مرحلة اللاعودة
 

أحمد عارف الكمالي

أحمد الكمالي / لا ميديا -

بعد 5 أعوام من العدوان الغاشم، اليمن المنتصرة ترمي قشة للسعودية المنكسرة لتتعلق بها للنجاة وتقدم مبادرة سلام، فيما وصلت الأخيرة إلى مفترق طرق جميعها تؤدي إلى الهاوية!
فالسعودية أزاحت السلام كخيار إيجابي يمكن أن تبني عليه قبل أول غارة، حتى وإن كان سلاماً شكلياً تقدمه كهبة منها، بل صنفته كدرع يمكن أن يحتمي بها من تبقى من فلول الخصم الذي كان يجب أن ينهزم ويجتث ويقتلع، حسب وجهة نظرها.
لذلك أن تعود إلى السلام بحد ذاته تراجع، وأن يكون سلاماً عادلاً هزيمة وخسارة، فما بالكم أن تكون السعودية بعد كل تلك الحرب المستنزفة هي من تحتاج إلى السلام، وأن يقدم السلام العدو والخصم الذي أصبح يتحكم بقواعد وتوازنات المعركة ويحدد مصيرها بكل ثقة، ومازالت خياراته مفتوحة وفاعلة، فتلك نكسة نفسية وهزيمة تاريخية ستقود المملكة إلى فراش الموت السريري، والأفول السياسي، ثم الاندثار كأسرة حاكمة والتلاشي كمملكة!
وأمام المملكة مفترق آخر، وهو استمرار الحرب ومواصلتها، وذلك بالتأكيد أصبح يعني لها خيار الغرق مرة واحدة، والدفن دون تقرير الطبيب الشرعي، والعدم في لحظة واحدة.
فخيار استمرار الحرب بعد فشلها الذريع بالتقدم وتحقيق الانتصارات، غير مجدٍ لها بالأساس، أما خيار استمرارها بعد انقلاب الموازين العسكرية بشكل كلي ضدها، فهو بلا شك خيار الانتحار، حيث إنها استنفدت كل خياراتها العسكرية، ورمت بكل أوراقها دون أية جدوى أمام الصمود والثبات اليماني العظيم.
المملكة التي خاضت الحرب ولم تحسب لها أي حساب أخلاقي ومعنوي، معتمدة على رصيدها المالي والاقتصادي وقدرتها العسكرية، تعيش اليوم حالة من الذهول والكآبة واللاوعي واللاتصديق وهي ترى نفسها تبعثر رصيدها المالي دون فائدة، وتضرب مصالحها الاقتصادية وهي عاجزة، وتنكشف صورتها اللأخلاقية وهي لا تستطيع التوقف والعدول عن ارتكاب الحماقات، ولا تتمكن من مواراة وحجب الفضائح المخزية.
فتراكم الفشل الأخلاقي والسياسي والعسكري والاقتصادي في عدوانها على اليمن يدفع النفسية السعودية المتكبرة، نحو الهروب إلى فشل أكبر وانتكاسات أعظم.
والميزة الحقيقية التي يمكن أن تحصدها المملكة، لو اختارت المفترق الأول وتعلقت بأية مبادرة سلام، هي كسبها وقتاً إضافياً مريراً لجلد الذات وتذوق الهزيمة، هذا ما يمكن أن تكسبه السعودية في المدى البعيد، ولا أكثر من ذلك ولا أقل! لأنها وصلت إلى مرحلة عجز وافتقاد الثقة، يصعب عليها فيها اتخاذ أي قرار وقبول أي خيار. بالضبط هي مرحلة اللاعودة.

أترك تعليقاً

التعليقات