حاورتها: بشرى الغيلي / لا ميديا -
ملامحها البريئة، وجهها الطفولي، شخصيتها المتزنة، أدوراها التي تعيش فيها وتضفي عليها روحها، كل ذلك جعلها إحدى رائدات الفن اليمني. بدأت حياتها كإعلامية، ثم تدرجت في الكثير من الأعمال، وكتبت في العديد من الصحف المحلية، وناهضت معاناة المرأة، وخصصت رسالة الماجستير لذلك...
ارتبطت شخصيتها في ذاكرةِ الأجيال بـ«رحمة»، أم “كشكوش”. بلغت سن 16 سنة وهي أم لثلاث بنات، نتيجة تزويجها بسنٍّ مبكرة، ثم انفصلت وواجهت الكثير من المسؤوليات: تربية بناتها وتعليمهن حتى صرن ذوات شأن: «أميرة» طبيبة نساء وولادة، «هديل” مترجمة وإعلامية مرموقة، و«نسيم» محاسبة؛ ثم تحملت مسؤولية مرض والدها ووالدتها حتى وافاهما الأجل، ومع ذلك كانت تظهر في أدوراها بكل اتزان، تخترق قلوب متابعيها ومحبيها، وتفرض وجودها، بل وأوجدت لنفسها مكانة بعرق جبينها وتعبها.
تقول: «لم يبنني المال؛ ولكن الله حبّبني إلى خلقه، وهذا دليل أن الله يحبني».
تعرضت للكثير من مضايقات زملاء مهنتها؛ لأنها لا تقبل الظلم على نفسها، ولأنها تطالبهم بحقوقها...
الكثير والكثير يفصح عنه هذا اللقاء مع ضيفة «لا»، الفنانة القديرة فتحية إبراهيم، فنرتشف معا عبق الحديث معها.

البداية من مسرح المدرسة
 يقال إن للبداياتِ نكهة مختلفة؛ لأنها ترتبط بالذاكرة... كيف تلخصين لقارئ «لا» بداياتكِ؟
بدايتي كانت منذ كنت طفلة بالمدرسة. جاء فريق برامج أطفال من التلفزيون، وكان معهم المخرج عبدالوهاب القرش، وأخذني معه في البرنامج، ومنها تدرجت كمذيعة أساسا بالتلفزيون، وكذلك في الأعمال التلفزيونية.

أجد نفسي في المجالين
  بدأتِ كإعلامية، ومن سن 11 سنة تم اختياركِ من الإذاعة ِ المدرسية لأحد برامج الأطفال في الفضائية اليمنية... أين تجدين نفسكِ أكثر؛ في المجال الإعلامي أم الفني؟
 نعم، كنت في الإذاعةِ المدرسية أقدّم فيها، وكتبت للمسرح المدرسي ومثلت فيه. وأجد نفسي في كليهما، الفني والإعلامي؛ لأني قدمت أفضل البرامج وأقواها في تلك الفترة، كـ«المجلة الثقافية» مع المذيع عبدالله إسماعيل، و”المجلة الطبية” مع الدكتور محمد عصدة، و”الإنسان والأمل” لمركز المعاقين، و”مع المشاهدين” الذي صار “تهانٍ وأمانٍ”. وكنت أيضا لفترة من الفترات رئيسة قسم الأحوال الجوية، وبعدها توليت إدارة المذيعين لفترة، ثم تفرغت أكثر للتمثيل في التلفزيون، ومازلت أعد برامج، حتى لو قدمتها لزملاء.

مسلسل أطفال هادف
  ارتبطتِ في ذاكرة المشاهدين بالأم «رحمة»، أم «كشكوش»، رغم أن لكِ أعمالاً سابقة قبله. برأيكِ ما هي الأسباب التي تجعل الفنان يرتبط في ذهن المشاهد وذاكرته بشخصية معينة؟
 هذا البرنامج 5 أجزاء، وارتبط بالذاكرة لأنه برنامج الأطفال الوحيد والقوي حتى الآن، وكبروا عليه، وأصبحنا في ذاكرتهم كشباب يقولون لي: «يا أم كشكوش»، وحاليا حتى الأطفال يحمّلون الحلقات من اليوتيوب ويرجعون للذاكرة السابقة؛ لأنه كان مسلسلا جميلا جدا وهادفا.

