القرابة كوحـدة اقتصادية اجتماعية
 

وائل إدريس

وائل إدريس - كاتب يسـاري ليبـي -

الرفاق في مصر في معظمهم - بدون زعل وبكامل الود - ليس لهم إدراك لطبيعة العمران البشري العربي، هذه غائبة عنهم، وهنا أعني الناصريين والشيوعيين على حد سواء، ينطلقون من قراءة الاجتماع العربي بناءً على مقاييس اجتماعهم والاجتماع الأوروبي، ويبنون عليها أحكامهم.
الطائفة ذاتها القبيلة، في اقتصاد الريع تتكتل، لأنها أي القبيلة /الطائفة هي آلة الحصول على الريع، وبدون وجود القبيلة فإن غذاءها ومعاشها في خطر، فوعيها هنا مرتبط بمصالح القرابة "القبيلة أو الطائفة أو العشيرة أو العائلات، أو المناطقية" ـ كما هو وعي العمال الطبقي في مجتمعات الدول الرأسمالية تماما ـ متى كانت مصالح القرابات تستوجب القتال فهي تقاتل دون النظر إلى الدور الأجنبي في تثبيت مصالحها ووجودها.
من هنا القبيلة مستمرة من آلاف السنين كوحدة سياسية واقتصادية واجتماعية، حتى يحدث التحول الاقتصادي من الريع إلى الإنتاج، وهذا هو ما يكسر العلاقات ويهدم البُنى الاجتماعية السابقة.
نأتي على الحوثيين، وهم جزء من قبائل الزيود، والهاشميين الذين يعرفون بالسادة داخل الزيود، بعد مشاركة عبدالناصر في دعم ثورة الضباط الأحرار في اليمن "عبدالله السلال" اضطروا بطبيعة الحال للمواجهة، لأنه أصبح يمثل خطراً من وجهة نظرهم على مصالح معاشهم، ولذلك قاتلوه بمساعدة الجميع، هذا ينطبق أيضا على مسيحيي لبنان عندما تحالفوا حتى مع الصهاينة، فهل هؤلاء كلهم عملاء لمشاكل فكرية مثلا؟! أو لكونهم انتهازيين!
المشكلة مع عبدالناصر عند هؤلاء اليمنيين، أن من استفاد بالنصر لاحقا هم بنو سعود، بعد الإطاحة بالرئيس اليمني الناصري إبراهيم الحمدي، وتولى لاحقا علي عبدالله صالح، وتدخلت السعودية عبر اللجنة الخاصة التي يرأسها سلطان بن عبدالعزيز في كل كبيرة وصغيرة، وبدأت برشوة القبائل اليمنية، وأسست مدرسة دماج السلفية في صعدة، ومولتها وبدأت بنشر المنهج السلفي الوهابي بين الزيديين، وهؤلاء -أي الهاشميين- لم يكن لهم إلاَّ نائب واحد في البرلمان وبدأ هناك خطر وجودي يهددهم بأكثر مما كان من إقصائهم في الريع وغير ذلك.
فهذا مما عزز الكراهية عندهم من عبدالناصر، والموقف منه، ولو كان عبدالناصر قُدِّر له العيش لكان مشروعه في اليمن استمر، ولم يحدث ذلك الانقلاب على سياسته من السادات وتحالفه مع السعودية وانزوائه في مصر، حتى خلت اليمن لبني سعود، فمشروع عبدالناصر كان يمثل مصالح كل اليمنيين وكل العرب، لكن ما حدث أنه لاحقا ذهب في اتجاه مصالح قرابات أخرى فقط، نتيجة هذه الردة الساداتية.
لذلك من أوجب الواجبات فهم حالة إعادة إنتاج القرابات لنفسها من جديد، فالموقف من الحوثيين أو حزب الله أو أي تيار آخر ليس بما صُدر عنه أو ما يُصدر، بل من خلال مشروعهم السياسي اليوم، هل هو بالتناقض مع منظومة النهب الدولية وأدواتها أم لا؟!
إن كان بالتناقض فلا حاجة إذن لأن نجعلهم مساوين لبني سعود، لمجرد أنَّ لديهم موقفاً من عبدالناصر، بل يجب أن يكون موقفنا مؤيدا لهم، فالوقوف على الحياد بين الحوثيين وبين الغرب وأدواتهم، هو وقوف مع الغرب، قولا واحدا.
التحول الذي طرأ على أشراف اليمن والحوثيين جاء من خلال الخطر المادي والوجودي لاحقا من الدور السعودي الذي لعبه في اليمن حتى وصل لمعقلهم في محافظة صعدة، والسعودية بكونها من كيانات الغرب الوظيفية في المنطقة، أخد هذا التناقض منحى وطنيا، ولو أضفنا عليه صعود الثورة الإسلامية في إيران وتناقضها مع الغرب وشعاراتها التي رفعتها حول أمريكا بكونها الشيطان الأكبر، وأثرها في بعض الحركات الشيعية التي وجدت نفسها في مواجهة حلفاء أمريكا وأدواتها، "الحوثيون وبنو سعود ـ حزب الله والكيان الصهيوني".
لذا فمن المهم جدا فهم طبيعة العمران البشري العربي وتقلباته وإعادة إنتاجه لنفسه بما يتلاءم مع مصالحه، هناك الكثير من الأمثلة التاريخية حول هذا، فالسنوسية مثلا قاتلت الاستعمار الفرنسي في تشاد والإيطالي في ليبيا، والإنجليزي في مصر، لكن انتهت تابعة وعميلة عندما ربطت مصالحها بالإنجليز، بعد أن بدأت إيطاليا في السيطرة على ليبيا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، ومن ثم ما حدث من نتائج للحرب العالمية الثانية ودخول إيطاليا في صراع مع الإنجليز، والتحولات التي طرأت على دول المستعمرات في تلك الفترة حول منحهم الاستقلال الشكلي، مما دفع بالإنجليز ـ والغرب معهم ـ لدعم تولية إدريس السنوسي للسلطة في ليبيا، وبقي خادمهم الأمين، لكن من يتنكر للسنوسيين من القبائل التي تحالفت معهم؟!
حتى الكثير من الخضر في تلك القبائل يتعاطفون مع الملك إدريس ودولته، بالرغم من تأييدهم للقذافي، وفي بعضهم تجد اللمز في القذافي واعتباره متحاملا على النظام الملكي ـ وهذا قطعا غير صحيح ـ لكن من المهم فهم أبعاد كل هذه المواقف، فهمها لا يعني تأييدها ولا عدم نقدها متى استوجب الأمر ذلك، لكن بدون أن نكون في المحور الغربي وحلفائه ونساوي بين الجميع.
دعني فقط أنبه على أنَّ من استمروا في قتال الإمام البدر والقبائل المتحالفة معه ليسوا من المؤيدين لعبدالناصر، بل مشائخ قبيلة حاشد اشترطوا إبعاد المصريين ليقاتلوا مع العسكريين ضد الإمام البدر، وهذا ما حدث، وإن كانت اجتمعت معها أسباب أخرى في تلك الفترة.
قبيلة بكيل على سبيل المثال ناصرت الحوثيين ضد حاشد التي ينتمي لها بنو الأحمر في البداية، بسبب نزاعها القبلي مع حاشد منذ سقوط نظام الإمامة مرورا بحكم علي صالح إلى فترة عبد ربه، وقبيلة حاشد تملك الحظوة في حكم اليمن، وقبيلة عبيدة مثلا محسوبة على أنها قبيلة إخوانية، وهي ليست كذلك في حقيقة الأمر، فهل يوجد منطق في أن قبيلة اجتمع فيها ذات الولاء الفكري، لولا ارتباط محافظ مأرب السابق الذي ينتمي لحزب الإصلاح الإخواني لهذه القبيلة، فربط بين مصالح القبيلة والإصلاح الإخوانية، كحالة مصراتة في الفترة بين عامي 2011 و2015.



