كيف تتآكل المملكة من الداخل وبأنياب وحوشها الوهابية 
السعودية والقاعدة وداعش بين التناقضات العربية والإقليمية وازدواجية العمل والنتائج



تتحرك الكثير من البلدان العربية والقوى الدولية والإقليمية في هذه الفترة لمواجهة الإرهاب، وتخلط الأوراق على الكثير من البسطاء، ويتم تزييف وعيهم بحقيقة هذه الحروب، فالمشاهد للأحداث يستشعر كذب أطراف ومصداقية أخرى، لكنه أحياناً يتوه ولا يفهم ازدواجية هذه المعارك وهذه الأعمال. وفي هذا التحليل نحاول الوصول لمقاربة لما يجري من أعمال ومؤامرات في وطننا العربي، وفهم تناقضاتها وازدواجية تأثيرها وتشكيلها خطراً في اتجاهين مختلفين.  
يرتكز الدور الحقيقي السعودي في المنطقة العربية، على كونها أداة للمحافظة على المصالح البترولية لدول الامبريالية العالمية والاستكبار، وبشكل رئيسي.
لكن هذا الدور الاستراتيجي لا يمثل الأهمية الوحيدة لوجود المملكة السعودية كنموذج عربي إسلامي متحكم بالمقدسات الدينية، ويعمل من الداخل عبر تزاوج مقرف بين المذهب والسلطة، مدعوم ومبارك من المخابرات البريطانية التي نسقت له منذ العام 1902م للسيطرة على الفراغ الموجود في وسط الجزيرة العربية، وحتى تأسيس الدولة السعودية في عام 1934م، فهذه الأهمية الاستراتيجية الأخرى للمملكة العربية السعودية تكمن في أن السعودية كدولة ذات طابع ديني وبحكم تأثير الدين الإسلامي في المجتمع العربي، ليس فقط كمنظومة عقائد وأفكار وعبادات، بل أيضاً كتجلٍّ لحالات المقاومة الإنسانية للظلم وثورة مرتبطة بالواقع الاجتماعي للناس. وفي إطار هذا الطرح تلعب السعودية عبر منظومتها الدينية دوراً محكماً في التحكم بالحراك الاجتماعي العربي عبر اغتيال مشاريعه الوطنية والتحررية، وسواء باستخدام أدوات كالإخوان المسلمين أو الحركات السلفية الجهادية مروراً بالقاعدة وتنظيم داعش مؤخراً أو عبر صياغة أنظمة حكم عربية مشوهة تكون فاقدة للمشروع الوطني وتتحرك عبر أجهزة الأمن والمخابرات وأدوات الدولة الموظفة في القمع والتبعية.
               
مشروع اغتيال الحركات الوطنية 
إن تراكم الأخطاء والقهر الاجتماعي في الوطن العربي في التاريخ المعاصر واغتيال مشاريع الوحدة العربية والنزعة التحررية من الهيمنة الامبريالية والصهيونية التي تصاعدت لسطح النسيج الاجتماعي العربي في مطلع الستينيات من القرن المنصرم في دول عربية كثيرة، كان البداية للسعودية التي قدمت نفسها كثورة مضادة تآمرت على المشاريع التحررية في كل مكان، ولا نتناسى أنها من سلم فلسطين للاستعمار وتآمر على اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر، كما أثبتت العديد من المصادر التاريخية والكتب والمراجع، وهذا لا يمكن أن يفضي إلى حل يرضي الجموع الشعبية العربية ومشاعرها وكبرياءها المكسور، وفي النهاية فإن تراكم القهر والبؤس الذي عانيناه ونعانيه حتى الآن سيسهم فقط في عودة الحراك الاجتماعي باتجاه التحرر من الهيمنة والعبودية، وفي ما يبدو، فالمملكة العربية السعودية لم تعد قادرة بعد الآن على التحكم بمجرى سير الحراك العربي الاجتماعي ذي النزعة الثورية التحررية، وأنه الآن وبانفجار العديد من الثورات العربية خرج عن حد المعقول وقدرة الأدوات الاجتماعية المذهبية كالإخوان وشبيهاتها من الجماعات على التحكم به، فالأدوات التي تعمل عبرها المملكة السعودية في النهاية ازدواجية في التمركز الاجتماعي والعمل والوعي بذاتها، فهي وكما توحي التجربة والمتابعة تعاني من تشوهات خلقية واضحة وانفصام حاد في شخصيتها الاجتماعية وتمشي في طرق متناقضة بسبب الجذر التاريخي المشوه وأيضاً الارتباط بالأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والبريطانية.

