حاوره: أنس القاضي - مرافئ لا -

ردفان المحمدي فنان تشكيلي يمني ذو حضور مميز في الحركة التشكيلية اليمنية. أعماله تغلب عليها صورة الإنسان اليمني بملامحه وتراثه المميز وصورة الأرض اليمنية بتنوعها وجمالها الطبيعي والمعماري الساحر. 
مثَّل اليمن في أكثر من محفل دولي وفاز فيها بجوائز عالمية. اقتنى متحف الفن الوطني الصيني لوحة «اليمن السعيد»، أقرب اللوحات إلى قلبه، والتي رسمها في ظروف الحرب، وهي لوحة تظهر الإنسان اليمني بكامل أناقته 
في ملابسه المطرزة بالحضارة، يطل من النافذة على مشهد الركام وفي عينيه وهج إيمان بعودة اليمن السعيد رغم الحزن.
رسم المحمدي كثيرا من اللوحات التي تنتمي لمختلف المدارس الفنية، وتتناول مختلف الموضوعات. يرى المحمدي أن الفن اليمني يزدهر في ظل الظروف العصيبة، وأن الفن اليمني بلغ العالمية وأنتج لوحات خالدة. للمحمدي موقف من النقد الفني في اليمن، ورؤية لطبيعة الفن. . «مرافئ لا» الثقافي التقى الفنان ردفان المحمدي وتحدث معه حول تجربته وحول قضايا الفن التشكيلي في اليمن. 

فنان بالصدفة
 حدثنا عن بدايتك الفنية!
 بدايتي كانت صدفة. ذهبت للالتحاق بالمعهد المهني، وكان لدي مقترحات للدخول في أكثر من قسم، كالمساحة والطرقات أو إلكترونيات أو نجارة... إلَّا أن هذه الأقسام كان قد اكتمل التسجيل فيها آنذاك، ولم يكن لدي فرصة إلا قسم فنون جميلة، فسجلت مؤقتاً، وكنت أقصد من ذلك أن أضمن إدراج اسمي ضمن كشوفات المعهد ثم أنتقل إلى قسم ثان، إلا أنني أحببت الرسم وقررت أن أكمل الدراسة في هذا المجال. وبعد تخرجي في المعهد التحقت ببيت الفن تعز في نهاية عام 2006، وتدربت من جديد على يد الفنان الراحل هاشم علي والفنان عبد الغني علي أحمد والذي كان أستاذي في المعهد المهني. في بيت الفن نضجت بشكل أفضل ومثلت مرحلة فارقة في حياتي.

لوحاتي تحدد معاييرها المدرسية
  إلى أي مدرسة فنية تميل؟ وما هي أغلب موضوعاتك الفنية؟
 لا أنتمي لمدرسة معينة، وتتحدد لوحاتي وفقاً لمعاييرها المدرسية حصراً، فأنا أرسم ضمن مختلف المدارس الفنية، ولهذا أستطيع القول بأنني فنان تجريبي. سحرتني الواقعية في بداية الأمر، وسحرتني التأثيرية والواقعية السحرية، كذلك السوريالية وهي الأكثر شغفاً، وقد رسمت في كل هذه المدارس.
أغلب موضوعاتي الفنية هي عن اليمن، سواءً رسم الشخصيات اليمنية بأزيائها التقليدية المعبرة عن هويتها المميزة، أم رسم المناظر الطبيعية الساحرة في كل ربوع اليمن. كما رسمت أيضاً موضوعات حول الحرب الجارية في اليمن.

«اليمن السعيد» سبب فوزي بجائزتين
  لوحتا «اليمن السعيد» و»وريقة الحناء»، ماذا تمثلان لردفان المحمدي؟
 لوحة «اليمن السعيد» تعني لي الكثير، ومثلت تحولاً كبيراً بالنسبة لي، فقد عملت عليها لفترة طويلة وأردت من خلالها التعبير عن الحرب في اليمن، وهو موضوع مؤثر في الوجدان الإنساني لدى الفنان، ولأنني اهتممت بها بشكل خاص فقد فازت بجائزتين محلية ودولية، كما اقتناها متحف الفن الوطني الصيني.
لوحة «وريقة الحناء» رسمتها مرتين، الأولى «وريقة الحناء» الأسطورة اليمنية الخالصة التي أنتجها الوعي الشعبي اليمني، والثانية «وريقة الحناء» الأسطورة اليمنية التي بدأت بالانتقال لأسطورة «سندريلا» كما ظهرت في الأدب الإنجليزي. وهذه الأسطورة اليمنية تثبت أنه لطالما كان لليمن حضور إبداعي فاعل ومؤثر في الثقافات الإنسانية أو موازٍ لها، إذا افترضنا أن أسطورة «سندريلا» أنتجها الوعي والأدب الانجليزي بدون الاطلاع على الأسطورة اليمنية. اللوحة حققت مرادها في إعادة حضور أسطورة «وريقة الحناء» التي غابت عن أذهان الكثير، وكشفت تفاصيلها. كما أن فقداني اللوحة الأولى أحزنني كثيراً، مما جعلني أربط بين ضياع اللوحة وضياع الأسطورة والقصة اليمنية.