مـــن المحــــرر
 يقارب الكاتب وائل إدريس واقع اليمن بإسقاط الواقع الليبي عليه من حيث التركيبة الاجتماعية وتناقضاتها فيقرأ أنصار الله كامتداد لـ«الزيدية الإمامية» ويزنزنها في حيز عصبوي مذهبي قبلي مركب دون أن يجهد نفسه  في تقصي سياق  نشأتها  كمشروع ثوري عابر للمفارز المذهبية والقبلية وناشط ضمن واقعه الاجتماعي الديني والقبلي دون الذوبان في عصبياته.
يعتمد إدريس القراءة الخلدونية للمجتمع «الدوراني» الذي يعيد إنتاج نفسه في مواقع متباينة تاريخياً تربطها مصلحة العصبية العمرانية القبلية, وبذلك يهدر الكاتب سياق التراكم التاريخي للصراع ويغفل معطيات هامة كـ«تحالف دولة الإمامة مع عبدالناصر ومعاداتها لبني سعود»، كما وخصومة فريق واسع من  الأسر الهاشمية مع دولة الإمامة وانخراطها في الصف الجمهوري  الذي يعتبر الكاتب أن «الهاشميين بالمطلق» مناهضون له.
المقالة تعوزها إفاضة نقدية لا يتسع المقام لها وهي محقة بالعموم في فرزها لضفاف الصراع الذي يقف «الأنصار» منه في الضفة النقيض لأمريكا وكياناتها الوكيلة.

أترك تعليقاً

التعليقات