الأرصفة.. من ممرات للمشاة إلى ملكيات خاصة!
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا

استطلاع: بشرى الغيلي / لا ميديا -
«تخيّل أن تُستخدم الأرصفة لكلِ شيء إلا للمشي...» فقد صار الرصيف بين بائعٍ متجولٍ يحاول كسب رزقه، وسائق يبحث عن موقف لسيارته، تُختطف أرصفة صنعاء وتُسلب من رونقها ويصبح المشاة في خطر، لتصير ساحة للبيع العشوائي ومواقف غير قانونية، هذه الظاهرة ليست مجرد تشويه للمظهر الحضاري، بل هي ظاهرة تتنامى بشكلٍ يهدد سلامة المواطنين وتنعكس سلبا على حياتهم اليومية، فمن إعاقة حركة المشاة إلى سرقةِ الهواتف والأغراض، وصولا لدهس الأطفال، والتحرش بالنساء.. وأصبحت شوارع العاصمة صنعاء ساحة لمخاطر متعددة تحتاج إلى حلولٍ عاجلة.. وكعادتها صحيفة «لا» القريبة جدا من هموم المواطن اليومية تسلط الضوء على هذه الظاهرة وسبّاقة في لفت الجهات المختصة حيث أرجع أحد المختصين في تصريحٍ خاص أسباب ذلك لغياب التنسيق بين البلدية والمرور.. الكثير من التفاصيل ضمن السياق..
حق المشاة في القانون اليمني
الرصيف ليس مجرد مساحة مخصصة للمشاة، بل هو حق أصيل يكفله القانون، وقد نص القانون اليمني بوضوح على حقوق المشاة في استخدام الرصيف، ويفرض عقوبات على المخالفين والتجار.. أوضح لـ»لا» القاضي حمود هيج: «استخدام الشارع أو الرصيف المقابل للبناء بأشياء تعيق حركة وسائل النقل أو مرور المشاة عليه أو شغل مساحة أكثر من المسموح بها لها غرامة، عدم إقامة سياج مؤقت أثناء البناء أو الهدم لها غرامة، إغلاق الشارع لسبب أو لآخر دون تصريح لها غرامة، نقل مخلفات البناء إلى شوارع أخرى في غير الأماكن المخصصة لها غرامة، ترك مخلفات البناء في شوارع أخرى في غير الشارع بعد انتهاء أعمال البناء لها غرامة».
تأثيرات الاستيلاء على الرصيف
* الضيق اليومي: يتجنب المارة الرصيف، ويمشون في الطريق، مما يزيد من الحوادث المرورية، خاصة في الخطوط السريعة، كخط الستين الذي لا يمر يوم دون الإعلان عن حوادث مشاة يحاولون قطع الطريق.
* التأثير النفسي: الحالة المستمرة من الازدحام والضغط يمكن أن تؤدي إلى توتر نفسي واستياء بين المواطنين.
* المشاكل الصحية: نقص الفضاء للمشاة يعني نقصا في الانتظام اليومي للمشي، وهو أمر مهم للصحة العامة.
* التأثير على الأعمال: بعض التجار يجدون أنفسهم في حالة منافسة غير عادلة، حيث يتم تحديد مواقعهم بشكل عشوائي وغير منظم.
عدم وجود منحنيات
في كل أنحاء العالم أوجدوا حلولا في الأرصفة لمرور المعاقين وتم هندستها بطريقة تسهل لهم المشي بأمان ولا يتم تجاوزها أو التعدي عليها، أما لدينا لم يجد حتى المشاة العاديون حقهم في الطريق، وفي هذه الجزئية يتحدث لـ»لا» عبدالمجيد الملحاني (معاق): «يتوجب علي المشي في شوارع صنعاء، وأراها كتحدٍ كبير، والطريق إما مزدحمة أو غير صالحة للمشي، فأضطر لطلب مساعدة المارة (طلعني.. نزلني) بسبب عدم وجود منحنيات على الرصيف للكراسي المتحركة، ما يجعلني أعاني الخوف الدائم من الحوادث، وأشعر بعدم الاهتمام بنا كمعافين واستخدام الرصيف كحق للجميع».
من حقنا المشي بأمان
لتأكيدها على ما تواجهه المرأة من مضايقات تحكي لـ»لا» إيناس الشرعبي (طالبة جامعية)، نتيجة الاستيلاء على الأرصفة خاصة في الأسواق الشهيرة كشارعي جمال والتحرير وبسبب الازدحام الشديد ووقوف السيارات على الأرصفة والعشوائية حولها ذلك إلى هدفٍ سهل للتحرش كما قالت، ليس لمرة واحدة فحتى صديقاتها وقعن بنفس المشكلة.
وختمت بالقول: «من حقنا المشي بحرية وأمان والمرور من أرصفة تعطي المشاة حقهم دون أن يضايقهم أحد».
فوضى يومية
الأصل ألا يسمح لأي بسطة في الشوارع والأرصفة، وخاصة أمام المساجد تجد الشارع عرضه 18 مترا، والبسطة آخذة 15 مترا والسيارة الواحدة تمر بصعوبة ناهيك عن المشاة.. ذلك ما أشار إليه عصام عبدالرحمن (محاسب).
وأضاف: «نتمنى من الجهات المختصة أن تهتم بإيجاد حلول وأن تضع حداً للعشوائية التي صارت ظاهرة مؤرقة للكثير، وتخفيف معاناة المشاة الذين هم دائما ما يتعرضون للحوادث».
من واقع ما يعانيه ويعايشه من خلال معاناته كصيدلي، يقول عبدالله غلاب: «للأسف لا يوجد فهم، فلا السائق لديه وعي بقواعد المرور، ولا المواطن يعي ذلك».
وأكد غلاب على أهمية التوعية من الجهات المختصة، وضرب مثلا كصيدلي بأن المعاق لا يستطيع تجاوز الرصيف بعربته ليشترى الدواء، وغيرها من المواقف التي تتكرر بشكل يومي.
التسامح مع مخالفات استيلاء التجار على الأرصفة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة يشعر الناس بالتعاطف مع البائعين، كما يرى ذلك الإعلامي أحمد المؤيد، ويؤكد أن عدم وجود أسواق خاصة بأصحاب البسطات يجعل الجميع يتعودون عليهم مع مرور الوقت، ويعتبرون تلك المشاهد حضرية.
محمد البحري (محام) تحدث عن أحد الأحياء المكتظة بالعاصمة صنعاء المجاور لسوق الخضروات المركزي بشارع الستين مما ضاعف الازدحام بالدراجات النارية، والحي مكتظ بالبسطات أمام المحلات، ومخارج جميع الحارات إلى مصب نفس الشارع، ويضيف أن من الأسباب التي تسبب الحوادث جعل الرصيف مكانا للمقيل وتخزين القات دون حسيب أو رقيب.
قلق دائم على الأطفال
«كأم وتربوية أخاف على أولادي كل يوم يخرجون فيه إلى المدرسة فالأرصفة التي من المفترض أن تكون ممرات آمنة لهم أصبحت مكتظة ببضائع التجار والسيارات الموقوفة بشكل عشوائي، مما يجبرهم على السير في الإسفلت»، كما تحدثت ألطاف الجندبي (تربوية).
وتضيف: «هذا شيء خطير يجعلني أعيش في قلق دائم على سلامة أطفالي، ومن حقهم التنقل دون خوف».
وتتفق معها في الحديث أم يوسف (أم لثلاثة أطفال) بقولها: «كل يوم أعاني مع أطفالي أثناء السير في الشارع، الأرصفة مليئة بالباعةِ والسيارات، ونضطر للمشي في الطريقِ، مما يعرضنا لخطر الدهس».
من ضحايا السرقة تحدث أبو محمد (رب أسرة) تعرض لسرقةِ هاتفه المحمول في أحد الشوارع المزدحمة يقول: «كنت أسير في الشارع وفجأة شعرتُ بشخص يلمس جيبي وعندما التفت، كان الهاتف قد اختفى للأسف، الفوضى في الشارع جعلت من السهل على اللصوص تنفيذ جرائمهم».
غياب التنسيق الفعّال
لأهمية الموضوع وحساسيته كان لا بد من أخذ وجهة نظر المختصين، تحدث في تصريحٍ خاص لـ»لا» الفندم علي العودي من إدارةِ مرور أمانة العاصمة: «تُحذر إدارة مرور أمانة العاصمة من استمرار ظاهرة الاستيلاء على الأرصفة وتحويلها إلى مساحات خاصة، ما يعرّض حياة المواطنين، خصوصاً كبار السن والأطفال للخطر، ويُسهم في زيادة الحوادث بنسبة 30٪ في المناطق المزدحمة، ونؤكد أن إزالة هذه التعديات من مسؤولية البلدية بالتعاون مع شرطة المنطقة، لكن للأسف غياب التنسيق الفعّال بين الجهات هو السبب».
ووجه العودي دعوته للبلدية وجهات الاختصاص لتكثيف الحملات المشتركة، وفرض غرامات رادعة، وتفعيل آلية إبلاغ سريعة، لمن يستولي على الرصيف في أي شارع وتحت أي مبرر كان مع تعزيز التوعية بمخاطر هذه الممارسات حفاظا على السلامة العامة التي من أجلها أنشئ الرصيف والمرور.
الخلاصة
تكمن الحلول في توفير بدائل منظمة للباعةِ الجائلين، وتخصيص أماكن لوقوف السيارات، وتعزيز الرقابة، وزيادة الوعي المجتمعي من خلال التعاون بين الجهات المختصة وأفراد المجتمع، ومن هنا يعاد لأرصفة صنعاء الجميلة رونقها والحفاظ على مكانتها كواحدة من أجمل مدن العالم مع ضمان سلامة وأمن كل من يسير على أرصفتها.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا