محمد حسين بزي

محمد حسين بزي - كاتب لبناني -

هل وصل الصراع على النفوذ العالمي (اقتصادياً وسياسياً) إلى حرب بيولوجية غير معلنة تعيد رسم عالم جديد بعد حقبة من فوضى الفراغ؟
الصين والأسئلة الصعبة
وهنا نطرح السؤال الأساس: كيف استطاع هذا الفيروس (كوفيد 19) أن يقطع البحار والمحيطات ويغزو كل دول العالم تقريباً، وفي الوقت نفسه عجز عن الوصول إلى المدن الصينية نفسها؟!
نعم، لم يصل إلى عاصمة الصين "بكين" التي تقدر المسافة الفاصلة بينها وبين ووهان بـ1055 كم، ولا إلى العاصمة الاقتصادية "شنغهاي" الأقرب إلى ووهان!
عاصمة الصين "بكين" هي المدينة التي يعيش فيها جميع قادة الصين من السياسيين والعسكريين، أولئك الذين يديرون قوة الصين العظمى في السر والعلن. بكين لم تشهد أي إغلاق، ولا حتى حجر! كل شيء كان طبيعياً! كورونا ليس له تأثير يذكر في بكين. 
أيضاً، شنغهاي وهي المدينة التي تدير اقتصاد الصين، وفيها يعيش جميع الأثرياء، أولئك الذين يبقون الصناعة تعمل، لا يوجد إقفال ولا أي مظهر من مظاهر الحجر! كورونا ليس له تأثير في شنغهاي أيضاً!
كلنا شاهدنا عبر الفضائيات كيف كانت معدات التنظيف الهائلة وعلى مستوى عربات وبتقنيات عالية الجودة، تنظف كل نطاق مدينة ووهان، كما وزعت الكمامات لكل المواطنين، وكذلك المواد الغذائية لسكان المدينة، بعد فرض حظر التجول فيها بشكل صارم، وقد تم معالجة جميع المصابين بالفيروس من دون أن تفصح السلطات الصينية بشكل رسمي كيف وبأي دواء قد عالجت هذا الكم الهائل من مصابي كوفيد 19، وكيف تمكنت من القضاء على تفشي الوباء!
الصين اليوم تُصدّر كميات مهولة من أجهزة التنفس والكمامات لمعظم الدول الموبوءة، فمتى تم تصنيع كل هذه المعدات؟!
هل في غضون الثلاثة أشهر، فترة انتشار الفيروس والسيطرة عليه في ووهان؟! يبدو هذا غير منطقي، إلا إذا كانت الصين قد توقعت ما سيحدث وأعدت -سلفاً- برنامجاً تصنيعياً رفيع المستوى تسد من خلاله احتياجاتها، ثم تقوم وبسرعة ملفتة بتصدير هذه المعدات إلى الدول التي تفشت فيها جائحة كورونا.
حتى الآن الثابت الوحيد أن كوفيد 19 خرج من الصين بطريقة ستكشفها الأيام ولو بعد حين، فهل أخفته الصين في البداية لغاية معينة بعد أن خرج من مختبر ووهان عن طريق الخطأ، وليصبح (الفيروس) إعصاراً اقتصادياً مدمراً لاقتصادات العالم، بعد التضحية ببضعة آلاف من مواطنيها؟!
أم أن الصين نفسها كانت ضحية لهذا الوباء في بداية الأمر، لكن سرعان ما اكتشفت علاجه وسيطرت عليه، وفي هذه الحالة لن تشارك العلاج مع أحد من العالم حتى تضمن المقابل الاستراتيجي على المستويين الاقتصادي والسياسي؟!
ورغم فداحة التحدي، وقتامة المشهد العالمي عموماً، والغربي خصوصاً، والذي وصل إلى فقدان حتى الكمامات بدولة شبه عظمى مثل ألمانيا، فإن الأيام المقبلة سوف تجيب على معظم هذه التساؤلات. ولكن مهما يكن من أمر فإن العالم ما بعد كورونا لن يكون كما قبله.

