فرصة أخيرة
 

عبدالباسط السلامي

يتعامى الإصلاح (إخوان اليمن) عن استيعاب المتغيرات كما عموا من قبل عن تبيُّن الخطى وإدراك خطورة المضي بعيداً في التبعية والارتهان للخارج حتى والبلد بما فيه ومن فيه يتعرض لأبشع وأكبر عدوان عسكري مباشر وأقسى حصار، وقبلوا بل هللوا وكبروا وأجزلوا الشكر للغزاة، وكانوا أوفياء لهم قدر خيانتهم لوطنهم وأهلهم وأتباعهم.. حتى حين كانت غربان العدوان تضرب وتستهدف مليشياتهم سهواً وعمداً على طول الجبهات، وتمزقهم وتضعهم في مصادمات لا تفتر مع مرتزقة آخرين ظل الغازي يفرِّخهم باستمرار... فوق وضعهم في مواجهة بائسة ومخزية ضد اليمن وضد جيش اليمن ولجان الشعب...
يتعامى الإصلاح كما يبدو، وبدل التوقف وإعادة النظر والتفكير الجاد في استدراك ما يمكن استدراكه، وخلق فرص جديدة تضاف إلى ما يمنحه لهم موقف صنعاء الداعي للحوار والمصالحة الوطنية كجزء من مشروعها الذي يتأسس على أولوية مواجهة العدوان ورفض الوصاية السعودية والأجنبية على اليمن وتحقيق الاستقلال الكامل ويمننة القرار والسيادة، وهو أمر تدركه القوى المهيمنة على قرار الإصلاح، وتدرك رغبةَ صنعاء ورغبة أنصار الله والمؤتمر تحديداً وجبهة مواجهة العدوان بشكل عام...
بدل ذلك، يبدو الإصلاح، ورغم المتغيرات الفارقة على شتى الأصعدة والمستويات في الداخل والخارج، بما في ذلك الموقف العسكري والميداني، وتآكل تحالف كانتونات النفط الخليجية، ورغبة الراعي الأكبر للإرهاب وللعدوان ولاستنزاف المنطقة دولاً ومكونات وجماعات وثروات وقضايا وأسماء وألواناً و... يبدو الإصلاح عبر مواقف قياداته المعلنة وما تعكسه وسائل إعلامه وفسبكات فرقه المتخصصة ونسبة كبيرة من أتباعه وأنصاره... يبدو غير مدرك لقربه من قعر هاوية رمى بنفسه فيها في 26 مارس 2015، ظانَّاً أنه يرمي فيها بالآخرين ليخْلُصَ نجِيَّاً بالسلطة والنفوذ والمال والكهنوت..
هذا ما يبدو.. أما ما نتمناه وما يتوجب عليه المسارعة إليه، وما يمكن أن يكون طوق النجاة له وللقوى التي رمت أوراقها في سلته، فيمكن تلخيصها في النقاط الأكثر إلحاحاً وأهمية كمقدمة لسلسلة إجراءات ومراجعات جوهرية وجذرية يستلزمها تحول الإصلاح إلى حزب حقيقي مدني وطني، وإصلاح قائمة اختلالات وأخطاء وتناقضات ومطبات وقع أو أوقع نفسه فيها:
- إعادة النظر في موقفه وموقعه من العدوان والحصار، والبدء بخطوات جدية ومعلنة تنعكس ميدانياً وسياسياً...
ـ قيام القيادات والكوادر الإصلاحية المؤهلة والأقل تبعية والأقدر على السير في عقد حوارات جادة مع قيادة البلد تفضي ابتداءً للتهدئة والتهيئة لحوار أعم وأكثر اتساعاً تحت سقف اليمن، وبعيداً عن وصاية أو تأثير العدوان...
ـ ترك العناد الغبي، وترك الاعتماد على الإعلان التكتيكي للمواقف من دول العدوان، وبدل الحديث عن عدوان أو احتلال وتآمر إماراتي، وهو موقف نابع من كون الدور الموكل للإمارات من قوى النفوذ العالمي، رغم تناغمه مع الدور الإخواني القطري والدور السعودي والتركي، ولكنه يضع الإمارات في تصادم مع الإخوان في نهاية المطاف كجزء من الدور، وليس خروجاً عليه، حيث يأتي في سياق الامتثال للسيد الأكبر أمريكا التي تحرص على حشر أدواتها في صراعات وتصادم يضمن استمرار حلقات تآكل الأمة واستنزاف مكوناتها المادية والروحية.. ولن ينفع الإصلاح اللعب على شتات الأوراق الأمريكية في الخليج... ولن تكون انتقاداته للإمارات علنا وللسعودية على استحياء بذات جدوى في تحسين صورة الإصلاح عند شعبه، حيث يعلم الجميع سبب ودواعي هذه المواقف المبنية على حسابات الربح والخسارة الأنانية، وعلى تعليمات دولة معينة من دول العدوان. ما يعني اليمن واليمنيين الموقف الجاد والصريح من العدوان بكل دوله وصوره، وما يمكن أن تقوم به جماعة تنوي التوبة والبراءة من هذا العدوان واستغفار الوطن والشعب والتاريخ والقيم..
أما التنقل من حضن إلى آخر ضمن دائرة الأعداء، والتبرم من انتهاك سيادة قطر وبناء المواقف عليه، مع استمرار الاحتفاء بل واستمرار المشاركة في انتهاك سيادة واستقلال وحقوق وأحلام.. و... اليمن، هذا التبرم في هذا السياق يعد جريمة حتى أسوأ من تعظيم السلام الذي قابلوا به عدوان مارس المشؤوم والمأزوم والمهزوم بإذن الله.
لا مناص، إن أراد الإصلاح الاستفادة من آخر فرص النجاة، من أن يتخلص من القيادات المهترئة التي تنتظر ضياع البلد وخراب الديار، وتتكئ على الأرائك والممالك، وقد أوردت قومها وأهلها وشباب وأنصار الإصلاح المهالك.
فهل تنتصر الأمنيات...؟!

أترك تعليقاً

التعليقات