30 نوفمبر الحرية والاستقلال
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا - 

بالمقاومة والكفاح المسلح أشرقت شمس الحرية والاستقلال وغمرت الفرحة العارمة قلوب كل أبناء الشعب اليمني شمالاً وجنوباً بخروج آخر جندي بريطاني من أرض جنوبنا الحبيب في 30 نوفمبر 1967، وليس جديداً على هذا الشعب العظيم اجتراح هذه المآثر، فمنذ فجر التاريخ وعلى امتداد حركة الزمن كان قدرنا الثابت النضال والمقاومة والتضحيات لتحقيق الاستقرار وامتلاك القرار السيادي وبناء مجتمع قوي لا يقهر، منيع لا ينال منه الفتور أو الضعف، قادر على مد فيض العطاء تجدداً وانتشاراً، يؤسس لقيم ثورية تقدمية على أنقاض ظلام الأمس وظلم ولاته. وكانت الثورة وبزوغ فجر الاستقلال، وفي اللحظات الأولى للاستقلال أصبحت عدن عاصمة وحاضنة لكل أحرار العالم والسند الحقيقي لقوى المقاومة والتحرر والصمود والتصدي لقوى الشر والاستعمار الإمبريالي والهيمنة الرجعية، واحتل النظام الثوري الجديد الصفوف الأمامية في التصدي للأنظمة الإمبريالية وأدواتها ولمخططات الاحتواء الاستعماري في المنطقة، وخنق كافة الظواهر السلبية ومظاهر التخلف مادياً وروحياً، وتأسيس النظام المغاير بالمطلق لكل ما كان سائداً من قبل، وتحول النظام من النموذج الإمبريالي الاحتكاري إلى حضن التقدمية الثورية والديمقراطية والاشتراكية والسيادة الوطنية وتثبيت نظام له أبعاد أكثر إنسانية وسعة وقدرة وذي طابع وطني أممي والخروج من العبودية والاستغلال والهيمنة والاحتكار الإمبريالي، متجاوز للتخبط الحاصل في الأنظمة العربية الرسمية وآخذ بالاعتبار خصوصياتنا وتقاليدنا وعاداتنا ومدرك للصراع القائم بين النظام الإمبريالي الاحتكاري الظالم والمستغل. والنظام الاشتراكي الإنساني الأممي العادل كان للثورة مشاريع اقتصادية وخططاً خمسية للتحرر من كل القيود الاحتكارية الاستعمارية وسيطرة الشركات التجارية الخارجية والبنوك والمصارف الدولية العملاقة والمتحالفة مع القوى (الكومبرادورية) الوسيط المعتمد في الداخل، وتخلص من كل العناصر الانتهازية وعلاقات الإنتاج الإقطاعية والفئات الطفيلية، وحشد كل جهود الوطن في العملية الإنتاجية لصالح المقهورين ومصلحة الوطن العليا، ودفع الفلاحين لاستثمار خيرات الأرض لصالحهم  وبهدف سد حاجات البلاد الغذائية، فضلاً عن تشغيل الفلاحين العاطلين وربطهم بالأرض والعمليات الإنتاجية ومحاولة بناء العقل وخلق ثقافة إنسانية لتكوين نموذج معرفي مغاير أساساً للفكر الإمبريالي والإقطاعي وتأسيس مفاهيم متحررة وقادرة على المراجعة وإعادة النظر لتأكيد إمكانية التكامل في إطار الفكر والتعدد الثقافي الجامع لوحدة المصير الإنساني على كوكب الأرض ولتحقيق هموم شرائح واسعة في المجتمع وتحقيق طموحات الإنسان في العدل والحرية والمساوة وتجسيد ذلك على أرض الواقع لخلق وعي قادر على التحليل وإيجاد البدائل السياسية والاقتصادية والثقافية لتنمية المجتمع وسياسة الشراكة دون سياسة الإلحاق الاستعماري والقهري ولخلق علاقات إنسانية ومصالح متبادلة.
مرحلة الثورة الوطنية كانت هامة وفارقة حقاً في تاريخ شعبنا اليمني، وفعلاً كانت تلك مرحلة الانبعاث الحقيقي الذي لا شك ولا جدال فيه، مرحلة تحمل الثوار والقيادات الناضجة همومها وأعباء جسيمة أثقل من قدرتهم على الإنجاز في ضوء قلة الإمكانيات الموضوعية المتاحة والخلل الاجتماعي والتشوه الاقتصادي والرواسب الفكرية القبلية والعشائرية. تلك مسائل ليس من السهل معالجتها بعد حالة الوهن والضعف التي لحق بعناصر الثورة وحلفائها من المثقفين والمناضلين، وانعدام وضوح الرؤية لدى بعض الثوار، والتذبذبات وغياب التكتل الاجتماعي والسياسي الحامل للتغيير الجوهري والمؤهل لخلق المناخ التغييري القادر على الصمود على أرض الواقع وتجسيد الفكر الثوري بالممارسة العملية الفاعلة بعيداً عن الازدواجية، إضافة إلى دسائس ومكايدات قوى الثورة المضادة لاحتواء النظام وإفراغه من مضامينه الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. وعلى تلك الخلفية الثورية الوطنية وذلك الدور والتضامن الأممي كان النظام هدفاً للتآمر الإمبريالي الرجعي. ولا شك أن مخلفات الاستعمار من تقسيم الجنوب إلى دويلات ومشيخات وسياسته العسكرية استطاعت أن تخلف أسباباً ومسببات لتفجير الأوضاع بزراعة قنابل موقوتة يتحكم بتفجيرها عن بعد وعلى المدى القريب والبعيد.

أترك تعليقاً

التعليقات