الغرب مقابل الصين
الآن، الغرب، الذي يعاني الهرم (أغلبية الأعمار فوق الخمسين) مقابل الفتى الصيني الصاعد، يعاني أيضاً مالياً جراء اختلال الميزان لصالح المستفيدين من نظام التأمين الصحي الذي أنهكه في الآونة الأخيرة جراء كوفيد 19، وضرب استثمارات مؤسسات التأمين الصحي، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار نظام التأمين إذا استمر كورونا في الانتشار لأكثر من ستة أشهر حسب تقدير الكثير من الخبراء.
ولم يكن التصريح الشهير لرئيس حكومة بريطانيا "جونسون" حول مناعة القطيع مجافياً للحقيقة التي يعتقدها، لذلك فإن الأولوية الآن في الغرب هي لمعالجة مصابي كورونا من الشباب، وهذا الكلام مؤسس على فكرة بروتستانتية في العمل والإنتاج.
والاتحاد الأوروبي بدوله الـ27 ولغاته الـ24 ومساحته الـ4,475,757 كم² وعدد سكانه الـ510 ملايين نسمة، لم يُبقِ منه فيروس كورونا سوى العلم الأزرق الغامق المكون من دائرة النجوم الذهبية الـ12، وبات مهدداً بالتفكك بعد ما شهدناه من تركه إيطاليا تواجه مصيرها دون ناصر أو معين، ووصل الأمر إلى مصادرة الكمامات والمطهرات التي أرسلت إليها عبر الحدود، حتى قال رئيس وزرائها "جوسيبي كونتي" إن "الاتحاد الأوروبي قد يفقد سبب وجوده في حال ارتكابه خيارات مأساوية في مكافحة فيروس كورونا، وأن التقاعس سيترك لأبنائنا العبء الهائل لاقتصاد مدمّر"، وتنبأ بحالة كساد غير متوقعة ستغرق أوروبا بأكملها.
وفي المقابل، فإن الصين بدولتها المركزية الواحدة وحزبها الحاكم الوحيد ولغتها الرسمية المندرينية ومساحتها الـ9,640,821 كم²، ذات الحضارة الضاربة في التاريخ لأكثر من 5 آلاف سنة، تقف اليوم شامخة من جديد بانتصارها على وباء كورونا المستجد، وتفوقها في ذلك على أمريكا والغرب، محتسبة رجحان كفة الشباب (المنتج) لديها مقابل الغرب العجوز (المستهلك)، محتكمة لحكمة حكيمها الأكبر كونفوشيوس القائلة: "الصمت هو الصديق الوحيد الذي لن يخونك أبداً".

سلطة فوضى الفراغ
يوم الاثنين 20/4/2020 يوم سيذكره التاريخ مقروناً بوباء كورونا. يوم يُنبي بالانهيار الكامل لأهم مفاصل الاقتصاد العالمي، ألا وهو النفط، حيث هبط فيه سعر عقود النفط الآجل الأمريكي إلى 37% تحت الصفر!
إن توقع مثل هكذا حدث كان بمثابة مزحة أو خرافة، ولكنه حدث اليوم فعلاً، فهل سيكون مؤشراً لانهيارات قادمة في مفاصل أخرى من الاقتصاد العالمي؟
وأين، وكيف سيضرب كورونا مجدداً؟ لا أحد يعلم، نعم، لا أحد يعلم، كائناً من كان. ما نعلمه اليوم أننا أمام سلطة الفوضى، أو بشكل أدق نحن أمام جائحة جامحة هي فوضى الفراغ.
عالم اليوم أصبح واقعاً بين جائحتين متلازمتين في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن، هما جائحة كورونا وجائحة الفوضى.
نعم، نحن أمام جائحتين في ظل عدم وجود بديل عن المنظومة الرأسمالية المتخبطة حالياً جراء توحش فيروس كورونا، وعجز أمريكا والغرب عن حماية مجتمعاتهم، والصين ورغم تقنية الـ5G التي سيطرت عليها مؤخراً، وشبكة الانترنت الخاصة بها، والتقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، فإنها لم تستطع تصدير لغتها إلى دولة أو حتى قبيلة خارج سورها العظيم، بينما إسبانيا لوحدها تزخر بلسان حوالي 20 دولة! فمن الواضح أن الصين غير مهيئة لانزياح مركز العولمة من أمريكا إليها على المدى المنظور، لأن الصين كنظام شمولي لم تزل تفتقر إلى المخزون المعرفي والتقني، مضافاً إليه المركز العالمي للنظام المالي المدولر الذي تحتكره أمريكا وحدها دون حسيب أو رقيب، ناهيك عن الأسس الفكرية والبنى السياسية والاجتماعية والثقافية التي قامت عليها الأنظمة الغربية عموماً. كل هذا لا يدعونا للتفاؤل بالصين المنغلقة كبديل للمنظومة الرأسمالية الحالية. وإذا لم تسيطر أمريكا والغرب على كوفيد 19 في فترة معقولة فإن العالم حتماً ذاهب إلى فراغ عارم وغير محسوب لم تشهده البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، وتكون الفوضى فيه صاحبة السلطة الوحيدة.


* كاتب لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات