مع حسن بن فرحان المالكي
- تم النشر بواسطة حسن فرحان المالكي
حسن المالكي / لا ميديا -
من هو السني؟ السني بحسب المراد، قد يقصد القائل بـ"سني" أتباع رسول الله، وقد يقصد أتباع المذهب في خصوماته؛ أي هناك "سني محمدي" و"سني مذهبي".
السني المحمدي يعني أنه يطبق سنة رسول الله، وهذه موجودة في جميع أتباع المذاهب بنسب معينة، لأن سنة محمد هي اتباع القرآن.
قال تعالى على لسان رسوله معلماً إياه: "إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ"، وهذا معناه أن سنة النبي هي اتباع هذا القرآن. ويعني أن السني المحمدي عنده من سنة محمد بقدر ما يتبع من أوامر القرآن ويجتنب نواهيه. وهذا موجود في جميع المذاهب، كل فرد بنسبته؛ فمن طبق 90% من تعاليم القرآن فهو سني بنسبة 90% من أي مذهب كان، ومن طبق 10% فهو بهذه النسبة من أي مذهب كان.
هذا هو السني المحمدي؛ لأن النبي نفسه ملزم باتباع القرآن. نحن ملزمون باتباع القرآن أصالة، واتباع النبي من حيث البيان واتخاذه أسوة وقدوة. فالقرآن يجمع هذا كله.
وأما السني المذهبي فهو الذي يتبع المذهب؛ فما قرره المذهب اتبعه، سواء اتفق مع القرآن أم خالفه، أو خالف النبي، المهم هو سنة المذهب.
السني المحمدي ينظر للقرآن أولاً، وما خالف فيه المذهبُ القرآن يرده. والسني المذهبي ينظر للمذهب أولاً، وما خالف فيه القرآنُ المذهب يرده.
بعد هذا كله، هل يصح أن يقول أحدنا عن نفسه: "أنا سني"؟! فإذا قصد المعنى المحمدي فهذه تزكية كبيرة، وإن قصد المعنى المذهبي فهذه مذمة! أنا أرى حلاً وسطاً، أن يقول: أنا أرجو أن أكون سنياً متبعاً للكتاب والسنة فيما أقدر عليه وفيما أعلم وفيما أستطيع، والله يغفر لي.
فكلمة "أرجو" فيها تواضع، بالإضافة للاستغفار والاعتراف بالذنوب. أما تفاخر الحمقى بأنهم "سنة"! فهذه السنة المذهبية، لكن لا يعرفونها. وما ينطبق على السنة المحمدية -بتواضعها وخشيتها- والسنة المذهبية -بكبرها وجهلها- ينطبق على التشيع المحمدي والتشيع المذهبي. فالتشيع المحمدي ما هو؟ والتشيع المذهبي ما هو؟
التشيع المحمدي هو حب أهل البيت الصالحين فقط، دون سائر بني هاشم ولا الذرية، والقول بفضائلهم.
بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أهل بيته، لا لنسب ولا لعصبية، حاشى لله، وإنما لأن الله يحبهم لفضلهم وعبادتهم وزهدهم ولمصائبهم. وقد وصف أئمة أهل البيت الشيعة أوصافاً جليلة فيها الخشية لله ومراقبته والصدق والعدل والإحسان؛ أي كأنهم يصفون الملتزمين بالقرآن.
فمن وجدتموه من الشيعة مغالياً محرضاً على قتل المسلمين المخالفين، أو مجرماً أو متاجراً بأهل البيت، فهو متشيع مذهبياً لا شرعياً ولا محمدياً.
والخلاصة أن السنة المحمدية والتشيع المشروع يتحققان بقدر الاتباع للقرآن. وأما التسنن المذهبي والتشيع المذهبي فهما تشوهان كبيران للدين.
وليس المقصود هنا إلغاء التنوع في الفهم والتطبيق والقناعات؛ وإنما المقصود أن من يقدم الخصائص المذهبية على قواطع القرآن الجامعة فقد تمذهب. فإذا وجدتم سنياً لا يراعي قطعيات القرآن ويوظفها فهو كاذب في تسننه، وإذا وجدتم شيعياً لا يراعي قطعيات القرآن ويوظفها فهو كاذب في تشيعه.
كل سني أو شيعي تدعوه إلى كتاب الله وقطعياته ومشتركاته وأوامره الصريحة بحرمة دم المسلم مثلاً والعدل والصدق، ثم يتركه للمذهب فهو شيطان أغبر.
كيف يكون السني شيعياً ولا يعلم، والشيعي سنياً ولا يعلم؟! سؤال غريب! أليس كذلك؟ لكن لن تستغرب إذا علمت أني أقصد المعنى الشرعي لا المذهبي؛ فالسني مثلاً إن التزم أوامر القرآن الكريم واتبعه فهو هنا يحقق التشيع الشرعي من حيث لا يعلم، لأن الشيعة عند النبي وأهل البيت هم هؤلاء. وإن التزم الشيعي بأوامر القرآن واتبعه فهو يحقق التسنن الشرعي حتى لو لم يعلم، لأن السنة الشرعية عند النبي بل وفي القرآن ليست إلا هذا.
الوهم من أين أتى؟ أتى من تأخير القرآن وتقديم المذهب؛ فتعاليم القرآن هي الأصل في كل تسنن مشروع وكل تشيع مشروع. فالمذهبية هي السبب. يجب على السني أن يبحث عن السنة المحمدية، وسيجد في أوائلها العدل والصدق والتقوى والحقوق وحب الخير والإحسان. ويجب على الشيعي أن يبحث عن التشيع المشروع، وسيجد في أوائله العدل والصدق والتقوى والحقوق وحب الخير والإحسان. لو يتفق عقلاء المذهبين على البداية من أوامر الإسلام القطيعة المكررة في القرآن، لعرف بعضهم لبعض كل حقوق المسلم، ولكن الواقع هو العكس.
أنت أيها السني إن كنت تحب الصدق ففيك شيء من تشيع شرعي. أنت أيها الشيعي إن كنت تحب الصدق ففيك شيء من سنة محمدية. موردكم واحد وإن أبيتم.
أهل المذاهب كأنهم لا يعرفون أنهم يتفقون في الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والصدق والعدل وبر الوالدين... الخ. هذه من أسس المذاهب كلها، وهي أقوى بكثير من الاختلافات، وأكبر وأكثر مما بين شعوب الهند وشعوب أوروبا وشعوب أمريكا. هي أقوى بكثير، لكن لا يكاد يشعر بها أحد!
المصدر حسن فرحان المالكي