يونس عودة

يونس عودة / لا ميديا -
يعيش اليمن للعام الثامن تداعيات أبشع حرب يشنها "الأشقاء" عليه، بعد تكوين تحالف عدواني تقوده السعودية، وهو التحالف الذي أخذ على عاتقه مهمة القتل المباشر والتدمير الواسع والحصار الخانق وحتى نشر الأوبئة إلى جانب التجويع والتعطيش، وكل ذلك برعاية أمريكية ـ بريطانية ومشاركة البلدين اللوجستية المباشرة التي تبدأ من الرصاصة إلى الدبابة والطائرة والإدارة الاستخباراتية والعملياتية؛ فضلاً عن المساهمة الواسعة لأقمار التجسس الصناعية.
احتفى اليمنيون الشجعان بحلول الذكرى الثامنة لـ"ثورة 21 أيلول/ سبتمبر" وسط مفاجآت لم تكن دول تحالف العدوان ولا الأوصياء الكبار عليها يتوقعونها، لا من حيث الكم ولا من حيث النوع ولا على مستوى ميزان القوى المستقبلي وتأثير هذا الميزان على المستوى الدولي، لاسيما لجهة الميزة الجغرافية لليمن.
قبل أن تركن الأمم المتحدة إلى "القلق" الذي ساورها جراء العرض العسكري "وعد الآخرة" في مدينة الحديدة الساحلية الاستراتيجية (وهي أحد أهم عناوين الهزائم المريعة لقوى العدوان، كما أنها أهم ميناء في اليمن وكانت تمر منه نحو 70% من الواردات) عاجلها قلق آخر كانت بغنى عنه لو ألزمت أو أقنعت المعتدين الذين يكابرون بغطاء أمريكي - بريطاني بضرورة وقف القتل والتدمير من خلال وقف الحرب ورفع الحصار عن الشعب اليمني.
"القلق" تحول سمة في خطابات الأمم المتحدة، وبكل الأحوال نزل هذه المرة كالصاعقة، ليس على الأمم المتحدة حصراً، بل على دول تحالف العدوان والدول الراعية له، وهو نتج عن المفاجآت المدهشة خلال العرض العسكري في صنعاء، ليس فقط من حيث العديد البشري المشارك -وهو أمر لا يستهان به في ظل ظروف الحرب المستمرة، لاسيما أن القوى المشاركة تمثل بعض تشكيلات الجيش فقط فيما عشرات الآلاف مرابطون في الجبهات- بل ومن حيث الأسلحة التي كشف عنها لأول مرة، لاسيما في مجال الدفاع الجوي وصواريخ "أرض ـ بحر"، وهي صناعة يمنية في ظروف الحرب والحصار المحكم.
لقد تمكن اليمنيون في ظروفهم القاهرة من تحويل ظروف الحصار والقتال اليومي على عشرات الجبهات إلى فرص إبداعية في إنتاج المطلوب للدفاع عن الأرض والشعب، لاسيما مع ندرة وجود المواد الأولية، فالعقول اليمنية حلّت المعضلات وارتقت بالتصنيع إلى ما يشبه المعجزة في النوع والكم والقدرة على الاستخدام، مع الحصول على أفضل النتائج.
ليست فقط عملية التصنيع الباهرة هي ما يُسَجَّل لليمنيين، وإنما هناك أيضاً مسألة على قدر كبير من الأهمية، وهي الوصول إلى الإنتاج بهذا الكم والنوع المعلن عنه، وهذا أمر يحتاج إلى معامل وطاقات بشرية كثيرة، بعيداً عن أعين وألسنة السوء، وهذا ما وفّرته الحاجة الوطنية والكرامة وثقافة الانتماء، بحيث لم تتمكن كل أجهزة الاستخبارات -بما تملك من قدرات- من رصد مكان واحد، من الأجهزة السعودية إلى الإماراتية إلى الأمريكية والبريطانية، وحتى "الإسرائيلية"، التي تمتلك تقنيات عالية الحساسية في التجسس والرصد.
إن الإنتاج العسكري الذي كشف عنه في الاستعراض، من مدرعات يمنية الصنع إلى صواريخ بالستيّة "برـ بحر" مطورة، وألغام بحرية وصواريخ "بر ـ بر" وصواريخ "أرض ـ جو" تتخطى التشويش، وسلاح مسيّر بات كاسراً، جزء من مراكمة القدرة اليمنية ذات اليد العليا في الميدان. ومن هنا جاءت الدعوة إلى قيادة الحرب في الجانب الآخر إلى الانتقال المشترك من استراتيجيات الحرب والسياسات العدائية إلى استراتيجيات وسياسات السلام.