ازدهار تشكيلي وعقم نقدي
  كيف تقيم المشهد التشكيلي والنقدي في اليمن؟
 المشهد التشكيلي في اليمن يزدهر في ظِل ظروف صعبة، وبإمكانيات ومبادرات ذاتية، وهو تطور كبير إذا علمنا أن عمر الفن التشكيلي في اليمن بصورته الحديثة المعروفة لا يتجاوز نصف قرن، على عكس الفنون السماعية والأدبية العتيقة والمتسلسلة إلى اليوم دون انقطاع.
ومن أجل تطور فني يمني أكبر فمن الضروري أن يكون هناك جامعات وكليات متخصصة تحتضن الكثير من المبدعين وتصقل مهارات من يُظهرون ميولاً فنية. كما أن البلد بحاجة لزيادة عدد القاعات والمعارض الدائمة لمشاهدة أعمال الفنانين وبيعها كمردود معنوي ومادي في آن، فذلك يعطي الفنان حوافز أكبر للاستمرار في مسيرته الفنية ويعينه في مسائل المعيشة، خاصة المتفرغين للفن.
أما بالنسبة للنقد الفني في اليمن فأنا بصراحة أجده عقيماً. الفنانون الحقيقيون أصحاب التجربة والمعرفة العلمية لا يقومون بدورهم في نقد الأعمال والتجارب الفنية. غياب ذوي الاختصاص جرأ البعض من غير المختصين على القيام بدور أرباب الفن ولعب دور الناقد وممارسته بطرق غير مبنية على قواعد النقد الفني العلمي، وهو نقد يهدم أكثر مما يبني، ومزاجي انتقائي، لا موضوعي علمي. وحسب علمي لا يوجد في المكتبة اليمنية محاولات جادة في نقد الفن التشكيلي اليمني سوى كتابين لعبد القوي ناصر أحمد وآمنة النصيري.

كثافة النشاط الفني في صنعاء
  من تعز إلى صنعاء، كيف وجدت تجربة تعليم الرسم؟ وما هي مخرجاتها؟
 انتقلت إلى العاصمة صنعاء لتأسيس المنتدى بناء على تجربتي في إدارة بيت الفن في تعز والتدريس فيها. صنعاء تختلف كثيرا عن تعز، من حيث الحياة والازدهار والحركة والنشاط الفني والاقتصادي. منذ تأسيس المنتدى أقمنا الكثير من الدورات في مجال الفن التشكيلي، ثم أضفنا أقساماً أخرى، الموسيقى والغناء والخط العربي والزخرفة والتصوير والديكور والمسرح.
حظي المنتدى بمكانة واسعة وأصبح مقصدا للكثير من المبدعين، والكثير من طلاب المنتدى أشركناهم في الفعاليات المحلية والعربية وحصدوا الكثير من الجوائز. وهذه التجربة تثبت أن بالإمكان أن يحصل تطور فني يمني إذا وجدت معاهد وكليات تدرس الفنون وتستوعب الفنانين والطلاب والهواة.

ضد قولبة الفن
  هل أنت مع أطروحة الفن للفن؟ أم ترى أن هناك رسالة للفنان ومسؤولية عليه؟
 أنا ضد أن يؤطر الفن ويحصر في قالب أو اتجاه واحد أو يقدم بشكل سطحي مباشر وجامد. أحب الاختلاف فيه، وتوجه ريشة الفنان إلى جوانب وموضوعات عديدة. بإمكان الفن أن يوجه سياسياً أو يبقى للفن، ومع ذلك سيبقى الفن الجيد فنا مهما كانت توجهاته. وأنا أعتقد أنه إذا كان الفنان يستطيع إيصال رسائل إنسانية أو فلسفية عميقة يتذوقها المتلقي في العمل الفني بالتأكيد سيكون هو الفن الأجمل والأفضل.

هوية يمنية خاصة
  هل تشكلت صورة فنية يمنية لدى المتذوق والناقد الأجنبي؟ وهل هناك تجارب فنية يمنية ترقى إلى العالمية؟
 بالتأكيد تشكلت هوية للفن اليمني لدى المتذوق الأجنبي. تتميز الأعمال اليمنية بصخب اللون وتدرجاته الحارة، فالطبيعة اليمنية مؤثرة بشكل كبير في الهوية اللونية للفنان. ويظل الفنان اليمني في مراحل التجريب والبحث، وذلك لقصر فترة ظهوره التي لا تتعدى نصف قرن. وحتماً سيكون للفن اليمني بصمة واضحة ضمن حركة التشكيل العالمية التي نشأت في بعض البلدان منذ مئات السنين.
ومن دون شك هناك فنانون يمنيون حققوا مكانة عالمية وأصبحت أعمالهم ترقى للأعمال العالمية الخالدة، كالفنان الكبير الراحل هاشم علي، والفنان الكبير الراحل فؤاد الفتيح، وغيرهما كثر، إذا تذوقنا ودرسنا أعمالهم سنجد أن بعضها تجعلهم بمصاف الفنانين العمالقة الأوروبيين.
  كلمة أخيرة...؟
 نصيحة أقولها للكثير من الفنانين الصاعدين: الفن متسع كبير ويحتاج للكثير من الوقت حتى تتكون خطوط وضربات فرشاة الفنان، فلا بأس بأن تصبر لتصل.
وفي الختام أشكر ملحق «مرافئ لا» الثقافي على هذه الاستضافة وعلى اهتمامه بالفنون.