العناصر الدرامية لأنها خالية من عنصر الصراع بين الرغبة وبين قيود المسؤولية، ومن عنصر الصراع بين العاطفة والعقل، مع أن روح الفكاهة تكمن في المفارقة بين الأشياء المتناقضة في نفسياتنا. والحوار في هذه المسرحية يتسم في بعض أجزائه بالحيوية والغنى بالومضات واللحمات الفكاهية، ولكنه يتسم في بعض أجزائه بالحشو والرتابة والترهل البارد، وحبذا لو استخدم الشرفي في حواره نسخة من لغة التخاطب اليومي، طالما كانت المسرحية كوميدية ومستقاة من البيئة الشعبية.
أما من ناحية الإخراج فكان رائعاً، ابتداءً بالبرولوج في تقديم الممثلين كلوحة جذابة وانتهاءً برسم حركة الميزانسين على خشبة المسرح، ولكن المخرج وقع في هفوة التمسك الحرفي بالنص، لأنه لم يحذف بعض الشخوص الزائدة في النص الأدبي، وربما رأى المخرج أن الكوميديا، عكس التراجيديا التي تتمحور حول بطل، تتسم بتعدد الشخوص، ولكن طبعاً ليس الشخوص الزائدة والمحشوة قسراً في المسرحية.
وإذا أخذنا ديكور المسرحية فقد كان جيداً عموماً، ولكن كانت غرفة المعلم في القرية تفتقد اللمسات الريفية، أما المؤثرات الضوئية فكانت بدائية.. 
2 - مسرحية الجرة: وهي من روائع كوميديات لويجي براندللو، وقد قام بيمننتها واخراجها الخبير المسرحي حسين الأسمر، وتعتبر كوميديات "براندللو" أو بالأحرى "تراجيكوميدياته" من أصعب المسرحيات، فبرانديللو يستلهم من كوميدياته التقاليد الفنية "للكوميديا دي لارتي" ذات الجذور العميقة في تراث إيطاليا المسرحي، وتتمحور مسرحية الجرة على حدث ذي طابع ومواقف تآمرية مشحونة بتعقيد محبوك تنتهي بحل هزلي، وللمسرحية مضمون متقدم لتبنيها قيم العدالة الاجتماعية وإدانة الجشع والرياء الاجتماعي، ولتأكيدها على دحر قوى الاستغلال مادياً وأخلاقياً..
وكان الأسمر موفقاً- مع حرصه على روح وبصمات براندللو- في إضفاء طابع المحلية على المسرحية وشخوصها ودلالاتها (ريف اليمن بدلاً من ريف صقلية- اشجار البن بدلاً من أشجار الزيتون – جرة السمن بدلاً من جرة الزيت)، كما كان موفقاً في التحكم بالنص وإضافة شخصيات وإلغاء بعضها، بالإضافة إلى التمكن في استغلال التوتر السريع بالحوار وحيويته. وتحريك الممثلين والسيطرة على إيقاعية حركاتهم التلقائية الطبيعية. وقد تحولت في الحقيقة شخوص برانديللو بفضل اليمننة إلى شخوص يمنية تتسم بالخصوصية البيئوية والمحلية في إطار التمسك بالخطوط العريضة لملامح شخصيات "الكوميديا دي لارتي"، وكان ديكور المسرحية رغم بساطته من أفضل الديكورات مقارنة بديكورات المسرحيات الأخرى التي عرضتها الفرقة المسرحية، وقد لعب ديكور هذه المسرحية مع الاكسسوار وأغاني علي الآنسي دوراً كبيراً في إضفاء جو الريف اليمني على المسرحية.