أحمد عز الدين

أحمد عز الدين / لا ميديا -

لماذا يبدو الخليج بقمته (قمة العُلا) وبيانه كأنه غدا كوكبا منفردا يستدير في اتجاه آخر؟ هل ذلك ما ينطق به ما سمي المصالحة مع قطر؟ لا أحسب الأمر كذلك، وحتى إذا اعتبرنا كلمة المصالحة، تعبيراً جانبياً عن الحالة، فإن المصالحة جوهريا ليست مع قطر، وإنما مع تركيا ومعها كل توابعها، بما في ذلك قطر ذاتها، في إطار المرحلة الأخيرة في الاستراتيجية الأمريكية.
لكن الإجابة على هذا النحو تبدو ناقصة، فلك أن تلاحظ أنه رغم هذا الاستدراك الإماراتي المتكرر حول المصالحة مع قطر، فإن الخطاب الرسمي الإماراتي قد أعاد تلوين مفرداته ترحيبا وتطبيلا لتركيا، فتركيا بالنص "شريك ولا يوجد بيننا عداء" و"السياسة الخارجية التركية فاعلة وبناءة"، ثم إن ما أحاط بتركيا من قبل ومن بعد يمكن أن يعطيك رؤية أكثر وضوحا لقوة دافعة أمريكية بالدرجة الأولى، وغربية تابعة بالدرجة الثانية، لبعث جديد لدور قيادي تركي في الإقليم، وبتحالف مكين مع "إسرائيل"، فالبيان التركي ذاته علق نصا بالقول "إن أنقرة شريك حقيقي لمجلس التعاون الخليجي"، ولك ألا تندهش أن بريطانيا ـ التي أشاد بيان القمة بتمددها الاستعماري في الإقليم العربي ـ قد وقعت اتفاقية تجارية مع تركيا في التوقيت ذاته، وأن فرنسا توافقت مع تركيا على تجهيز ملف للحوار، والتفاهم المشترك، وليس لك أيضا أن تندهش لأن تركيا نفسها استبقت القمة بأيام ووقعت مع "إسرائيل" بعد مباحاثات مطولة اتفاقية لزيادة التبادل التجاري بينهما، من 7 مليارات دولار إلى 10.5 مليار دولار، على أن تكون الزيادة محصورة في قطاع التكنولوجيا، وليس لك أن تندهش أيضا من تحرك ملك الأردن ورئيس وزراء لبنان المرشح في اتجاه مباحثات ولقاءات واتفاقيات مع تركيا، فالسعي إذن ليس سعيا خليجيا، ولكنه في صورته العامة مدروس وموجه، بل ومفروض، وقد تم الاندماج فيه بتوجهات فردية الطابع كما تبدو، ولكنها ليست كذلك، فقد حظي باستحسان وغبطة خليجية.
لقد صدر في أعقاب القمة قرار من إدارة ترامب باعتبار جماعة الحوثيين جماعة إرهابية، والقرار في ما أحسب ليس منفصلا عن التوجه الاستراتيجي الأمريكي الذي مثّله بيان القمة.
لقد قلت من قبل إن "إسرائيل" متورطة حتى النخـــــاع في الحرب على اليمن منذ البداية، فالمعلومات تشير أن القنبلة النيتروجينية التي ألقيت على جبل "نقم" في 29 مايو 2015، قامت بها طائرتان "إسرائيليتان" من طراز "إف 16"، وأن هناك سربا "إسرائيليا" انضم إلى العمليات في اليمن منذ ذلك التاريخ، وقد شن أولى عملياته على معسكر للتدريب في تعز، بل إن القناة العاشرة "الإسرائيلية" هي التي قدمت اعترافا مبكرا بأن "إسرائيل" شريك أساسي في الحرب على اليمن، وتضمن اعترافها المشاركة بـ42 طيارا "إسرائيليا" وبعسكريين شاركوا في عدة محاور على الأرض، كان أهمها في باب المندب وفي المخا، إضافة إلى 70 خبيرا عسكريا وفنيا شاركوا في إدارة غرف العمليات.
