بعد ماكنا نستغيث به
ابن علوان يستغيث : مدد " ياهو " مدد


لم تتوانَ الحركة الوهابية منذ انطلاق مسيرتها المدمرة في طمس الهوية الحضارية والدينية, فمنذ مائة وخمسين عاماً طالت ركابهم وسيوفهم ومعاولهم الكثير من المزارات والآثار الإسلامية في النجف وكربلاء العراق، وقبور الصحابة في مكة المكرمة والمدينة المنورة, قبل أن تنتقل جنوباً إلى اليمن ضمن حملتين استهدفت فيهما المعالم التاريخية لليمن ابتداءً من حجة وزبيد ووصاب وتعز حتى مشارف حضرموت.
اليوم ومع تدشين الحملة الوهابية الثالثة, تستمر حكاية الغل التاريخي عبر الآلة الداعشية القاتلة لكل المقومات التاريخية/ الحضارية - من العراق وسوريا واليمن - مروراً بالسودان ومالي ونيجيريا.
وبذات الشكل كانت الحالة اليمنية أرضاً خصبةً لهذا السرطان القاتل.
ففي مساء السبت قبل الماضي, طالت الأيدي القذرة في عمليتها ضريح شيخ صوفية عصره عبدالهادي السودي (860-932هجرية) ونبش قبره بهدف التمثيل برفاته الطاهرة, في حي عبدالهادي السودي الواقع أعلى المدينة القديمة في تعز.
كما قامت مجاميع متطرفة تابعة لعصابات ومرتزقة العدوان السعودي/ الأمريكي على اليمن, بتفجير ضريح وقبة الشيخ عمر بن مدافع التاريخي في منطقة صينة غرب مدينة تعز.
حيث أقدم مسلحو تنظيم القاعدة «فرع إمارة تعز الإسلامية» الأربعاء قبل الماضي, على تلغيم مقام ومرقد الشيخ بن مدافع الأثري والذي يعود تاريخه إلى عام 640 هجرية.
 وشهدت الفترة الأخيرة تفجير وتدمير العديد من المعالم الأثرية الدينية في مدينة تعز ومن أهمها: الجزء الأثري المتمثل بقبة الشيخ إبراهيم الحرازي (توفى عام866 هجرية وكان من رواد الطريقة الرفاعية) في منطقة ثعبات, وقبة وضريح الشيخ عبدالله الطفيل في قرية حسنات التابعة لمديرية صالة, والثلاثاء الماضي قاموا بنبش قبر العلامة عبدالله الرميمة (متوفى منذ18 عاماً) في قرية حدنان تعز. 
لازالت الآلة المدمرة لهذه العصابات المتطرفة تعبث وتدك كل ماتجده في طريقها من مقامات ومزارات ومراقد أولياء الله الصالحين في تعز وهو ما يصفه العزي مصلح المدير السابق لمكتب الآثار بتعز, بحملة وهابية ثالثة على اليمن تستهدف محو أثر رموز وأعلام الصوفية وبكل وقاحة.
مشيراً إلى أن هذه الجماعات المتطرفة تستغل الوقت والزمن بتنفيذ منهجيتها الهدامة, «لقد كانت هذه المعالم التي يعتدى عليها اليوم لرموز اشتهرت في عصر الدولتين الرسولية والطاهرية بالعلم والفلسفة والشعر والطب. في مدينة تعز توجد العديد من الأضرحة التاريخية لملوك بني رسول والخوف الأكبر أن تمتد أيديهم إليها, فقد سبق وأن قامت عناصر جمعية الحكمة السلفية منذ سنوات بالاعتداء على قبر الملك عمر بن رسول مؤسس الدولة الرسولية وضريح طغتكين بن أيوب (القائد العسكري للدولة الأيوبية في اليمن والمؤسس الفعلي للدولة الرسولية) الواقع بمنطقة صينة, كما سبق وأن قامت هذه الجماعات بأسمائها المختلفة ذات المنهجية الوهابية بالاعتداء على ضريح السيدة أروى بنت أحمد الصليحي, كل هذا يجري وسط صمت المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على الآثار وهذا ليس بغريب عليها لأنها عبارة عن كيانات بغض الطرف اسم بلا علم أو بالأحرى بغض الطرف عما يستباح ويدمر من قبل هذه الجماعات في آسيا وأفريقيا.