شللية
 يقال عن الدراما اليمنية إنها موسمية، أو كما توصف: من العام إلى العام، مثل السنبوسة، لا تظهر إلا في رمضان... ما هي أسباب ذلك؟
 فعلا، الدراما اليمنية موسمية، وفي السنواتِ الأخيرة لم تعد موسمية فقط، بل أصبحت شللية؛ مثلا يأتي ناس ليسوا إعلاميين ولا علاقة لهم بالإعلام ويقولون لك: هناك فلوس ورعاة... ويتمنى يجذب له هذا الفنان وذاك، ولا يعجبك أجره، وهم لا يُقدّرون الفنان وقيمته الفنية، بل يهمهم كيف يكسبون... فيقولون لك: هذا نجم وجاء يطلب مني فلوسا، هيا رقّده هناك، ليس له عندنا عمل... وإذا وافقت على أجره بسبب الظروف الصعبة يضع اسمك في الحضيض، مع المبتدئين. المفروض أن يتعبوا لكي يصلوا لأسمائنا... يحددون لنا أبخس الأجور ويقطعونها، يسرقونها، وإذا صحنا أو اعترضنا قالوا: هذا اشطبوا اسمه...!
الفن لم يعد سنبوسة فقط، فهذا العام حاربوني أنا وعلي الكوكباني ويحيى سهيل وفؤاد الكهالي وأحمد المعمري ونجيبة عبدالله... لا أعمال لنا معهم؛ إما أن ينقصوا أجرك وإما أن يجعلوك توقع بعد ثلاث دفعات من شوال، والأجر قليل، وبطريقة فعلا سخيفة وتافهة. وهذه السنة طبعا أنا لم أشارك في أي عمل، وبعد أن يموت الفنان يأتي من يقول: هذا كان عمود الدراما اليمنية!... مثلما قالوا بعد وفاة مديحة الحيدري وعبدالكريم الأشموري...
وأفاجأ بأنهم ينشرون في اليوتيوب والفيسبوك مسلسل فلان، بطولة ما أدري من وفتحية إبراهيم... وأنا ليس لي أي عمل ولا شيء؛ وذنبي الوحيد -كما قيل- أنني أطالب بالحقوق، وأنني لا أصبر إلى أن يسرقون حقوقي، وأنني أريد أن يحترموا اسمي.
أحد الزملاء، وهو مخرج، تصايحت معه وقلت له: لو سمحت، اسمي ليس مثلما في السنة السابقة! فقال: في السنة السابقة لم أكن أنا السبب، والله أننا زعلان و... و... و... وعندما قلت له: مدير القناة يقول لك لا تنسَ اسمي! فقال: إذن فليخرج المسلسل هو!
طبعاً، لا أريد أن أذكر أسماء. أخرجني من المسلسل بالكامل؛ هكذا مزاج شخصي!
لذلك لا يوجد عندنا فن، وأصبحت المسلسلات مزاجية وشللية، وكم سيكسب هذا الذي عينوه مدير إنتاج، أو مخرجا، وملكوه العمل، ويقول: كم سأكسب ولا أريد نجوما؛ أريد واحدا أو اثنين فقط، وانتهى الموضوع، والبقية لا يهم، ولا مشكلة!
فإلى كوننا صابرين على الوضع داخل البلد ونقول بلادنا، وأننا مجاهدون هنا، يكون هذا جزاؤنا.
أنا رفضت العمل خارج البلد منذ 2011، من بدايةِ الأزمة. وإلا فقد كان لديَّ أعمال مع نجوم في السعودية ومصر والأردن... وأدوار بطولة، “رأسي برأسهم”، ولو كانت غيري لرفعت أجرها بالدولار، لكانت ذهبت وتركت البلاد. لكني بقيت، وبقيت أجوري بحسب وضع البلد. وسأقول لكِ شيئا قد لا تصدقينه: في الثلاث السنوات الأخيرة انخفض أجري من الأعالي، وصل إلى 40 ألف ريال للحلقة، بل ومخصوم، أو مسروق منه، ناهيك عن الضرائب، وأمثل حوالى 20 أو 30 حلقة أو 25 حلقة، ويقولون لي: ما معكِ إلا 12 حلقة. أقول لهم: لماذا؟! يقولون: رؤية المخرج، والمخرج طرح المشاهد كلها حلقات، وليس لك حلقات!... أي أنها حرب حرب، يجعلون الواحد يندم أنه يكون وفياً في بلاده. على سبيل المثال: لو ذهبت للجانب الآخر لأمثل معهم، يقولون لي: تعالي وسنعطيك، ونعمل لك... كما يفعلون مع آخرين، ويعطوهم أعلى الأجور؛ لكن لا بأس، ما حدث هذه السنة هو درس لي وأنا فهمته، ولن أعمل مع تافهين ومتهبشين، لن أعمل إلا مع إعلامي يفهم العمل، ويعرف مكانتي وأن فتحية هذه تاريخ بحجم وطن، وليست لعبة!