غير أن رئيس الأركان "الإسرائيلي" أفيف كوخافي تحدث مؤخرا عن الخطر الذي تواجهه "إسرائيل" مما أطلق عليه "الدائرة الثانية"، وهو ما تم تفسيره بأنه إشارة إلى اليمن وسوريا، وفي أعقاب إعلان وزير الخارجية الأمريكي عن اعتبار جماعة الحوثي جماعة إرهابية، تأكدت معلومات عن أن الولايات المتحدة، قد شرعت في بناء قاعدة أمريكية في جزيرة "ميون" اليمنية المطلة على باب المندب، وقد فسرت "يديعوت أحرونوت" موضوع القاعدة بأنها "من أجل حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية"، بينما أكد المصدر نفسه أن "هناك مصلحة مباشرة لإسرائيل في الحرب في اليمن، بخاصة بعد التطبيع بين أبوظبي وإسرائيل بشكل علني".
لذلك هل يعني القرار الأمريكي الخاص بالحوثيين فتح آفاق قد تبدو مشروعة بموجبه لانتقال الدور "الإسرائيلي" في الحرب على اليمن إلى العلانية كما هو الحال في سوريا؟
يبدو لي مع ذلك، أن الأمر ليس مرتبطا بالدرجة الأولى بدور علني لـ"إسرائيل" في اليمن، وإنما يتعلق بدور تركي في اليمن (إضافة إلى دور تركي في لبنان)، فنصف قيادات الإخوان المسلمين أو حزب الإصلاح الذي يسيطر على الحكومة اليمنية في السعودية، موجود في تركيا، وهناك قوات تركية بالتأكيد وإن كانت محدودة تشارك في الأعمال العدائية فوق الأراضي اليمنية، فضلا عن ارتباط أعداد من الإرهابيين المستأجرين من قبل الإمارات، الذين يعملون على الإمساك بالسواحل الجنوبية والغربية لليمن ليسوا بعيدين عن أصابع تركيا، وعن دور "إسرائيلي" ـ تركي ـ خليجي في القرن الأفريقي، وفي استنهاض إثيوبيا كدولة إقليمية عدوانية، ولا عن ذلك الجسر المتوهم بين اليمن والقرن الإفريقي تحديدا في جيبوتي، ولا عن حصار مصر في المنتوج النهائي بين أقواس نيران ممتدة من المتوسط إلى البحر الأحمر.
أما "إسرائيل" نفسها فقد سرب جهاز الموساد قبيل انعقاد القمة بأيام معدودة وثيقة خاصة به، تدور حول عوائد "المصالحة" بالنسبة لـ"إسرائيل"، وقد لا يلفت النظر في وثيقة الموساد من بين ما اعتبرته "منافع" لها، تأمين قطر لاحتياجات "إسرائيل" من الغاز المسال، أو آفاق التعاون "الإسرائيلي" ـ القطري في الطيران والسياحة، أو حتى في المجال الأمني، خصوصاً الأسلحة والتكنولوجيا "الإسرائيلية"، كما تقول الوثيقة، لأن ما يلفت النظر حقا في قلب الوثيقة وبنصها أنها "ستؤدي بالمنافع إلى إسرائيل، حيث من المتوقع أن تؤدي إلى جسر مع معسكر الإخوان المسلمين".
لقد كتب أحد الأصدقاء متسائلا عما إذا كان انتقال رئيس وزراء لبنان المكلف فجأة إلى تركيا للقاء مع أردوغان يمكن أن يكون اختراقا، وأنه قام بنقل البندقية من الكتف السعودية إلى الكتف التركية؟ ورغم وجاهة السؤال فالحقيقة أن الأمر يبدو لي مجرد خداع نظر، فهل يعني ذلك أن الرجل لم ينقلها من الكتف السعودية إلى الكتف التركية، وإنما أن الكتف السعودية نفسها ومعها البندقية قد انتقلت إلى الكتف التركي، لكن الأمر يبدو لي أيضا مجرد خداع نظر، فالحقيقة أن العمق المحتقن يبدو أكثر وضوحا مع ما تسرب من قرار لترامب بدمج "إسرائيل" ومن تحتها كافة توابعها في الإقليم في هيكل القيادة العسكرية الأمريكية الموسعة في "الشرق الأوسط"، وهو ما يعني أن هذه الأكتاف كلها ومعها البندقية، قد انتقلت إلى الكتف "الإسرائيلية"!

* كاتب مصري.

أترك تعليقاً

التعليقات