الطريق الى الكينونة الوطنية 
(قراءة مقارنة في تواريخ مفصلية من عمر اليمن)


( 2-4 )
مشهدان نقيضان
 كانت الساحة اليمنية عقب 1994م، ممهدة ومثالية تماماً بالنسبة لسلطة توجت ـ للتو ـ حقبة من الصراع امتدت لقرابة أربعة عقود، بانتصار كاسح على خصومها التاريخيين، وآلت إليها مقاليد السيطرة بلا منازع.. بينما كانت هذه الساحة على الجانب الشعبي ـ جحيماً حقيقياً تنوء الغالبية المسحوقة فيه بعبء تلال فواتير وتبعات باهظة هي حصيلة كل تلك الحقبة من الصراع، مضافاً اليها النتائج الكارثية لإعادة الهيكلة الاقتصادية والإصلاحات السعرية والخصخصة التي دشنت مطلع العام 1991م بالتزامن مع عودة حوالى مليون مغترب يمني رُحِّلوا من سوق العمل الخليجية كرد فعل على موقف الحكومة اليمنية المتعاطف مع العراق إبان أزمة ((احتلال الكويت وحرب الخليج الثانية))، وفي السياق ذاته عوقبت اليمن بالحرمان من مساعدات ومنح مالية كانت تمثل رافعة رئيسة للموازنة الحكومية والاقتصاد عموماً.. وإذا كان ذلك قد جعل من الشارع الشعبي في الشمال ضحية بائسة، فإن الشارع الجنوبي كان الضحية الأكثر بؤساً لعواصف التداعيات المتلاحقة تلك.
ــ لقد وجد غالبية الجنوبيين أنفسهم فجأة غرباء في فوضى سوق بلا دولة وعلى تراب كان مؤمماً بالكامل وأصبح مصادراً بالكامل، وأفاقوا من وهم الشراكة الندية على واقع القنانة وفقدان الوزن، ومن حلم الوحدة على كابوس الضم والإلحاق، ومن الإمساك بصولجان الحكم الجزئي، على حمل نير استحقاقات الهزيمة..
بموازاة هذا الحضيض الشعبي المكتظ بالمنغصات والمستتب الخراب، كان ثمة منغِّصان اثنان يؤرقان استرخاء رؤوس السلطة المنتصرة، تجسدا في: الحاجة لبلورة محددات مناسيب النفوذ وكُنْهِ الأدوار والصورة المستقبلية للحكم، كما وحاجة ((صالح)) من جهة و((آل الأحمر)) من جهة أخرى كأبرز مركزين فيها، إلى توطيد العلاقة بـ((واشنطن)) للتعويض عن موقف سعودي داعم خَسِره الأول على خلفية أزمة حرب الخليج الثانية، في مقابل سعي الآخر لاستقطاب المزيد من الدعم الخليجي وكسب ود ((واشنطن)) عبر الانخراط في لعبة المعارضة وسوق الاستثمار بمظهر ليبرالي منفتح ومتقبل لثقافة التعدد المتعايش وموجبات الديمقراطية بالمفهوم الليبرالي، وينتهج الاعتدال على مصاف الدين...
تبعاً للعبة الاستقطابات النشطة والمحمومة تلك نشأت مشهدية سياسية داخلية هي عبارة عن احتشاد قوى ثانوية وهامشية منقسمة على محك الموالاة حول مركزي السلطة الآنفين، وحضر الشعب ـ فقط ـ بوصفه مجالاً حيوياً لسجالات الطرفين اللذين اختلفا غالباً على كل شيء واتفقا دائماً على ضرورة تغييبه كإرادة وآمال بامتداد مسار السجالات والتسويات بينهما.. في الأثناء كانت الأحزاب اليسارية والقومية ولاسيما ((الاشتراكي والوحدوي الناصري))، أضأل من أن تؤلف رقماً فارقاً في المشهد السياسي، فقاطعت العملية الانتخابية تارةً دون أن تؤثر في مجرياتها بالمقاطعة (مقاطعة الاشتراكي لانتخابات 1997 البرلمانية)، أو خاضتها فحصدت حضوراً صفرياً من خوضها، ولاحقاً وجدت نفسها تنزلق داخل دوامات سطوة ونفوذ مركزي السيطرة التقليدية، كإجراء وقائي عوَّلت خلاله على لفت انتباه ((المجتمع الدولي الراعي للعبة الديمقراطية)) إلى ضرورة حلحلة التوازنات الفجة القائمة لصالح تمكينها من حضور فارق نسبياً فيها.. أما ثمن ذلك فالمثول غير المشروط لإعادة الصهر في بوتقة المسلمات الأمريكية والتزام مثابر بموجبات الحياة في ظل النظام العالمي الجديد...
لقد تمظهر هذا التجانس المميت في صورة دورات انتخابية تعيد تدوير ذات الوجوه في كل محطة من محطاتها، وتدحض إمكانية الحديث عن نقيض يمثل الإرادة الشعبية في النضال لإنجاز التغيير المنشود... وكانت أحزاب ذات رؤى إسلامية تجديدية زيدية ووطنية مدينية مثل ((اتحاد القوى والحق)) قد تشكلت باستغلال فضاء ما بعد الوحدة التعددي، وتوازن أحدثه حضور الحزب الاشتراكي في مشهد الحكم، لتقع مجدداً فريسة لنزوع ثأري من قبل خصومها التقليديين ذوي الأيديولوجيا ((الجمهووهابية)) التي باتت ((الوحدة)) قالباً حصرياً لمفاهيمها عقب 1994م على غرار ((جمهورية 1968م))... وسحب هذا المتغير نفسه على الحزبين الآنفين في صورة تصدعات بنيوية أفقية طالت بناءهما الفوقي حديث العهد بالتأسيس، وتشظت كوادره وأنصاره ومطبوعاته وفقاً لمواقف قياداته من مركزي السيطرة وحرب 1994م، وفوق ذلك كله من ((الراعي الدولي للعبتي الديمقراطية والسوق)).. 
ـ وبطبيعة الحال فقد بات ((المعهد الديمقراطي التابع للخارجية الأمريكية في صنعاء)) محجاً لإعادة تأهيل القيادات الحزبية المعمـِّرة، وتأهيل الشبيبة للنهوض بلعبة معارضة مدجنة كلياً لحزمة يقينيات معيارية قطبية هي من منظور مسوِّقيها النيوليبراليين، ـ الصيغ المثلى لما ينبغي أن تكون عليه ((الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد)) في بلدان جنوب الكرة.. وتكفلت ((صناديق الإقراض الدولية)) بتشخيص مشكلات الاقتصاد المحلي وبلورة الحلول الملزمة وتحديد أوجه وكيفيات إنفاق المبالغ المتحصلة من مؤتمرات المانحين التي تتولى التنسيق لها والإشراف والرقابة على مخرجاتها.. في ظل غياب كامل لدور وطني على مصاف تقييم طبيعة المشكلات الاقتصادية واقتراح المعالجات، تبعاً للحاجات المحلية وخصوصيات البلد الذي بات بفعل فجاجة التدخلات الدولية وانصياع مكوناته السياسية لها، صلصالاً طيعاً تشكله أصابع الدائنين والمانحين على نحو ما تريد وترغب، ضمن ما يسميه المفكر سمير أمين ((إدارة أزمة الديون، وليس إنهاءها جذرياً..))..
أصبح لدينا ـ كنتيجة لذلك ـ مركز حكم منهمك في استجلاب الديون والمنح كيفما اتفق لتدعيم شرعيته المرهونة بنجاحه في أداء هذا الدور، إذ إن نجاحه على هذا المصاف يعني رضا الراعي الدولي عنه ما يعني في المحصلة استمراره حاكماً لبرهة مديدة أخرى.. في المقابل فإن السعي للتشكيك بأهليته لدى الدائنين ودحض ثقتهم فيه، يبقى الدور الحصري للمعارضة ونجاحُها فيه يعني تبدُّلاً وشيكاً في توازنات لعبة الحكم، اختمرت حاجة ((الراعي الدولي)) إلى الشروع في إجرائها...
كان جلياًـ في غياب الآخر النقيض ـ أن لعبة السجالات غير التناحرية تلك بين ((مؤتمر حاكم ومشترك معارض)) لن تطرح ثمرة حقيقية على مائدة الغالبية المفقرة، مهما تعددت دورات السجال وامتدت؛ كما برهنت محطات انتخابات ((1997م النيابية، 1999م الرئاسية، 2001م المحلية، 2003م النيابية، و2006م الرئاسية والمحلية)).. غير أن من المهم هنا، تأكيد أن غياب الآخر النقيض على مصاف السجالات السياسية الهزلية من 97 الى 2006م، لم يكن ـ بحتمية الحركة الجدلية للتاريخ ـ إلا حضوراً بكيفية ورؤية وأدوات أخرى في ساحة أخرى هي بحر الآلام والآمال الشعبية الذي سيـَّـجته وكالات الأرصاد القطبية بالمحاذير وأسلاك الممنوعات الشائكة، وكتبت على مداخله بالأحمر العريض ((خطر ممنوع الاقتراب))..
ما كان بوسع ((الآخر النقيض)) أن يتخلق إلا في خضم اختلاج الوجع الشعبي ولفح أنفاس المقهورين.. وما كان بوسعه أن يتخندق كرؤية ونهج إلا في بؤرة هذه ((المنطقة المحرمة دولياً)) والمهجورة والمحفوفة بالمخاطر...
عندما اضطرم أوار حرب 1994م الظالمة، وقف رجل وحيد تحت قبة البرلمان، حيث لا يجرؤ إلا قلة مغايرة من الرجال على الوقوف، أدان مبررات الحرب التي تذرعت بها السلطة، لكن كلمة الفصل لم تكن حينها للبرلمان بطبيعة الحال.. واستمراراً لموقفه الرافض ذاك دعا إلى لقاء اجتماعي قبلي انعقد وخرج ببيان إدانة واضحة للحرب.. كان قدره أن يجابه ـ لاحقاً ـ نقمة المنتصر وحيداً وأعزل إلا من موقف وقضية جذريين من حيث انحيازهما للمستضعفين والمسحوقين في مواجهة جبروت استكبار محلي ودولي أذعنت له جلُّ المكونات السياسية والاجتماعية بوصفه قدراً..
كان ذلك الرجل هو الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي الذي استطاع أن يجعل من منبر بسيط ومتواضع في قرية حدودية نائية من قرى الريف الصعدي، حجرَ توازن في مشهد يمني إقليمي مختل، ومصنعاً لطلائع ثورية مؤمنة ستمضي بالثورة إلى أبعد نقطة في تخوم الحلم الشعبي بدءاً من صرخة عزلاء خلف قضبان أقبية وسراديب ضواري الاستكبار وحرَّاس هيكل الأحادية المهيمنة.. وليس انتهاءً بتداعي قلاع الإقطاع والعمالة وفرار أبرز رموزها تحت ضربات المقهورين..

أنموذج نضال معولم... 
كيف باتت الشبيبة تفكر ؟!
في العام 1996م أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرها الاعتيادي السنوي حول أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة في ((الشرق الأوسط))، وكان أبرز ما ورد فيه تأكيد خلوِّ السجون اليمنية من معتقلي الرأي، وتبرئة ساحتها بخصوص هذا الملف.
جاء ذلك كنتيجة ـ في الأرجح ـ لتسوية ملف ((سجين الرأي الاشتراكي منصور راجح)) الذي تصنفه المنظمات الحقوقية المعنية دولياً بأحد ((أبرز خمسة معتقلين سياسيين في العالم)) حينها، وبتسوية ملفه ومغادرته السجن إلى منفاه القسري في (( النرويج ))، اعتبرت الخارجية الأمريكية اليمن خالية من سجناء الرأي، وكان لها ـ في واقع الأمر ـ دوافع أخرى من تحرير هذه الشهادة الجزافية المجافية للواقع.. كانت الإدارة الأمريكية ترغب في تسويق ((اليمن)) أنموذجاً أولياً للديمقراطيات الناشئة التي عزمت على تعميمها في ((الشرق الأوسط))، وتبعاً لذلك وجهت المزيد من الدعم المادي والمعنوي للتجربة الديمقراطية المحلية في بلد بات مسرحا ً مفتوحاً لتنامي معدلات البطالة والتردي الاقتصادي بالتوازي مع تنامي معدلات انتشار المنظمات المتلطية خلف لافتات حقوق الإنسان والحريات العامة بلا ضوابط وطنية.
لم تحل النتائج الكارثية للحرب على الجنوب وتصفية شريك الوحدة والتعددية (الحزب الاشتراكي)، دون أن تدلي الخارجية الأمريكية بشهادتها عن نظافة أقبية القهر الرسمية، واستمرت في الإشادة بالديمقراطية الناشئة في اليمن، بصورة تفصح عن موقفها الموارب والداعم لنشوب حرب 1994م.
وفيما تعثرت تسوية ملف ((منصور راجح)) في زمن قوة الحزب، فإنها أنجزت بسلاسة إثر فقدانه عوامل القوة، إذ أرادت الإدارة الأمريكية ـ على الأرجح ـ أن تدشن هذه التسوية حقبة سياسية مفتوحة على تعاقدات كونية عابرة للأزمنة المحلية المغلقة والمسكونة بـ ((فوبيا الارتياب من مؤامرات امبريالية قادمة من وراء الحدود)).. 
لقد نجح عضو في ((الحزب الاشتراكي)) لا يشغل موقعاً قيادياً، في تحرير معتقل أخفقت قيادات الحزب في تحريره - فقط باستثمار الفضاء الكوني المفتوح - وعليه فقد بنت الخارجية الأمريكية شهادتها بخلو اليمن من سجناء الرأي، على تقرير هذا الشاب ذاته الذي أسس منظمة ناشطة في مجال الحقوق والحريات استطاعت حشد دعم ومساندة دولية، أثمرت الإفراج عن ((راجح))، واختزل ملف المعتقلين والمخفيين قسرياً في هذه الحادثة المعولمة..
رسخت هذه القضية لدى الشبيبة يقيناً غير عملي عن تحوُّل جذري في كُنْه الصراع تحت تأثير ((بروبجندا)) مفادها ((انظروا ماذا يمكن للفرد أن يفعل في ظل كوكب أصبح قرية صغيرة)).. هكذا فإن القضايا سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، لم تعد تكتسب أهميتها من كونها عادلة وملحة على صعيد واقع البنى الاجتماعية المحلية، بل هي مهمة أو غير ذات أهمية لكونها تحظى أو لا تحظى باهتمام الأسرة الكونية في منظور معظم الشبيبة المستلبة لـ((بروبجندا العولمة الأمريكية)).. 
تنسحب هذه المعيارية المعولمة التي تضفي أو تسلب القضايا أهميتها على ملفات قطرية وإقليمية، وتتدرج من النظر للسيادة على سبيل المثال؛ لتنتظم مواقف الشبيبة في تقييمها حتى لقضايا مركزية كبرى على غرار ((الاحتلال الأمريكي للعراق أو الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية)).. 
الحقيقة أن سجون السلطة زمن صدور التقرير الأمريكي الآنف، كانت متخمة بسجناء الرأي على خلفية تهم بنزوع انفصالي أو تأسيس والانخراط في تنظيمات مسلحة تستهدف ما سمي حينها ((قوات الشرعية)) في الجنوب، أو المشاركة في ندوات خارجية تتآمر على ((الوحدة)) والتخابر مع شخصيات محكومة بتهم الخيانة العظمى، وصولاً إلى اعتقالات جماعية نفذتها السلطة بصورة محمومة بدءاً من 1999م في صنعاء، وطالت الكثيرين على خلفية ترديد ((الصرخة أو الشعار الشهير)).
غير أن إحجام المنظمات الدولية المانحة، عن توفير غطاء لمنظمات مجتمع مدني محلية ترغب في توثيق ورصد تلك الانتهاكات، قد جعلها تمر مرور الكرام في الوقت الذي جرى تضخيم قضايا ترفية، من قبيل ((النوع الاجتماعي ـ الجندر)) لتحتل صدارة المشهد الحقوقي وتثير غبار سجالات مدوية بين مؤيدين ومناهضين، استغرقت الرأي العام لسنوات..
في مناخ من الاستلاب كهذا، لم يكن مستغرباً أن تتجاور - بالتزامن - ديمقراطية الاقتراع من جهة و(( حروب الاقتلاع الست من جهة أخرى ))، دون أن تدحض إحداهما شرعية الأخرى أو تستشعر المكونات السياسية المنهمكة في سجالات قشورية، فظاعة هذا التناقض.
كان القتل الجماعي يسير على ما يرام، وكذلك الديمقراطية.. كان الجنوب يبتلع بشراً وتراباً وتـُــسحق آدميته، فيما أهازيج ((الوحدة)) تصدح..
كانت الطائرات الحربية السعودية تفرغ حمولات الموت على رؤوس أطفال ((صعدة)) المحتمين ببقايا السقوف الطينية والسيادة.. وأسراب ((الدرونز)) الأمريكية تمشط الأجواء الوطنية وتتسلى يومياً بقتل الأبرياء في ما يشبه ((معارك بلاي ستيشن))، وكان النشيد الوطني يباهي بالسيادة وعظمة الأمجاد..
كل هذا الخليط من تجاور التناقضات في صورة لعبة ((اقتراع)) بين تجانس متعدد من جهة، ولعبة ((اقتلاع)) من جهة أخرى تستهدف مكوناً اجتماعياً بذرائع متعددة، ولا تصمد كغطاء منطقي للجنازير المنهمكة في القتل،.. كل هذا الخليط المتناقض كان مؤشراً عملياً على أن ((النقيض الوطني الشعبي)) كان يتموضع على الضفة المقابلة للعبة ((المرايا المتعددة)) التي لا تعكس سوى الصورة الكلية لمصالح الامبريالية الأمريكية على هيئة تعددية محلية زائفة لا تصب روافدها في بحر المصالح الوطنية والشعبية ولا تأبه له.. فيما كان النقيض هناك، حيث تشير فوهات ترسانة الموت الزاحفة صوب مرابضه.. وكان يتعين من وجهة نظر سلطات الحرب أن يتم الإجهاز عليه وجوداً وخطاباً، بماكناتها الحربية وماكناتها الدعائية التي راحت تغزل شتى صنوف الشائعات لتسدلها ستارة سميكة على حقيقة حرب ستتكشف أبعادها تباعاً خلال السنوات التالية لفشل فصولها الستة في إنجاز المنشود منها..
لكن السؤال هو: ما الذي أهَّـل هذا النقيض ليكون نقيضاً؟! 
ولماذا تخلَّق في محافظة قبلية نائية ((كصعدة))، ولم يبزغ نجمه من إحدى حواضر اليمن الشهيرة ذات البنى الاجتماعية الانتقالية المعروفة بمنسوب من مدينية وثقافة ترشحها نظرياً للنهوض بهذا الدور؟! 
إنه سؤال يستوجب بحثاً آخر سوى هذه المقاربة التي ستحتفي فقط باقتفاء المحطات الفارقة في سيرورة حراك وطني تمثل خلاله ثورة 21 أيلول 2014م اختزالاً شعبياً وطنياً بامتياز لكل محاولات اجتراح أفق الكينونة الوطنية الحلم، بامتداد هذه السيرورة.