بشرى الغيلي / لا ميديا -
لا وجهة للمواطن الكادح سوى المشافي الحكومية، ومن حقه كمواطن أن يحصل على الخدمةِ التي تليق به، 
ومع ذلك يدفع مقابل الخدمة التي لا جدوى من نفعها، فرغم أنها لم تعد مجانية أو حتى برسومٍ رمزية فهو يدفع مقابل ذلك تشخيصا خاطئا بسبب قِدم وعتاقة الأجهزة الطبية 
والتشخيصية في المشافي الحكومية، وعدم مواكبتها للأجهزةِ المتطورة والحديثة، حتى وإن وجدت المتطورة في المشافي الخاصة فلا قدرة للمواطن ذي الدخل المنعدم أن يجاري أسعارها المرتفعة ألفي قدم عن مستواه المعيشي، 
الأجهزة الطبية القديمة التي مازالت تعمل من ستينيات القرن المنصرم عفا عليها الزمن، حاولنا كثيرا التواصل مع مختصي وزارة الصحة فلم يتم الرد، وكل مختص كان يحيلنا لآخر لأكثر من أسبوع، 
أطباء لهم علاقة بالتعامل اليومي مع الأجهزة الطبية وضعوا النقاط على الحروف وتكرموا بالتعاون معنا لتتضح الصورة أكثر للقارئ الكريم.

لا توجد مشتريات في المشافي الحكومية
الأجهزة الطبية القديمة في المستشفيات، التي لا تواكب الحداثة والتطور بمجال الطب في العالم.. بداية يصف الوضع الدكتوروليد عبده محمد الثجيري (أخصائي طب الطوارئ والكوارث والحالات الحرجة) بأن المستشفيات الحكومية ورغم الدعم السخي من منظمات المجتمع المدني إلا أن الأجهزة القديمة مازالت قيد الاستعمال، ويضرب مثلا كجهاز التصوير الإشعاعي العادي (الإكس راي)، وهو لا يعطي صورة واضحة بتاتا مقارنة بالجهاز الحديث الديجتال.
أما في حال أنه لا يتم رفد المشافي بكل حديث في مجال الأجهزة الطبية رغم أنها تأخذ مبالغ باهظة من المرضى مقابل علاجهم، يوضح الطبيب الثجيري: «ليس هناك سياسة واضحة للمشتريات في المشافي الحكومية وليس هناك قسم أو موظفو مشتريات وكل الأموال تورد يوميا للبنك المركزي ولا يتم رفد المستشفى بأي جهاز جديد رغم الدعم الداخلي والخارجي وغزارة دخل المستشفى، فمثلا لا يوجد جهاز رنين مغناطيسي في أكبر مستشفيين حكوميين على مستوى اليمن (الثورة والجمهوري) وله أهمية قصوى في تشخيص أمراض كثيرة بخاصة في ما يتعلق بالمخ والعمود الفقري.. الفساد الإداري وعدم وجود سياسة واضحة للمشتريات في المستشفيات الحكومية هو ما يعوق مواكبة التطور ورفد المستشفيات بأجهزة حديثة متطورة».
تؤثر الأجهزة القديمة في رداءة الخدمات الطبية والتشخيصية وهي قصص كثيرة حصلت في الواقع والسبب يعود لعتاقة تلك الأجهزة، يختم الثجيري: «الأجهزة القديمة والرديئة تؤثر علينا سلبا كأطباء في التشخيص والعلاج فمثلا الأجهزة القديمة لا توضح الالتهابات في الصدر، ولا توضح الكسور في عظام الجسم بشكل دقيق، وبالتالي لا نستطيع البت في الحالات ونضطر لتحويل المريض إلى مراكز خارجية خاصة يتوفر فيها أجهزة حديثة، وليس فقط وجود أجهزة قديمة، بل عدم وجود أجهزة أساسا مثل جهاز الرنين وجهاز قياس كثافة العظم وأجهزة المقطعية المحورية بالصبغة في المستشفيات الحكومية كالجمهوري».

خدمة لا تليق بما تدفع من تكاليف
د. جمال عبدالمغني (أخصائي طوارئ وحالات حرجة).. يبدأ مداخلته أن الكثير من المستشفيات لاتزال تعمل بالأجهزة القديمة والتي تحتاج إلى تغيير وليس هذا وحسب، بل هناك شحة في الأجهزة.. ويضرب مثلا: «أجهزة تخطيط القلب والتلفزيون، مثلا مستشفى لا يملك في الطوارئ إلا جهاز تخطيط واحدا أو جهاز تلفزيون واحدا، وهذا موجود منذ وقت طويل من قبل عام 2014، ونعلم تماما كم هي معاناة المرضى في المستشفيات الخاصة».
ثم طرح عبدالمغني تساؤلاً كونه محتكا بالتعامل اليومي مع الأجهزةِ الطبية: «هل تعلمون أن جهاز تصوير الرنين المغناطيسي في مستشفى الثورة معطل منذ عام 2012 ولم تتم صيانته أو إصلاحه إلى يومنا هذا؟ ولذلك يلجأ المواطن إلى المستشفيات الخاصة لتوفر هذه الأجهزة».
وفي توضيحه للرد على تساؤل عدم رفد المشافي بأجهزة حديثة رغم أخذ مبالغ باهظة من المرضى: «سؤال محيرني منذ وقت طويل، حقيقة لا يوجد أي مانع من رفد المستشفيات بأجهزة طبية حديثة ومتطورة، مع العلم أن المستشفيات تأخذ مبالغ باهظة من المواطن ومن حق المواطن الحصول على خدمه تليق به جزاء للمبلغ المالي الذي يدفعه مقابل الحصول عليها».
ويختم عبدالمغني مداخلته عن انعكاس وتأثير استخدام الأجهزة الطبية القديمة: «التأثير كارثي على المرضى، قد يكون تأخير في الحصول على نتيجة سريعة للمريض، وقد تكون نتيجة خاطئة وهذا نلاحظه في كثير من أجهزة المختبر القديمة».

تأثير سلبي على التشخيص والعلاج
د. تغريد العريقي (أخصائية نساء وولادة) تقول: «الوضع سيئ جدا وهذا ما نلمسه في أغلب المستشفيات الحكومية رغم الإيرادات والعمل المكثف حاليا، ممكن نقول بسبب وضع البلد والحرب وصعوبة وصول الأجهزة من الخارج بحكم فرض الحصار على اليمن، لكن قبل الحرب كان هناك دعم يصل، ولا ندري سبب الإهمال وعدم المتابعة والمراقبة رغم رجود أفضل الكوادر في اليمن من استشاريين لكن للأسف جعل المواطن يلجأ للسفر خارج البلد للبحث عن التكنولوجيا الحديثة في الطب».
أما عن عدم رفد المشافي الحكومية بأجهزة متطورة وحديثة تضيف العريقي: «في الوضع الحالي لم يتم رفد المشافي بالأجهزة الحديثة ووضع اليمن حرج جدا، ورغم كل الحصار لكن لا نقول إننا لا نملك أجهزة متطورة، فلدينا مراكز تشخيصية ومختبرات خاصة كثيرة في الوطن لنا الفخر فيها وفروا كل شيء أجهزة بـ128 شريحة حيث كانت القديمة الموجودة 28 شريحة فقط، هناك فحوصات أيضا كان من الصعب عملها باليمن واليوم نفخر أنها توفرت باليمن رغم كل المحن التي يعاني منها البلد».

الأجهزة المتطورة تؤدي إلى الاكتشاف المبكر للأمراض الخطيرة  ومعالجتها
د. سمية اليوسفي (طبيبة أسنان) تحدثت أن الأجهزة الطبية جزء لا يتجزأ من مراحل الحياة المرضية للإنسان وتسهم في إجراءات التشخيص والعلاج والرعاية الصحية، في حين تتقدم التكنولوجيا الطبية بوتيرة عالية إلا أن عدداً كبيراً من المستشفيات الحكومية مازالت تضم أجهزة طبية قديمة، بل الكثير منها معطلة، وأغلب العامل منها تتعرض لأعطال فنية متكررة الأمر الذي يؤدي لتوقفها عن العمل.
وعددت اليوسفي أسبابا كثيرة لعدم رفد المشافي الحكومية بالأجهزة الحديثة والمتطورة: «الأسبابُ كثيرةٌ أهمها عدم وجود خطة سنوية للتطوير والتي تشمل ميزانية متجددة لشراء الأجهزة الحديثة، وتحديث البنية التحتية لمباني المستشفيات والمراكز الطبية، هذه الميزانية لا تقتصر فقط على شراء هذه الأجهزة وإنما على تأهيل الكادر على استخدامها وتأهيل المهندسين والمختصين على صيانتها الدورية، فعدم تأهيل وتدريب الكادر الطبي على معرفة واستخدام هذه الأجهزة الطبية سيؤدي إلى عدم الاستفادة منها، بل ربما الإضرار بها بسبب سوء الاستخدام، وكل ذلك يعود الى غياب الرقابة الدورية للمؤسسات وكوادرها الطبية التي تعرضهم للمساءلة القانونية في حال عدم تطوير الكادر وتوفير كل ما هو حديث ومطلوب».
أما عن تأثير الأجهزة القديمة في رداءة الخدمات الطبية والتشخيصية فتختم اليوسفي: «بالتأكيد أن الأجهزة القديمة لا تؤدي لنتائج تشخيصية وعلاجية دقيقة إضافةً لزيادةِ الأعراض الجانبية التي يتعرض لها المريض بسبب عدم دقة التشخيص منذ البداية، وهذا بدوره يؤدي إلى مضاعفات وتفاقم المرض بشكل أكبر، على سبيلِ المثال التشخيص المبكر لأمراض السرطان باستخدام الأجهزة الحديثة يسهم في معالجات أكثر تحفظية والمساهمة في القضاء عليه بتدخلات بسيطة دون اللجوء لإجراءات معقدة قد يحتاجها المريض في حال تم التشخيص بشكلٍ متأخر، وانتشار السرطان في الجسم، ما يضطر الكثير من المرضى إلى البحث عن مصحات خاصة طلباً للعلاج رغم التكاليف الباهظة، إلا أن فئة كبيرة من الناس تجد نفسها غير قادرة على ذلك بسبب ظروفها الاقتصادية، لذا فإنه من المهم جداً تبني سياسة واضحة المعالم تساعد على استثمار الموارد المالية وتخصيصِ جزء منها لشراء الأجهزة الطبية، فالعلمُ يتطور بشكلٍ يومي ولا مجال للتخاذلِ فيه خاصةً في المجالات الطبية التي تمس حياة الإنسان».

