«لا» 21 السياسي -
الشذوذ في الغرب، الذي يسعى لجعله مليارياً، ليس جنسياً فقط، بل يريد الغربيون استمراره سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
تأسّست المنظومة الغربية على متلازمة آرية وسيادة «الأنا» الأبيض، وإخضاع وعبودية الآخر الملون. وهي متلازمة تسري في الوعي الغربي، باعتباره «خالق» الثورة العلمية والترفيهية بمميّزاتها العقلية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي فهي حكر له لا يجوز المساس بها من أي دائرة مختلفة عنه في الجوهر الثقافي والأيديولوجي (العقائدي).
والأساس المشوه والبشع للشذوذ، بعيداً عن المتعة (المنحرفة)، هو الإخضاع (ضداً لعلاقة المواءمة واللذة المتبادلة في العلاقات السوية)، حيث يتماثل المتعاطيان للجريمة، وفي مرحلة من مراحل العملية يهيمن فيها «الرّاكب» على «المركوب» بإظهار علامات الإخضاع والسّيطرة للإذلال، وهي حالة تستقر في مستويات نفسية لا واعية تُترجِم العمليات المصاحبة كممارسة العنف في إتمام السيطرة أثناء العملية الجنسية المنحرفة.
والمثلية السياسية تهدف إلى متعة ركوب دولة ظهرَ دولة أخرى مثيلة لها، وهو ما أرادته ألمانيا في قطر، من خلال إبراز مستوى الإخضاع والإذلال في مستوى تماثل الدولتين، وهو ما يرومه الاستعمار، لأنّه غارة على دولة ذات سيادة. إذن هناك تماثل بين الدّولتين؛ لكن الإخضاع في حالة التماثل يكون أقوى وأذل للدولة المهيمن عليها، كما حدث في العراق وليبيا.
عندما انتقد عالم الاجتماع المصري اليساري أنور عبد الملك، الاستشراق، في مقالته الشّهيرة «الاستشراق في أزمة» (1963)، وقف غابرييلي ضد هذه الرؤية مدافعاً عن الاستشراق، قائلا: «الواقع أنه يحق للغرب أن يطبّق على الشرق مفاهيمه ومنهجياته وأدواته الخاصة، كما يحق له أن يطبّق معاييره الخاصة على ما ندعوه بالتاريخ والحضارة. منذ أربعة قرون على الأقل كانت المفاهيم الأساسية للبحث العلمي قد بلورت في الغرب، وفي الغرب وحده». هذه النظرة الاستعلائية التي توحي وكأنّ العالم الآخر غابة من التوحش في غيبوبة من العقل، فما دام أن الغرب هو منتج المفاهيم والآليات، فله كل الحق في ممارستها وتطبيقها على غيره من الأمم باعتباره السيد.
تعتبر عناصر هذه المناكفة الحضارية من عوامل الإخضاع في اللاشعور السياسي في عملية المثلية السّياسية؛ إذ المتعة تحصل بالوصول إلى نشوة الهيمنة التي تحوّل موضوع المتعة من مثيل ندّي إلى مثلي منزوع الكرامة، باعتباره مركوباً في مرحلة تالية يخضع بذلٍّ لهيمنة الرّاكب السياسي.