يحيى اليازلي

يحيى اليازلي / لا ميديا -
حصلت على إصدارات لمؤلفين مختلفين وكلها تعنى بجمع وتوثيق القصائد التي كتبت خلال السنوات الفائتة وهي فترة بدء العدوان على اليمن، وتضم تلك الإصدارات أعمالاً شعرية لأبرز المشتغلين في أدب مواجهة العدوان على اليمن.
من أهم تلك الإصدارات كتاب جميل من تأليف الكاتبة المبدعة عفاف الشريف بعنوان "ومضات من وحي الصمود".
وسأقف قليلا عند هذا الكتاب المميز، والسبب أن فيه مجهوداً إبداعياً يستحق التوقف، وأنها تناولت تجارب شعراء ومنشدين كثير، كل شاعر ومنشد وبأسلوب بديع ومكثف.
المؤلف الذي بين أيدينا مختلف عن غيره من المؤلفات التي صدرت، في الفترة نفسها وفي الموضوع نفسه، لأن غيره جاء تقريبا بطريقة الرص والتعليب التجاري، فتلك عبارة عن جمع منتجات المبدعين في كتاب، بغرض السبق أو الحصول على فوائد دون بذل مجهود يستحق أن يستفيد منه من يقوم بإعداد تلك الكتب، غير المردود المادي والصيت، وباستثناء "شعراء على منصات النفير"، الذي ألفه الشاعران وليد الحسام وعبدالقوي محب الدين، لأنهما كتبا في البداية دراسة محترمة تربو على نصف عدد صفحات الكتاب عن القصائد التي جمعاها لعدد من الشعراء وعن المرحلة الشعرية المناهضة للعدوان وألما بأهم خصائها، ومميزاتها، وذكرني غير هذين الكتابين بالفنانين الذين يقومون بإنزال ألبومات غنائية كلها ملك فنانين آخرين.
لا أقلل هنا من مجهودات من يقوم بجمع الأعمال الشعرية لمرحلة الصمود، وإن كانوا يقومون بها من حيث المبدأ من باب التوثيق، على أن توثيق المرحلة الراهنة مهم، لكن تقديم الأعمال بتلك الطريقة الجافة والسريعة والتي لا تدل على قيامهم بمجهود يستحق الذكر، والمهم أنهم بأعمالهم تلك قد كرسوا أسماءهم وحصلوا على بعض المال وكلمات الشكر، لكن في الحقيقة أن هذه المنتجات الهزيلة لن يذكرها التاريخ كأعمال إبداعية، ولكنها تظل على كل حال أعمالاً توثيقية، وما لم يتم إلحاقها بدراسة أو قراءة أدبية حول محتوياتها، حتى لو كانت النصوص التي جمعوها في كتب لمبدعين، وحتى لو كانت المواضيع التي تحدثت عنها وشخصياتها عظيمة، تظل مجرد باقات؛ فلنقرأ التاريخ. لا يوجد كتاب في التراث الثقافي العربي يضم قصائد شعراء بالطريقة البائسة نفسها التي يقدمها هؤلاء المؤلفون، ومنذ "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني" إلى "ومضات من وحي الصمود" لعفاف الشريف. وسنجد كل كتب الثقافة العربية التوثيقية مؤلفات ذات طابع إبداعي ويظهر عليها بصمات مؤلفيها.
وإذا كان مبرر التوثيق سيتصدر التأليف العقيم مع أولئك المؤلفين فذلك يعني أنهم لم يعوا بعد مفهوم التوثيق، والذي يعني الحفاظ على الإنتاج الفكري الإبداعــــــــي الإنساني مــــع نقــل صــــورة شاملــــة عنه وما يتعلق به، خصائصه وبواعث ظهوره، وبمصداقية.
الكتاب الذي نحن بصدده يضم بين دفتيه تقريبا خمسين شاعرا ومنشدا، وهم مبدعون وتقدمهم المؤلفة كذلك كلاً بحسب خصائصه، وبصدق، وبمحاولة جادة للإلمام بتفاصيل المبدع والتعريف به، ليس من منطلق كونه إصدارا جديدا ولكن من زوايا خاصة بالمؤلفة وبما يمثل خلاصة دراسة وتجربة وخبرة طويلة في ممارسة العمل النقدي والأدبي. تلك الشخصيات الشعرية والإنشادية الإبداعية التي تناولتها عفاف الشريف هم الأبرز وخلاصة المشهد الثقافي الثائر ضد الظلم والمناهض للعدوان. ويعد هذا العمل الجزء الأول، كما تقول المؤلفة في مقدمتها للكتاب، وتؤكد في منشور لها على "فيسبوك" أنها بصدد إعداد وإصدار الجزء الثاني، ويضم مجموعة كبيرة من الشعراء والمنشدين المبدعين المناهضين للعدوان على اليمن، والتي لم تستطع استيعابهم في المرحلة الأولى للكتاب. والذي لاحظته في كتابها ومن خلال قراءتي لكل مقالاته، أنها سعت في دراستها لكل مبدع في البداية إلى تقديم سيرة موجزة عنه تتناول أبرز محطات حياته الجهادية والإبداعية، إلى لحظة كتابتها عنه، وإلى ذلك حديثها عن إبداعه، بمعنى أن محتويات الكتاب ليست عبارة عن رصد وتوثيق وحسب، بل إن ثمة مجهوداً إبداعياً نقدياً مبذولاً قدمته عن إنتاجاتهم. يا له من عمل إبداعي رائع للمبدعة عفاف محمد الشريف. تحية لها ولعملها الجبار من أعماق قلبي.