بالقرب من معاناتهم
أخذت صحيفة «لا» مجموعة من آراء المواطنين الذين يعانون معاناة كبيرة ويواجهون أسوأ الظروف أثناء البحث عن رحلةِ العلاج للأمراض التي يصابون بها في المشافي الحكومية ويتأخر تشخيصها أو تشخص بطريقة خاطئة مما ينعكس سلبا.. أم صفاء (مُعلمة) تقول: «ابنتي تعاني من مرضٍ خبيث لم يتم تشخيصها في أحد المشافي الحكومية التشخيص الدقيق منذ البداية فتمكن منها المرض وصارت حالتها صعبة مع تناول مهدئات لا علاقة لها بالمرض، ووالدها متوفى وأنا أعمل مُعلمة والرواتب مقطوعة كما يعلم الجميع، وفي ظل هذا الوضع اضطررت لبيع كل مدخراتي ومجوهراتي، وحتى أثاث البيت لأتمكن من علاجها ولكن دون جدوى. صار الوضع أكبر من احتمالي وقدرتي وأسأل الله أن ينظر إلينا بعين رحمته».
صالح (رب أسرة) يقول: «تم تشخيص طفلي ذي الخمسة أعوام بأحد المشافي الحكومية أن لديه مرض الكبد وهو في عمرٍ صغير وكان يتم إعطاؤه تلك الأدوية على أنه الكبد، ولم ألاحظ أي تحسن لطفلي فبعت الأرض الوحيدة التي نملكها وسافرت به خارج البلد وصاح الأطباء في وجهي أنني كدت أسهم معهم بقتل طفلي فلم يكن لديه الكبد أبدا، وأن الأدوية التي تم إعطاؤها له أثرت عليه بشكل كبير، وحسبي الله على من أوصل طفلي وأوصلني لهذه الحال من سوء تشخيص يذهب ضحيته الكثير».
تلك نماذج بسيطة تم التوقف معها والقائمة طويلة ونتمنى أن تختفي هذه المعاناة من أوساط المواطنين الذين لا وجهة لهم غير المشافي الحكومية، وأن يتم تطوير الخدمات فيها من حيث الأجهزة الطبية والتشخيصية، فالمواطن الكادح لا يستطيع أن يجاري من جعلوا الطب تجارة في المشافي الخاصة ولا يتمكن المريض من الولوج حتى من بواباتها كتشخيص للمرض. وإن اضطر فهو سيبيع كل ما يملك مقابل ذلك.

«الصحة» لم يتم الرد
لأكثر من أسبوع ونحن نحاول التواصل مع مختصي وزارة الصحة ليوضحوا أسباب عدم مواكبة المشافي الحكومية للأجهزة الطبية الحديثة، خاصة وأنها الوجهة الوحيدة للمواطن الكادح الذي لا يستطيع التوجه للمراكز والمشافي الخاصة التي تكلفتها تكون باهظة الثمن وفوق قدراته وإمكانياته البسيطة والمحدودة، فكل مختص كان يحيلنا إلى مختص آخر، والبعض يرد وفي المرة التالية يغلق جواله.. نأمل ألا يمر هذا التقرير مرور الكرام على وزارةِ الصحة وأن يوضحوا الأسباب، كذلك نأمل التعاون والرد على الصحفيين فهم في خدمة المواطن والوطن.