ماجستير عن العنف ضد المرأة والطفل
  ذكرت في لقاءِ تلفزيوني أنكِ ارتبطتِ بالإعلامي حسين عقبات بسنٍّ مبكرة وأنجبتِ منه ابنتين. بالمقابل كتبتِ عن الزواج المبكر، والعنف ضد المرأة، وقدمتِ ندوات عن ذلك، وصرتِ مدربة دولية بهذا المجال... هل يمكننا أن نقول إن اهتمامك هذا نتيجة زواجك المبكر؟
ارتبطت بالإعلامي حسين عقبات في سنٍّ مبكرة، وكنت حينها مذيعة ربط، وأنجبت منه بنتين الله يحفظهما. الإعلامية والمترجمة الدولية هديل حسين عقبات، والمحاسبة نسيم حسين عقبات، متزوجتان مستورتان، الله يبارك لهما، نسيم لديها ولد اسمه “جبل”.
عموما، أنا كتبت عن الزواج المبكر لأني تزوجت وأنا صغيرة، وأنجبت ابنتي أميرة الله يحفظها، وهي حاليا طبيبة نساء وولادة بالسودان هي وزوجها وأطفالها الله يحفظهم، وكتبت الكثير من المقالات في هذا المجال الكثير، وحتى دراستي للماجستير كانت عن العنف ضد المرأة والطفل، وكتبت مقالات أسبوعية في الكثير من الصحف: “26 سبتمبر”، “14 أكتوبر”، «الرأي العام» “البلاغ”، «أضواء اليمن» كانت مقالاتي تنزل أسبوعيا، وفي “أضواء اليمن” شهرية، عن العنف ضد المرأة. طبعا هذا نتيجة أنني تزوجت بسنٍّ مبكرة، ولا أريد للبنات أن يخضن التجربة نفسها.

التزامات عائلية ثقيلة
 ما هو تخصصك الدراسي؟ وكيف تجمعين بين التزاماتكِ العائلية والفن كمهنة ووظيفة؟
 تخصصت آداب لغة عربية. والتزاماتي العائلية كانت ثقيلة، والحمد لله، والله يكتب الأجر، كان لديّ ثلاث بنات وأنا منفصلة وعمري 16 سنة حينها. والوالد الله يرحمه مرض لمدة 15 عاما، كان يعاني من الفشل الكلوي، والوالدة مرضت 5 أعوام، أصيبت بجلطات، فالحمد لله أن أعانني على برهما حتى وافاهما الأجل. وبناتي درستهن وعلمتهن؛ واحدة طبيبة، والثانية مترجمة دولية وإعلامية، والثالثة محاسبة، والحمد لله، في الفن بنيت اسمي منذ كان عمري 11 عاما، وصار لي اسم ومكانة، والحمد لله تعديت الثلاثين سنة وأنا في الإعلام.

أبي لم يعارضني
 لماذا اختارت فتحية إبراهيم التمثيل؟ وهل لقيت معارضة من الأهل أو البيئة المحيطة؟ وكيف تجاوزتِ ذلك؟
 لا... والله التمثيل هو الذي اختارني؛ لأنني بدأت إعلامية، والمخرجون هم من كانوا يطلبونني، في السعودية أو الأردن أو مصر أو داخل اليمن. لم أجد أي معارضة من الأهل في مجالي. أبي كان متفهماً، ولأني بدأت وكنت صغيرة وتدرجت في الأعمال، فكان الأمر طبيعيا جدا.

