محمد حسين بزي

محمد حسين بزي / #لا_ميديا -

ما لا يعرفه الكثيرون عن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني (1957-2020) أنّه كان من أكثر ضباط الحرس الثوري الإيراني ثقافة ووعياً؛ إن كان على مستوى المعرفة الدينية ذات البعدين التنويري والثوري، أو على مستوى المعرفة السياسية الاستراتيجية ومتابعته الحثيثة والدقيقة لمعظم ما كان يصدر في هذا المجال من دوريات عن مراكز الأبحاث والدراسات العالمية في الشرق والغرب، حيث كان يتقن عدة لغات من بينها اللغة العربية. والمفارقة أنّ اللواء قاسم سليماني كان يؤمن بـ"سلام الأقوياء"، وله في ذلك مقاربات فكرية؛ رغم أنّ البعض كان يحسبه على المعتدلين من قادة حرس الثورة بخلاف ما يحسب قائد الحرس الثوري الحالي الجنرال حسين سلامي.
"الرجل الغامض" وحتى "الرجل الأقوى" في الشرق الأوسط كما وصفه جان ماغوير، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه).
لكن أيضاً، ما لا يعرفه الكثيرون أنّ الحاج قاسم الصامت شبه الدائم الذي كان يمتلك شخصية فولاذية مشهودة قد غلبت على صورته العامة، كان في الوقت نفسه متواضعاً حنوناً حيّاءً رحيماً ومن البكائين في قيام الليل متضرّعاً لله بأن يرزقه الشهادة، التي كانت في مناجاته الدائمة.
وكانت علاقته الوثيقة جداً بالقائد الحاج عماد مغنية (1962-2008) قد لعبت دوراً أساسياً في حرب تموز التي شهد سليماني شخصياً معظم أيامها وتفاصيلها، بل يمكن القول إنّه قد شارك فيها وبالخطط التي رسمت النصر في تموز 2006.
أمّا عن علاقة سليماني بجمال جعفر التميمي (1954-2020) المعروف بأبي مهدي المهندس، رئيس أركان الحشد الشعبي العراقي، ومؤسس كتائب حزب الله في العراق، والذي استشهد معه في الغارة الجوية الأمريكية، فجر الجمعة 3/1/2020، فإنّ هذه العلاقة تعود لثمانينيات القرن الماضي عندما كان المهندس عضواً بارزاً في المجلس الأعلى الذي كان يقوده السيد محمد باقر الحكيم (1939-2003).
وفي السنوات الأخيرة شكّل سليماني والمهندس ثنائياً جهادياً متميزاً في العمل الدؤوب والمتكامل الذي ظهر للعلن مع تأسيسهما الحشد الشعبي العراقي الذي حظي بتأييد المرجعية الدينية في النجف، وقام بمحاربة "داعش"، وحرّر معظم التراب العراقي من الإرهاب التكفيري العابر للحدود.
"القائد الصامت" كانت عرفته أيضاً الميادين السورية في التخطيط والتصدي لإرهابيي "جبهة النصرة" و"داعش"، وفي هذا الأمر تفاصيل لا تحصى الآن.
أمّا عن اغتياله مؤخراً في بغداد مع المهندس وعدد آخر من ضباط فيلق القدس ومسؤولين في الحشد الشعبي، بأمر مباشر من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، فلا يبدو أنّه سيمر دون رد مؤلم على الإدارة الأمريكية ومصالحها في الشرق الأوسط تحديداً، سيما مع الوعد الذي قطعه آية الله السيد علي الخامنئي، بعد ترؤسه مجلس الأمن القومي الإيراني، للمرّة الأولى، ومن ثم تعيينه الفوري الجنرال إسماعيل قاآني لقيادة قوة القدس. قاآني الذي لا يقل كفاءة ولا خبرة ولا حنكة عن سليماني، كان شغل عدة مناصب قيادية في الحرس الثوري الإيراني، وكان آخرها النائب الأول لسليماني.
وبعد إعلان ترامب عن مسؤوليته المباشرة في إعطاء الأمر لاغتيال سليماني والمهندس، ربما لتحييد إسرائيل، بات من شبه المؤكد أنّ المنطقة قد دخلت في حقبة -وليس مرحلة- صراع حتمي لن ينتهي إلّا بإعادة رسم خريطة قوى جديدة للمنطقة مشابهة لما انتهت إليه الحرب العالمية الثانية، ولكن هذه المرة بشكل علني تعلنه الدول رسمياً، وقد تسهم فيه أو تستفيد منه روسيا والصين بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنّ اغتيال قائد بحجم قاسم سليماني، وهو المهندس الميداني الأول لكلّ محور المقاومة في المنطقة، قد أعطى الإشارة لهذا النوع الجديد من الصراع الذي تختلف أدواته عن الكلاسيكية المتعارفة؛ طبعاً إذا ما قرّرت إيران ومحور المقاومة إطلاق الجيل الثاني من هذه الأدوات، وليس أمامهما إلّا إطلاقه، والتي ليس أقلها فرض واقع سياسي وعسكري مغاير للتوقعات في زمانه ومكانه، وتكون نتائجه بقدر هزيمة حرب كبرى لأمريكا في المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات