مع حسن بن فرحان المالكي
 

حسن بن فرحان المالكي

فصل الإسلام الإلهي عن الإسلام البشري من أهم -إن لم يكن أهم- واجبات الباحثين والعلماء المسلمين. ونعني بالإسلام الإلهي "إسلام النص"؛ ذلك النص الصحيح الثبوت، الصريح المعنى، من كتاب أو سنة، على تفصيل ليس هذا موضعه، لكن معظمه في القرآن -بلا كتب التفسير- وما يشبهه من الحديث النبوي والسيرة النبوية الخالصَيْن من إضافات البشر وأوهامهم. وقد دخل البشري في تفسير القرآن وفي الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله، وفي الآثار (أقوال الصحابة والعلماء والأئمة)، وتفرع هذا للفقه والعقائد والسلوك، فكل ما بين القوسين هنا من القسم الثاني: الإسلام البشري.
ونعني بالإسلام البشري ذلك الإسلام الذي منبعه البشر، سواء عن طريق وضع صريح لأحاديث وعقائد وأحكام، أو استجابة لغضب أو كبر أو هوى أو عصبية أو مصلحة، أو فهم سقيم لآية أو حديث، أو تأثر بثقافات أجنبية مغايرة، أو الوقوع تحت تأثير سياسات معينة، أو نتيجة مؤثرات اجتماعية أو بلدانية. وهذا الإسلام البشري كله يمكن أن نطلق عليه "الذاتية"، في مقابل الإسلام الإلهي الذي يمكن أن نطلق عليه "الموضوعية" أو "العلمية".
ولا ندعي هنا أن الفصل بين الإسلامَيْن واضح في كل المسائل والموضوعات، ولكن على الأقل يجب أن نبدأ من أعلى الهرم ونحن ننزل، فنأخذ الواضح الواضح، والقرآن يعيننا على فرز البشري عن الإلهي، وكذلك كل معرفة صحيحة تعيننا على هذا الفصل واتضاحه.
والغريب أنه مع تنافر المذاهب والتيارات وتكافرها، إلا أن الجميع لا يتكلم عن هذا الفصل بين هذين الإسلامين، وكيف يتجنب ما يذم به الآخرين، بل ربما لا يعرف أكثر الناس أهمية هذا الفصل أصلاً. وحتى لا نعمم الزعم بجهل الناس لهذين الإسلامين، فنقول هناك عبارات عامة لبعض الباحثين في الفصل بين الموضوعين، والقليل النادر من تعمق في هذا، وأبرزهم الدكتور عبد الجواد ياسين في كتابه "السلطة في الإسلام - العقل السلفي الفقهي بين النص والتاريخ". والدكتور عبد الجواد هذا له نقد للسنة والشيعة معاً، ويرى أن السلفية ليست خاصة بالسنة، بل تسري على المذهبين.
فلنبدأ بالفهم العامي، بمعنى أن عامة الناس -فضلاً عن خاصتهم- سيدركون أنه يستحيل أن يتناقض الإسلام ويتعادى، ولكن المسلمين عبر التاريخ يعادي بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً حتى داخل المذهب الواحد، فكيف حدث هذا؟ العامي البسيط يقف أمام الشاشة ويستغرب أن يرى شيخين يذم بعضهما بعضاً بالأحاديث والفتاوى؟ أليس كذلك؟
والنتيجة الطبيعية هنا تقول: لا يمكن أن يكون هؤلاء المتخاصمون المتباغضون المتكافرون نتيجة إسلام واحد من عند الله، لأن الإسلام الإلهي حق مطلق، ومصدره الله، الذي لا يتناقض ولا يجوز أن نقول إن فيه بعضاً يعادي بعضاً، أو أنه آلهة متعددة يذهب كل إله مذهباً. فتنزيه الله وشرعه عن هذا التضاد والتنافر والاختلاف يقين حتى عند العامة. وعلى هذا، فالحق المطلق الذي يصدر من الحق المطلق لا يعادي بعضه بعضاً، ولا يحكم بعضه على بعض بكفر ولا ضلالة ولا تضاد، ولا تناقض أو حتى اختلاف، لا في أحكامه ولا تعاليمه ولا واجباته ولا محرماته.

أترك تعليقاً

التعليقات