لم أمثل دورا لا يناسبني
 هل رفضت أن تؤدي دورا فنيا؟ ما هو ذلك الدور؟ ولماذا رفضتِ تأديته؟
 لم يتجرأ أي مخرج أن يطلب مني دورا لا يناسبني. أنا كأم، أو كزوجة تضحي من أجل أولادها وزوجها ما قد حصلت؛ لأنهم يعرفون توجهي في هذا الموضوع.

زهراء طالب كانت ملهمتي
 من هي الفنانة اليمنية التي أعجبتِ بها، وتعتبرينها مُلهمتك؟ وهل تتعرضين لمضايقات فــي عملكِ؟
 الفنانة زهراء طالب رحمها الله كان أداؤها جميلا، وكانت ملهمة والله، فلما أشاهدها وأرى أداءها في مسلسل “الفجر” مثلا كانت ما شاء الله عليها. ومن العربيات عبلة كامل. وكثيرون يشبّهون أدائي بعبلة كامل، في الطيبة، الأم، الملامح المؤثرة الحزينة... فمثلا إذا قمت بدور كوميدي يقولون: نضحك معك من القلب، وإذا حزنتِ نحزن معك... حتى اللقطات الشريرة لم يتفاعل معي الجمهور فيها كشريرة، فمثلا في مسلسل “قلوب مقفلة” مثلت دور خالة شريرة، ولما ماتت بكى الناس عليها، فكتبوا في التعليقات واليوتيوب: حرام عليكم، لماذا تميتون فتحية إبراهيم؟!...
الحمد لله، صحيح أننا لم نجمع أموالاً؛ ولكن الله حببنا لدى خلقه، وهذا دليل أن الله يحبنا، له الحمد والشكر.

أعتز بكل أعمالي
 ما هي أهم وأبرز الأعمال التي شاركتِ فيها، وأفضل عمل فني بالنسبة لكِ؟ وما هو المشهد المؤثر الذي يصعب عليكِ نسيانه؟
 لن أظلم عملاً لحساب عمل، فخلال مسيرتي، الممتدة 32 سنة، أديت أعمالا كلها قوية، فيما يخص أدواري أنا؛ لأنني أحاول أن أقوي الدور، وأعطيه روحا بالشخصية التي أنا فيها؛ يناولني المخرج ورقا فقط، وقد يقول: لا تعدلي في النص، لا تعملي... فأحاول أن أضفي روحا على النص؛ ولكن إذا كان المخرج لا يريد لي أن أبدع له في الموضوع فماذا أعمل؟! والحمد لله، أنا في كل أدواري أحاول أن أبدع وألا أكون جامدة فقط بما في الورق.
أما المشهد الذي يصعب عليَّ نسيانه فهو مشهد في مسلسل “غربة البُن”، حين قالوا سيقتلون أخي، وحين جاء أخي قال: سامحيني!... هذا كان أصعب موقف. طبعا في الواقع أخي قاطع رحم، مع أنني صرفت عليه، وهو أكبر مني، هو الآن في الستينيات، وربيت له عياله، وقمت بواجبه ناحية أبي وأمي، وهو أكل ميراثي، والآن نحن في المحكمة، ودفع أولاده ليقفوا ضدي، وأنا ربيتهم، والله هو المطلع...
كان الموقف مؤثرا بالنسبةِ لي، فتأثرت وقلت: متى سيصحو ضمير أخي ويقول: سامحيني يا أختي عما فعلته؟!! ولكن لا فائدة!

خمس وردات
 ثلاث وردات جورية نفرد لها مساحة عبر “لا”... لمن تهدينها؟
 اجعليها خمس وردات؛ ثلاث لبناتي وأزواجهن وأولادهن الله يستر عليهم ويحفظهم ويحفظ خالتي الله يطول بعمرها. وواحدة لكِ؛ لأنني أتعبتك معي كثيرا قبل أن أرد عليك، لأنني كنت مشغولة جداً.
والوردة الخامسة لجمهوري الكريم، الذي أطلب منهم عبر صحيفة “لا” أن يسامحوني لأنني لم أظهر السنة هذه بأي عمل؛ ليس بيدي، وإنما هناك عصابة أبعدتني عن كل الأعمال، والمشكلة حتى القنوات الرسمية، وليس القنوات نفسها، وإنما القائمون على تلك الأعمال من المتهبشين، ممن لا علاقة لهم بالإعلام، وماذا نفعل؟! الخيرة لله.
وتحياتي لرئيس تحرير «لا» ولجميع العاملين فيها.