"ومضات من وحي الصمود" عنوان جميل ومناسب، لكنه متـواضع قياســـا بمضــامين الكتاب والتي تحكي عن قصائد شعراء ثورة عظيمة تواجه أعتى الدول ظلما في العالم، لذلك أجد العنوان أقل من مستوى الكتاب، لكن فيه دلالات على وعي كبير بمفهوم الصمود، وهو يؤكد عظمة ما قدمه مبدعو الثورة، وأن ما ستقدمه من خلاله لا يمثل كل إبداع الثورة والحركة الشعرية والإنشادية الشعبية المواكبة لها.
صفحات الكتاب تقريبا 290 صفحة من القطع الكبير، بدأته بكلمة شكر لمجموعة ممن ساهموا في تشجيعها ودعمها لجمع هذا الكتاب وتصحيحه ومراجعته وطرح أفكار تم الأخذ بها، ثم الإهداء وقد ذكرت فيه أشخاصاً كثيرين وصفتهم بالجملة بعد والديها بما يعني كل من ساندها لإخراج العمل ثم القراء والمنشدين والمجاهدين والشهداء وإلى كل من تطلعت نفسه للحرية. وقد تعمدت ذكر سطور الإهداء باختصار آنفا لكي أبين مدى نبل المؤلفة وسمو أخلاقها وأنها تريد جبر خواطر الجميع، وهم يستحقون. تحية لقلبها الطيب.
وتصدر الكتاب تصدير للشاعر والإعلامي ضيف الله الدريب، صاحب البرنامج الشعري والإنشادي "خيمة النمري". وكنت أتمنى لو أنه طرح فيه نظرته إلى المشهد، وإلى الأبعاد التي رسمتها الكاتبة لحركة الزامل في اليمن، لكونه من المهتمين بأدب الجهاد منذ وقت مبكر، لكنه اكتفى بذكر الأثر الذي سيحدثه هذا العمل وقد صار مادة خصبة للباحثين والدارسين.
مقدمة المؤلفة للكتاب متوسطة وجاءت مركزة، وتحدثت عن بواعث تأليفها الكتاب وأن معظم مواده مقالات نشرتها في بعض الصحف. واختتمت المقدمة باعتذار لمن لم يشملهم كتابها من المبدعين، مؤكدة أن من لم تشملهم لا يقلون أهمية وإبداعا عمن شملتهم.
وفي المقدمة إشارة إلى أن طروحاتها النقدية موجودة في المقالات، وفعلا وجدت ذلك وبصورة بديعة في كل مقال قراءة أدبية بديعة، وخلاصة النقاط الموضوعية التي أشارت إليها المقدمة والتي لمست فيها سيناريو العمل ومشكلته وأهدافه، والجملة أن الحديث عن "مكانة الشعر والأدب والتعريف بالزامل ودورهما في المجتمع وما كان لهما من أثر في مجابهة العدوان"، كل ذلك متضمنا في المقالات. لكن المقدمة لم تذكر شيئًا حول تطوير الشعر والإنشاد وكيف استطاع الوصول إلى العالمية، مع أن محتويات الكتاب تتحدث عن أشياء من هذا القبيل، ولعلها بهذا تريد ألا تتجاوز مسألة التوثيق كمحور أساسي للكتاب وإلا فاكتشاف ذلك متروك للقارئ.
الكتاب يتحدث عن شعراء ومنشدين وبترتيب خاص، وتمنيت لو أنها جعلت الكتاب جزأين فأفردت للشعراء جزءا مستقلا وجزءاً ثانيا للمنشدين، على أن تجعل نهاية الجزء الأول خلاصة خاصة بالشعر، تدرس فيه جوانبه ومميزاته وملامح تطوره وتميزه، وفي الجزء الخاص بالمنشدين تجعل خلاصة حول إنشاد المرحلة. لكن هذا الأخير سيكلفها مجهودا مضاعفا، لأن الإنشاد يحتاج تخصصا وبحثا شاقا حوله. وأعتقد أن ذلك قد يكون سهلا لو أن ثمة ميولاً بالإضافة لمثابرة. بالنسبة لي أعتقد أن الإنشاد يحتاج دراسة عميقة، وخاصة جانبي المقامات والألحان، والأحرى أن يقوم بذلك منشد وشاعر في الوقت نفسه. كالمنشد والشاعر ضيف الله سلمان مثلا.

أترك تعليقاً

التعليقات