لقد خيّر السيد عبد الملك الحوثي دول العدوان بين أمرين: إما السلام وإما الحرب، وفق الدعوة التي أطلقها: "ندعو تحالف العدوان لاغتنام فرصة الهدنة ووقف عدوانه بشكل كامل وإنهاء الحصار والاحتلال. جيشنا في حالة بناء مستمرة للمهارة القتالية والعسكرية في القوات البرية والبحرية والجوية والصاروخية والتصنيع العسكري، وتم تطهيره من الخونة"، موضحاً أن "العروض العسكرية هدفها طمأنة الشعب وتقديم رسالة للأعداء الطامعين المعتدين".
بلا شك أن الإنتاج العسكري الذي كشف عنه -وربما ما خفي أعظم- أرخى بثقله المعنوي على دول تحالف العدوان، لاسيما صواريخ "أرض ـ بحر"، بحيث إن السفن سواء في بحر العرب أو البحر الأحمر يمكن أن تكون أسيرة غب الطلب، أو عُرضة لـ"انظروا إليها تحترق"، وهذا الأمر يمكن أن يحصل، ما يعني أن الكثير من اقتصاديات العالم ستصبح أسيرة أيضاً لتلك الصواريخ من خلال السفن التي تحاول عبور باب المندب.
بلا شك أن ما شوهد وما أُعلن في ضوئه، يستدعي إعادة تقييم ومقاربة جديدة من الدول المعتدية على اليمن. ويمكن القياس على ما سبق من ضرب أهداف في العمقين السعودي والإماراتي من أرامكو إلى ينبع إلى رأس تنورة إلى مطارات عدة، ولم تكن الأسلحة المفرج عن سرية إنتاجها وقدرتها في الدائرة العملياتية. 
من الغريب في ظل الدعوة إلى تنفيذ شروط الهدنة وتطويرها لإنهاء الحرب والحصار أن يبادر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بعد لقاءات مع رئيس المجلس الرئاسي المعيّن من السعودية وفي الرياض ومع رئيس وفد حكومة صنعاء في المفاوضات محمد عبد السلام إلى التحذير من "خطر حقيقي لتجدد الحرب في اليمن"، داعياً الأطراف المتحاربة إلى قبول تمديد أطول لوقف إطلاق النار الذي سينتهي مطلع الشهر المقبل. وقال: "أحث الأطراف على اختيار بديل يمنح الأولوية لاحتياجات الشعب اليمني"، دون أن يقدم تفاصيل بشأن اقتراحه.
لم تلحظ الأمم المتحدة ولا أيٌّ من الدول يوماً عمليات النهب المنظم للنفط اليمني، والذي يمكن لعائداته أن تغطي جوانب كثيرة من احتياجات اليمنيين، وما ارتكبه التحالف من نهب إيرادات النفط الخام والغاز في اليمن، بما يعادل مرتبات جميع موظفي الدولة لمدة 7 أشهر بالتواطؤ مع شركات أجنبية، ولهذا حذّر المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، من أن "على الشركات الأجنبية التي تنهب ثرواتنا أن تأخذ تحذير قائد الثورة على محمل الجد، في حال لم يتم الاتفاق على الراتب وبقية النقاط الضرورية لاستمرار الهدنة".
لا شك أن في حصول اليمن على حقوقه الباطنية المتمثلة بثروته النفطية، والتي هي جزء من أسباب الحرب عليه، كما تحريره بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، سيضع اليمن في مصاف الدول الأكثر تأثيراً في المنطقة، مع قدرات بشرية هائلة، ومَقدرة على اجتراح معجزات التصنيع في ظروف معقدة.
ثماني سنوات من الإعداد الثقافي والنفسي وحرفية الإعداد القتالي سجل خلالها اليمنيون على صفحات التاريخ الذي لا يمحى كيف يقاتل الفقراء الحفاة أعتى الخبراء والجيوش تسليحاً وتدريباً، وقد راكم اليمنيون إنجازات هائلة سوف تسجّل في تاريخهم وستكون أكثر تأثيراً من إشعاع بناء سد مأرب في حينه.

أترك تعليقاً

التعليقات