عبدالملك المروني

عبدالملك المروني / لا ميديا -

منذ ساعتين تقريباً انتهينا من واجب زفاف لأحد شباب الأسرة. محفوف بخالص دعواتنا وتمنياتنا للعروسين بحياة زوجية سعيدة. 
وبالطبع فإن بعضنا -وأظنني بعضاً من هذا البعض- احتفظ لنفسه بمشاعر وتمنيات مستقلة وشخصية أبسطها: ليتني كنت عريساً ولو للمرة الرابعة. 
وثمة إضافة وددت لو شاركني القارئ العزيز قسطاً من دلالاتها وأبعادها. وهي مضمون عام أضعه أمام القارئ كما هو. في سياق تواصلي مع بعض الأصدقاء لدعوتهم مشاركتنا هذه الفرحة قصدت شخصين عزيزين بالدعوة. ومساءً تلقيت اعتذارهما عن عدم الحضور مشفوعاً برأيين مختلفين يستحقان التأمل والتوقف كثيرا أمامهما. 
أحدهما كتب مباركاً هذا الحراك اليماني المتمثل في إقامة الأفراح وإشعال فوانيس الأعراس وزيناتها وأضوائها في زمن عدوان وحرب ظالمة ومتعددة الجبهات. وأن أفعالاً كهذه تسخر من العدوان وأهله، وتنذرهم بوجود شعب لا يكترث بجنونهم وبارودهم. 
فيما الرسالة الثانية كانت اعتذاراً عن عدم المشاركة لأن الاحتفالات والأفراح في شهر محرم تعد ضرباً من الجنون ونقصاً في العقيدة والوعي الديني. فكيف نقيم الأفراح في شهر نكبت فيه الأمة بواحدة من أعظم مصائبها وأحزانها؟ فمن يغفل عن كربلاء ومأساة كربلاء وفيها سقط ابن رسول الله مضرجاً بدمه الطاهر، ودموع قذفتها قهراً أطهر العيون؟
ووجدتني أقف محتاراً بين الاثنين، فكل منهما كان على حق، وتحدث عن بصيرة ووعي فقهي أو سياسي. 
فلمن تقرع الأجراس، ونحن كأمة نسير في خطوط تضاد ومعابر مزدوجة حتى في أفراحنا وأتراحنا، ولا نتفق إلا على أمور لا يرى عدونا فيها ما يضير أو يسبب له الصداع؟ 
نحن نختلف حتى على أنجم السماء، وهلال شهر رمضان علامة فاصلة على هذا الطيش الموجه، والتمزق المخطط له. ومع ذلك فهناك من يبرر ذلك بأنه عدم توافق بين سنة وشيعة. 
ولكن كيف يكون الحال حينما يخترق الخلاف الفئة الواحدة والفكر الواحد، وتشق صفوف الأسرة المذهبية. 
لماذا يختلف الشيعي مع الشيعي والسني مع أخيه السني، ويصل الخلاف حدود البيئة الواحدة والبئر الواحدة؟
إن الإجابة الصحيحة على هكذا تساؤلات تكمن في مواجهة الحقيقة. والحقيقة أنه لا خلاف دينياً في الأمر ولا تباين عقائدياً في المسألة. وكل ما في الأمر أن السياسة ومشتقاتها من يسيطر على الأمور، ويدير عجلة التباينات. ولكي نتجاوز بعض العوائق علينا إدراك أهمية التوقف أمام ثوابت الأشياء لا هوامشها. 
حين ندرك جميعنا أن الإمام علي بن أبي طالب مثلاً حق مشترك لكل مسلم، وأنه غير مجير لفئة أو جماعة، وأنه كشخص ومهمة امتداد لرسول الله كمنهج ودور ومهمة، سنعي أن رسالة أبنائه من بعده اتساق لهذا الدور وتواصل له. وبالتالي فلن تحتاج الأمة لفقيه أو صاحب مذهب يعلمنا ما يجب أن نكون عليه. 
عندها سندرك معنى نكبة الدين والدنيا في مأساة كربلاء. ونبكي جميعنا مقتل الإمام الحسين وأهل بيته. سندرك كثيراً من الأمور التي تجعلنا على يقين تام بأننا أمة واحدة ومذهب واحد ومصير موحد. 
وهي نتيجة أو محصلة لا يمكن الوصول إليها بدون غربلة القوى الدينية وإعادة إعمار ذاتها على طريقة صحيحة. 
وللوصول إلى محطة مشتركة أمام الجميع نحتاج إلى قوة ردع فكرية وإعادة هيكلة المؤسسات والأجهزة ذات الطابع الديني القائمة في سوق الصراع المذهبي التي بنيت على أساس من الكراهية والمقت الديني. 
فإن لم نتمكن من خلق مؤسسات فكرية وثقافية كبيرة وواسعة تشكل حالة من الردع والتحجيم لمنظمات وهياكل ومؤتمرات تدعي ملكيتها للإسلام من طرف واحد، فإننا مضطرون للانتظار الأكيد لثورات شعبية يقودها الشارع وليس القصر الحاكم، تحمل على عاتقها مسؤولية إيقاظ الأمة من غفلة وجموح ينظر له فقهاء الشيطان وعلماء البيت الأبيض، وكل البيوت البيضاء. 
وهو ما نعتقد بحدوثه ولو بعد حين. 

أترك تعليقاً

التعليقات