الثابت والمتحول في العدوان
 

عبدالباسط السلامي

في موازاة العدوان والاحتلال اللذينِ تعرَّض ويتعرَّض لهما اليمن أرضاً وإنساناً، مجتمعاً ودولةً، حضوراً وجذوراً، موقعاً جغرافياً وسياسياً واقتصادياً وحضارياً وقومياً.. جيشاً ومزارعين، بنية اجتماعية وأبنية عمرانية.. قوىً ثورية تدير دفَّةَ الحكم وتتصدر مشهد الصمود والتصدي، ومدنيين من كافة الأعمار والظروف، ومغاوير راحوا بما تسنَّى من سلاح أو اعتلوا ما تيسر من عتاد يذودون بِشَمَمٍ وبسالةٍ وعظَمةٍ عنَّا..عن وطننا.. عن شرفنا.. عن وجودنا، وحشيةَ المعتدين وعهر أحلامهم.. وجحيم ليلٍ سرمديٍّ يستميت في فرضه على يمننا أبالسةُ الحلفِ..
في موازاةِ هذا العدوان والاحتلال تعرَّضَ بلدُنا لعدوانٍ واحتلالٍ آخر تربطه علاقةٌ جدلية بهذا العدوان وهذا الاحتلال الظاهر..
ما أعنيه العدوان على المصطلحات والتوصيفات والمفاهيم، ومحاولة احتلالها مع نسبيةِ النجاحِ أو الفشل، الجدوى أو العبثية، الاستمرار أو الانكفاء، في ممارسة قوى العدوان والاحتلال لهذا النوع.. من أعلى هرم في أكبر مؤسسةٍ أو دولةٍ أو جهةٍ دولية، إلى أتفهِ مسترزقٍ علاقتُه بالارتزاقِ أنَّ خبالاتِهِ توصيهِ بجدوى استجداء سرابِ خيانة.. وهباءِ أشباهِ بشرٍ لن يرزقوه من ديةِ أرضِهِ.. شعبِهِ.. دولتِهِ.. شرفِهِ، وهم يقتسمون ويُقسمون وينقسمون على قارعةِ العار..
يتصدر قائمة التوصيفات.. المفاهيم.. كلمتا عدوان.. احتلال نفسهما، حيث تعرضا للعدوان والاحتلال.. حتى صارت وسائل الترويج والدعاية التابعة للحلف المقيت تستخدمهما بجرأة وبجاحة فجة لتصف بهما تحركاتِ وأنشطةَ ومواقف أهل البلد (الحوثيون يحتلون صنعاء... عدن... عمران...).
وفي السياق تحضر كلمة المقاومة كتوصيف وتعريف للمتعاونين مع دول العدوان المدعومين بسلاحِهِ وماله المنفذين لمخططاته المؤتمرين لقيادات دول الغزو.. فيما هي تعني بوضوحٍ ابنَ البلد الذي رفض الاستسلام لجيوش قوى الغزو، ويخوض المعارك (في مثل حالة اليمن) ضد عدوان دول غازية لبلده..
وتكثر الكلمات.. المفاهيم.. التوصيفات التي استهدفها تحالف النفط والاستكبار والأعراب.. وكنماذج وأمثلة بالإمكان سرد بعضها للتأمل دون الحاجة لتعليق مفصل:
تحرير عدن.. الجنوب.. قرية.. منطقة.. والسؤال: ممَّن؟!
الجيش الوطني.. علماً أنه ليس جيشاً ولا صلة له بالوطن والوطنية إلّا كونه يستهدفهما معاً، ويستهدف المواطنين، وعلى الأرض هو أقل حتى من مليشيا.. هو متعدد الجنسيات والأشكال والارتزاق، تمارس دوراً متقدماً يخدم ويحمي الحرس الوطني التابع بني سعود..!
الشرعية: وهو وصفٌ الثابتُ الوحيدُ فيه- كما درجت وسائلهم على الترويج- هو شخص العبد الراقد في أحد فنادق الرياض، وليس فاقد شرعية حكم البلد، بل لا صفة ولا صلة شرعية تربطه باليمن على الإطلاق.. فوق ذلك وصل الرياض بطريق غير شرعية..
ظل العدوان ووسائله يكررون الشرعية... الشرعية.. لتكريس مفهوم وتوصيف آخر لما حدث في صنعاء عقب استقالته وإصرار هذا الراقد على مضاعفة مظاهر الفراغ لتوسيع وتأثيث بيئة أكثر قابلية وملاءمة للفوضى والاقتتال على هوى ومخططات المستكبر وأذنابه..
أمّا المتحول في الشرعية فمثل بحاح وحكومة بحاح شرعنها إعلام العدوان لفترة، ثم أطاحوا بها ربما لسبب بقايا شرعية فيها، وربما فقط لتوفير غرفة أو غرف في الفندق المكتظ لمرتزقة وَفدوا حينها. علماً أن الفندق لا يستقبل سوى كبار المرتزقة..
بالمقابل يروجون لانقلاب ما يصفونه بتحالف الحوثي وعفاش أو الروافض والمخلوع، على شرعيتهم المدَّعاة، محاولين القفز على سنوات الانقلاب الطويل منذُ 2011، وعبر محطات متوالية، حتى الانقلاب الكبير على اتفاق السلم والشراكة الذي وقعه الجميع برعاية أممية، واعترف به وأيّده مجلس تعاون الخليج والجامعة العبرية والأمم المتحدة، ورغم استمرار المشاورات برعاية أممية.. انقلب العدوان وانقلبت أدواته والجامعة العبرية وهيئة الأمم..