فيما يؤكد عدنان الجنيد رئيس ملتقى التصوف بأن: «الوهابية تحارب الله تعالى بمحاربتها لأوليائه..(من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب - حديث قدسي), إذا لم نحترم أضرحة وآثار رموزنا الدينية, فلنحترم على الأقل أصحابها الذين خدموا الإنسانية, ولأن آثارهم تعد جزءاً من حضارتنا, فانظروا إلى الشعوب الشرقية والغربية كيف تقف لساعات طويلة في زيارتها لمقابر زعمائها ولأجساد قادتها المحنطة وهم يذرفون دموع الشوق احتراماً وتقديراً لها, بينما متطرفو العرب يهدمون أضرحة وقباب عظمائهم ويسعون لإزالة آثارهم, إننا في ملتقى التصوف نهيب بالجيش واللجان الشعبية بسرعة القضاء على هذا الوباء الوهابي/ الداعشي الذي يعد السبب الأكبر في كل ماتعاني منه الأمة الإسلامية والإنسانية من فتن ومحن وقتل ودمار, ونهيب بكافة العلماء القيام بدورهم الرسالي وأن يكثفوا جهودهم في فضح هذا الخطر, لأنهم مسؤولون بين يدي الله تعالى إذا تساهلوا في ذلك وقعدوا في بيوتهم ولم يحركوا ساكناً, فما وصلنا إليه من تخريب وقتل كان بسبب سكوت العلماء وتقعاسهم عن أداء واجبهم. 
ليس الأمر فقط على تعز, فقد قامت هذه الجماعات التكفيرية بتدمير ضريح الإمام عمر بن علي السقاف في مدينة الوهط وضريح حسن البحر في محافظة لحج، وتحطيم ضريح الإمام الحبيب محمد بن علوي الشاطري بالمعلا بمدينة عدن.
 بالإضافة إلى سلسلة عدوانها المستمر على الكثير من الأضرحة والمقامات والمعالم التاريخية في محافظة حضرموت, فقد أقدمت مجاميع مسلحة من العناصر المتشددة، خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، على هدم عدد من الأضرحة والمعالم الإسلامية التاريخية في مناطق متفرقة بمدينة المكلا عاصمة المحافظة.
مجاميع تنظيم القاعدة التي تطلق على نفسها عناصر «الحسبة» اقتحمت عدداً من المساجد والقباب التاريخية الشهيرة أبرزها «قبة يعقوب» الواقعة بحي الشهيد خالد، ومحيط مسجد عمر، و»قبة المحجوب»، الواقعة بحي السلام بالمدينة، وقامت عناصر القاعدة بنهب محتويات القباب وهدم وتحطيم كل مقامات الأولياء الصالحين بداخلها، على مرأى ومسمع جمع من الأهالي والسكان, وهو مايشير له محمد السقاف عضو منتدى الصوفية بحضرموت, بأن حالة من السخط والغضب سادت في أوساط الأهالي، جراء قيام عناصر التنظيم بتحطيم وتدمير هذه الأضرحة والقباب التاريخية التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، بل إلى ما قبل بناء مدينة المكلا, هذه القباب التاريخية يوجد داخلها عدد من الأضرحة والمقامات لعدد من العلماء الأجلاء والفقهاء الصالحين والعارفين وسياسيين بارزين.
تنظيم القاعدة وفور سيطرته على عاصمة المحافظة مطلع أبريل, وعلى مديرية الشحر قبلها, أعلن عن اعتزامه تنفيذ حملة هدم لهذه القباب التاريخية والأضرحة؛ تحت ذريعة «محاربة الشرك والبدع» وهو مادفعهم على ضوئها إلى تفجير «قبة الحبيب حمد بن صالح» الواقعة في قرية الواسط بمديرية الشحر بساحل حضرموت، في 28 يوينو الماضي وقبة الشيخ مزاحم في بروم، ويسيطر تنظيم القاعدة على مدينة المكلا منذ مطلع أبريل الماضي.
عمليات هدم الأضرحة والمعالم الدينية والتاريخية في حضرموت وعدن ولحج وتعز, تزايدت وتيرتها في هذه المحافظات نتيجة حالة الانفلات الأمــــــني غيـــــــر المسبوق والسيطرة عليها بشكل شبه كلي من قبل ما يسمى بالمقاومة الشعبية واللجان الموالية لعبد ربه منصور هادي وحكومته المدعومة من قبل الغزاة الإماراتيين والسعوديين، في الوقت الذي لم تتعرض فيه هذه المعالم الأثرية والأضرحة لأي مساس أو أذى طيلة العقود الماضية الأمر الذي يهدد وحدة النسيج الاجتماعي والديني في البلاد، فضلاً عن إهانة شريحة كبيرة من الشعب هي الأغلبية، ويتسبب بأضرار جمالية وأخلاقية وفكرية على مدى طويل.
إن الحقد المرضي للوهابية، والذي ظهر بأبشع صوره في العدوان على اليمن، والذي مضى عليه تسعة أشهر، يعيد نفس التاريخ الذي مرت به جزيرة العرب، عندما محت النسخة الأصلية لـ»داعش» كل آثار الإسلام هناك، فهذا العدوان الذي لم يرحم لا البشر ولا الشجر ولا الحجر، استهدف وبحقد واضح وجلي كل الأماكن المقدسة والأضرحة والمعالم الأثرية اليمنية العريقة، حتى إنه استهدف ضريح الشهيد حسين بدر الدين الحوثي مؤسس حركة أنصار الله بأكثر من 23 غارة متتالية  في منطقة مران بصعدة ، كما دمر ضريح ومسجد الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالإمام الهادي والذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث الهجري وسط تفاخر موقع الجيش السعودي الذي قال يومها :»تم بحمد الله استهداف وتدمير معبد الشرك والوثنية بمدينة صعدة»، وقبل ذلك دمرت الطائرات السعودية المسجد التاريخي العريق في مدينة صنعاء.
ولم تكتفِ الوهابية المتخلفة بذلك بل دمرت أيضاً مسجد وضريح الإمام عبدالرزاق بن همام الصنعاني، ومسجد وضريح الإمام سفيان بن عيينة المتوفى سنة 211 هجرية في صعدة، إلى جانب العديد من الآثار التاريخية 
المهمة الأخرى التي لم يعد لها وجود الآن، والتي لا تقدر بثمن.
السعودية هي التي تدعم الجماعات المتطرفة لهدم الرمزيات الثقافية التاريخية، وهذه الجماعات تنشط في اليمن منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي وهي التي كانت وراء هدم مشهد ابن علوان في يفرس وظل نشاطها متواصلاً إلى هذا الزمن الذي يباشر العدوان وطيرانه الهدم والتدمير للآثار الحضارية والتاريخية في عموم اليمن. 
يرتكز المنهج الوهابي على ممارسات يدّعون أنها من أصل الدين وركائزه لكنها تعود لممارسات جرت قبل 1400 عام. إن هذه التطبيقات الجديدة لأحكام القتال القديمة تعود مجدداً عبر المنهج السلفي الأساس الفكري للوهابية كممارسة دينية واجتماعية.
لقد أصبح ضحايا هذا الفكر يناهزون بل ويتجاوزون ضحايا الفاشية والنازية بالأرقام والفظائع، دول وشعوب وقوميات وإثنيات وطوائف تتعرض للدمار والخراب والحرق, لقد شمل إجرامهم الجميع, إنهم ينهشون مثل الوحوش المسعورة. 
إن الوهابية فكر يعادي كل شيء، يحرق ويبيد ويمحو البشر والشجر، حتى الآثار والتراث الإنساني الحضاري لم يسلم من شرور معاولهم ووحشية تصرفاتهم التي باتت تؤذي الباهوت الثوري أحمد بن علوان في مرقده الأبدي, فبعد أن كنا نستغيث بالباهوت, صار ابن علوان اليوم يصرخ ويستغيث بمن ينقذ أولياء الله الصالحين من ألغام أعداء الحياة والإنسانية.