  الحراك الاجتماعي يمر بمرحلة
 تصادم مع السعودية  
إن المملكة العربية السعودية كانت وما زالت أداة مفيدة حقاً للإمبريالية العالمية وقوى الاستكبار، فالتناقضات الاجتماعية الحالية وحالات المقاومة والثورة في الدول العربية وتبعات هذه الثورات والأحداث، تتجلى بشكل صريح وواضح في المشهد السياسي الدرامي العربي في مواجهة المملكة العربية السعودية ومن خلفها الامبريالية العالمية  أكثر حتى من الأنظمة السياسية الموالية لها، كونها المسؤول الإقليمي الأول عما يجري في المنطقة العربية ككل في نظر الجماهير الشعبية، وبتسلسل تاريخي واضح للأحداث.
وما تواجهه السعودية في اللحظة الراهنة وتدعوه (بالمد الصفوي الإيراني) في حقيقته ليس مداً (ولا هم يحزنون)، ه ثورة اجتماعية عربية نضجت أسبابها في الخارج السعودي، وأدواتها في الداخل السعودي في طريقها للنضوج، وفقس البيضة ومن الداخل، فتماهي الأدوات السعودية الازدواجية العمل بشكل عام والموزعة في كل مكان، هو النتيجة الطبيعية للضعف الذي تمنى به المملكة في منظومتها الداخلية وتآكل سيقان عرشها كمملكة تربعت على رؤوس وجماجم المقهورين، وقضاياهم التحررية بدءاً بالقضايا الذاتية لكل مجتمع ونهاية بقضية التحرر الفلسطينية المجمع عليها عربياً وإسلامياً.

الإمبريالية وإسرائيل ودور السعودية والإرهاب 
مشكلة الإمبريالية العالمية في الأراضي السعودية محلولة بفعل الشركات النفطية الأمريكية والأوروبية التي وإن كانت تقوم بسرقة المخزون النفطي والثروة القومية العربية، تقوم بالتحكم بالسياسة الكلية أيضاً وتصدير الأزمات الاقتصادية من دول رأس المال الصناعي إلى دول التخلف والمواد الخام رخيصة الثمن والسوق المتجدد  للبضائع والمستهلك العربي، ولذلك فحاجتها الأساسية للمملكة في اللحظة الراهنة ربما تكون أكثر أهمية في الجوانب السياسية والجيوسياسية وأيضاً حماية إسرائيل ككيان مغروس في الخاصرة العربية، من مشاريع الثورة والحراك الجماهيري العربي.
 ويتجلى كل هذا في أن الجيوش العربية المفككة والتي يجري تفكيكها في اللحظة الراهنة، كانت بشكل أساسي محط استهداف الجماعات الإرهابية كتنظيم القاعدة الذي تم تأسيسه بإيعاز من المخابرات الأمريكية وبأموال نفطية خليجية لاستهداف الاتحاد السوفيتي الحليف الاستراتيجي الأول لحركات التحرر الوطنية في مرحلة الحرب الباردة عقب انتصار الحلفاء على النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية.
          