كما تقفز أغلب المؤسسات والإعلام الدولي على شرعية مقاومة العدوان وشرعية نواب الشعب والشرعية الشعبية والمجلس السياسي..
ومن التوصيفات.. المصطلحات.. المفاهيم المعتدى عليها والمحتلة بنسب متفاوتة، تبرز أوصاف بسهولة ملاحظة إصرارهم على الاعتداء عليها وإحداث انقلاب على مدلولاتها ومشاهدة اتجاه إشارات أصابعها نحو الجهة والوجهة الطبيعية.. ومن ذلك أوصاف: طائفيون، عملاء، خطر على العروبة، مليشيا، مخلوع، نظام سابق، حرس عائلي.. ليصفوا بها أنصار الله الذين يتحملون بصبر وتسامٍ أكبر حملات العنصريين المتعصبين، دون أن ينجروا لردة فعل طائفية عنصرية على مستوى القول أو الفعل أو التعامل في الحرب والسلم..
أو وصف من يرفض استكبار واحتلال المعتدين.. ولعل رفض اليمنيين للاستسلام وراء تسميتنا بالروافض! أو وصف أقحاح العرب. أو وصف الزعيم الذي لم يقبل بالاصطفاف مع المرتزقة والإرهاب تحت مظلة الغزاة لمقاتلة أهل الدار وبيع البلد لوجه الخراب.. أو وصف الحرس الجمهوري واللجان المساندة في معركة الكرامة..
ووصف المؤتمر الشعبي والدولة العميقة ومؤسسات البلد الصامد والصامدة.. ويدرك الجميع أن النظام السابق كان نظام الإخوان، وأن المخلوع الفار عبدربه هو آخر رئيس لفترة ما قبل 21 سبتمبر 2014..
في السياق وبالمقابل يروجون بأساليب وعلى مستويات متنوعة لاصطفاف المرتزقة وتحالف الإرهاب المحلي والمستورد والعصابات وقوى النفوذ والفساد المعتق، باعتبارهم ثواراً، وأن استكمال حلقات احتلال الغزاة لليمن العزيز هو انتصارٌ لما يسمونه الثورة الشبابية السلمية...!
طابور طويل من الكلمات والأوصاف والجمل والعبارات في هذا السياق..: أهمها سبب الحرب مشعلو الفتنة.. الإقصائيون.. (بعد أن أشعل الانقلابيون الحرب..! السعودية تدافع عن نفسها... دخلنا الحرب مجبرين... استأثروا بالسلطة بالقوة...).. متناسين كل التنازلات التي قدمها التحالف الوطني اليمني (أنصار الله، المؤتمر) الذي اضطر وبطلب ودعم شعبي ملاييني واسع لإدارة البلد والدفاع عنه، ومتجاهلين أنهم رفضوا وماطلوا في الاعتذار لصعدة في ما سمي نقاطاً مشروطة تمهيداً للحوار، وما إن قبلوا وبصورة مشينة ومستفزة حتى انقضَّتْ مجاميعهم بالعتاد الثقيل تهاجم صعدة وتحاصرها بدعوى نزع سلاح أنصار الله خارج قواعد ومخرجات الحوار وخارج سلطة الدولة ودستورها وخارج المنطق..
وكذلك إصرارهم على خرق المبادرة وضرورة محاكمة وترحيل الرئيس الأسبق وإقصاء حزب المؤتمر وقيادات الدولة وكوادرها..
وظل إعلام وأدوات العدوان وقطعان منتفعون ومضَلَّلون، ظلت تعمل على تعويم الساحة وملء الفضاء وإغراق الأسماع بسيل من الحيل والأكاذيب والتعريفات المخاتلة قبل وأثناء وبعد الأحداث، في واحدة من أكبر عمليات السطو على التوصيفات.. المفاهيم.. وتجريف الحقائق ومحاولة طمسها، وتجيير الوقائع، والتشويش على العقول، والمضي في محاولة خلق ذهنيات جدباء/أمساخ/... تأسيساً على الميوعة والجمود معاً التي تسيطر على أغلب قيادات وأتباع الجماعات الدينية (تيارات الإسلام السياسي) وبقايا هياكل حزبية كانت ذات زمن أو ذات وهْمٍ يسارية.. تقدمية.. ثورية.. وطنية.. ثم..
وآلت أغلب قياداتها وبعض رموزها والجزء الأكثر قطيعية في أعضائها.. آلت إلى السقوط المخزي في الارتزاق والفتنة واستسقاء السراب.. ومعها جماعات أو مجاميع سلفية غرقت وأغرقت الدين والمقدس في السياسة، في سياق رفضها وتكفيرها السياسة وكل ما يتصل بها.
ومارست تسييس كل شيء وفق مصالحها ومصالح مموليها وصناعها..

أترك تعليقاً

التعليقات