صباح في ملكوت الشهداء
- سعاد الشامي الخميس , 9 نـوفـمـبـر , 2017 الساعة 4:30:14 PM
- 0 تعليقات

في كل صباح أفتح نافذة غرفتي المطلة على روضة الشهداء، وأشعر بأن لا شيء مما يسمى حياة إلا في أرجائها.. استيقظت هذا الصباح الساعة السادسة، والشمس لم تعانق بعد سمرة الجبال، وكل من في البيت صرعى النوم..
كعادتي فتحت نافذتي أطل بنظري إلى هناك، ولا أدري لم تملكتني رغبة شديدة بألا أحتسي فنجان القهوة المفضل إلا بجوار أضرحة الشهداء، وربما كانت محاولة مني للهروب من الواقع والتحليق في سماء عالم آخر!
أسرعت إلى المطبخ لإعداد فنجان القهوة، لبست عباءتي وخرجت من البيت. كان الشارع شبه خالٍ من البشر، وكان على مفرق الطريق كلب، وأنا بطبعي أخاف من الكلاب، وتربطني بها علاقة سيئة منذ صغري..
تعثرت قليلاً وأنا مترددة بين المضي إلى الروضة أو العودة إلى البيت، ولسان حالي يقول أتخافين كلباً..؟! وأنت ذاهبة لزيارة رجال لم يرعبهم أشرس عدوان بصواريخه ودباباته وبارجاته وجنوده المتكالبين والقادمين من كل حدب وصوب!
أدركت أني في حرب، وثوب الخوف لم يعد مقاسه يناسبني، والهروب لا يحمي الجبناء. تغاضيت عن الكلب وقدماي تحملانني إلى ملكوت الشهداء...
هنالك كان صباحي مختلفاً عن بقية أيامي!
اليوم لم أجلس على ذلك الكرسي الخشبي المصاب بعوامل التعرية نتيجة هطول الأمطار عليه، فاليوم مكثت على أطهر تراب وأقدس مكان.
صباحي اليوم لم يكن في بستاني الجميل الزاخر بأنواع الورود المختلفة، والذي لطالما حسبته جنتي!
اليوم كنت قاب قوسين أو أدنى من جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار، فيها من كل الثمرات، دائمة خالدة، عرضها السموات والأرض، كانت جزاء لهم بما بذلوا وكانوا من المخلصين.
اليوم لم أستمع إلى زقزقة العصافير، وعجزت نسمات الهواء الباردة أن تدغدغ مشاعري المبعثرة!
اليوم أنصت خاشعة إلى أصوات قادمة من تحت تلك الأضرحة، تهمس في الأفق: أنتم الأموات ونحن الأحياء.
مدت الحسرة ذراعيها لقلبي، وانغرست مخالب التمني جسد روحي حينما تذكرت من نحن ومن هم!
نظرت إلى ساعتي رأيتها تشير إلى السابعة، أخذتني آهاتي بين أحداق الثواني، وألقتني في محاجر الدقائق ملتبسة بشيء من الأسى!
ولكن بداعي الأمل أن نجاورهم يوماً ما، غمست اليأس بفنجان القهوة البارد، رشفته باستعجال، وتلاشت فيَّ ألف دمعة ودمعة، وغادرتها بهذه الحروف المتساقطة من أصابعي..










المصدر سعاد الشامي
زيارة جميع مقالات: سعاد الشامي