جميل المقرمي

جميل المقرمي / لا ميديا -
في لحظة فارقة من تاريخ الصراع الفلسطيني - «الإسرائيلي»، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بياناً هاماً رداً على مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمكن وصفه بأنه موقف مسؤول يتجاوز الشعارات اللحظية، ويقرأ الواقع الميداني والسياسي بميزان العقلانية والواقعية.
البيان جاء بعد مشاورات موسعة داخل مؤسسات الحركة، ومع مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، فضلاً عن مشاورات مع الوسطاء والأطراف الدولية. هذا الإطار التشاوري بحد ذاته يعكس جدية الحركة في التعامل مع المبادرات، ويكشف عن نزعة واضحة نحو الحفاظ على الوحدة الوطنية وتفويت الفرصة على مشاريع التمزيق والانقسام.
حركة حماس أعلنت تقديرها للجهود العربية والإسلامية والدولية، وحتى جهود الإدارة الأمريكية، الهادفة -وفق صياغة المقترح- إلى وقف الحرب على قطاع غزة، وإدخال المساعدات، وتبادل الأسرى، ورفض تهجير الفلسطينيين أو إعادة احتلال القطاع.
وفي خطوة عملية، أكدت الحركة موافقتها على الإفراج عن جميع أسرى الاحتلال، أحياء وجثامين، وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح ترامب، مع استعدادها للدخول في مفاوضات فورية عبر الوسطاء لمناقشة التفاصيل. كما جددت الحركة موافقتها على تسليم إدارة قطاع غزة إلى حكومة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) على قاعدة التوافق الوطني، مع ضمان الدعم العربي والإسلامي.
بهذا الرد، تكون حماس قد وضعت الإدارة الأمريكية، ومعها الاحتلال «الإسرائيلي»، في زاوية ضيقة؛ إذ لم يعد بوسع ترامب التذرع بتعنت فلسطيني أو إلصاق تهمة إفشال المبادرات بحماس، بل على العكس، أظهرت الحركة مرونة كبيرة لم يتوقعها الأعداء قبل الأصدقاء، ما يجعل أي تصعيد جديد بمثابة دليل إضافي على أن ما يجري هو حرب إبادة وحصار ممنهج، تتحمل الولايات المتحدة و»إسرائيل» مسؤوليته الكاملة أمام العالم.
البيان -إذن- لا يكتفي بالرد على المبادرة، بل يحوّلها إلى اختبار عالمي: إن كان ترامب جاداً في وقف الحرب، فقد أصبح الطريق مفتوحاً أمامه؛ وإن لم يتحرك، فإن صورته الدولية ستتآكل أكثر، وسيُنظر إليه باعتباره شريكاً مباشراً في جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
البيان حمل في طياته دعوة غير مباشرة للأحرار حول العالم، ولاسيما الشعوب العربية والإسلامية، إلى التحرك عبر المسيرات والفعاليات الشعبية، تذكيراً بالمسؤولية الدينية والأخلاقية تجاه ما يجري في غزة. فهو لا يحمّل الاحتلال وحلفاءه وحدهم المسؤولية، بل يضع العالم بأسره أمام استحقاق أخلاقي وتاريخي: إما الوقوف في صف العدالة وحقوق الإنسان، وإما التواطؤ على الجرائم عبر الصمت والتقاعس.
يمكن القول إن رد حماس على مقترح ترامب يجمع بين الواقعية السياسية والتمسك بالثوابت الوطنية. هو ردّ منفتح على الحلول، قابل للتنفيذ، وفي الوقت ذاته يضع سقفاً وطنياً واضحاً لأي تفاوض مستقبلي. لقد رمت حماس الكرة في ملعب ترامب، وأحرجت الإدارة الأمريكية أمام العالم، وأعادت تعريف الصراع من جديد؛ ليس كصراع تعنت أو رفض مطلق، بل كمعركة ضد الإبادة والتجويع والتهجير، مع الاستعداد لكل ما يحفظ وحدة الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية على أرضه.

أترك تعليقاً

التعليقات