السعودية والأدوات الإرهابية 
بين التناقض والازدواجية
ولأن القاعدة - وكما سبق وتطرقنا - هي أداة مشوهة ذات أبعاد مزدوجة ومسار متناقض، لكنها تظل جزءاً من المشهد العربي والعالمي الكلي، ومكوناً في سياق سير أحداثه السياسية والاجتماعية وأيضاً استمرت بالتطور معه أسلوباً ومضموناً، فظهور تنظيم داعش الآن ليس مفتعلاً طارئاً كما يتبادر لذهن المراقب للمشهد السياسي العربي، لكنه في الحقيقة يجري في سياق تاريخي واضح لتطور تنظيم القاعدة من كونه مجرد خلايا سرية تعمل في الظلام وتعتمد على المفخخات أسلوباً لصيد الفرائس وتبرير التدخلات الخارجية، إلى مشروع دولة ومشروع اجتماعي، وبكلمات بسيطة وموجزة (داعش هو المشروع الاجتماعي للقاعدة)، وظهور هذا التنظيم الخطير يوحي فعلاً بأن المملكة العربية السعودية (لا تجري في مستقر لها) وإنما باتجاه الابتلاع من قبل هذه الجماعات الإرهابية ذات الازدواجية الموجودة بشكل موضوعي في بنيتها التكوينية والذهنية.
فداعش تبتلع القاعدة بشكل أو بآخر، وهي أيضاً تتوسع جغرافياً في مناطق متعددة (تحت مسمى ثورة في سوريا ومقاومة في اليمن) على سبيل المثال، وفي الوقت ذاته داعش تقدم نفسها كنقيض أيديولوجي وسياسي لحركات التحرر الوطنية وبديلاً لها، وبهذه الازدواجية وبسبب تهاوي مملكة الفوضى والنفط بفعل الحراك الاجتماعي العربي والأنظمة السياسية الممانعة، قد يتم استبدال السعودية كأداة سيطرة وغلبة على المنطقة، بمشاريع تقسيم وتفتيت اجتماعي يعتمد على الاختلالات السكانية والاجتماعية، كمشروع تقسيم العراق لأقاليم من قبل الاحتلال الأمريكي وأيضاً مشروع الأقلمة اليمنية الذي تم تمريره بالفهلوة في مؤتمر الحوار الوطني اليمني، التي تقوم داعش بتوظيفها، فإذا كانت المملكة العربية السعودية في هذا الظرف التاريخي غير قادرة على التحكم بالوضع كالسابق، وأيضاً غير قادرة على التحكم بالحراك الاجتماعي العربي عبر مؤسساتها الدينية والمذهبية، فهل هذا مؤشر جديد بأن مشروع الانقسامات والحروب والتفكيك يمكن أن يصبح البديل؟
إن تنظيم داعش الازدواجي العمل والذهنية، بفعل الخطاب السلفي الجهادي السعودي الازدواجي العمل أيضاً - كمرحلة أولية لتوليد التناقضات ـــ يبتلع تنظيم القاعدة وشبيهاتها من التنظيمات الإرهابية وقد رأينا تنظيم بوكوحرام في نيجيريا وأيضاً تنظيم أنصار الشريعة في اليمن يبايعون هذا التنظيم ويدينون له بالولاء والطاعة، وهناك غيرهم بالتأكيد أيضاً، وكما سبق وذكرنا هذا يعني أنه تطور في بنية تنظيم القاعدة نفسه كمشروع اجتماعي ومشروع دولة، وفي حين يتوسع جغرافياً عبر الجغرافيا المختلة اجتماعياً، ويحاول بازدواجيته الغريبة ابتلاع الطائفة السنية وتمثيلها سياسياً واجتماعياً مستثمراً الواقع الطبقي المشوه بغياب المشاريع الوطنية المجهز عليها بسكاكين ازدواجية النظام الملكي السعودي الديني، وأيضاً سواطير ومقاصل الامبريالية العالمية  وأنماط الإنتاج ( الكلونيالي) المشوه وتبعات السوق.
                   
الخطاب الطائفي ازدواجية التأثير والمثوى
إن ازدواجية تنظيم داعش كسلاح ذي حدين يصيب الضحية والمجرم (غير المحترف) والغبي كونه لا يجيد التلويح بهذا السلاح، هي تسلسل طبيعي لازدواجية النمط الديني في خطاب المملكة التي ضربت نفسها في محافل كثيرة يمكن الاستدلال بها، وعلى سبيل المثال: 
تفجير في نجران المنطقة اليمنية المحتلة استهدف حي دحضة في الـ 26 من أكتوبر من هذا العام، أدى لمقتل شخصين وجرح العشرات، وأيضاً نذكر هجوماً مسلحاً استهدف حسينية في مدينة سيهاب شرقي البلاد السعودية، أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة تسعة آخرين في الـ 16 من أكتوبر لهذا العام أيضاً، وكذلك تفجير في محافظة عسير اليمنية المحتلة سعودياً استهدف مسجداً يتبع قوات الطوارئ مخلفاً 15 قتيلاً منهم عشرة رجال أمن سعوديين، وأصيب فيه 9 آخرون في أغسطس من هذا العام، وغيرها تفجيرات القطيف والدمام التي خلفت عشرات القتلى والجرحى.
وهذه كانت الارتدادات بفعل الازدواج الذي يعمل به خطاب التحريض المذهبي السعودي وأدواته من الجماعات الإرهابية، وبكلمات أخرى فالخطاب المذهبي خرج عن حد المعقول واستهدف مكونات اجتماعية يفترض بها أن تكون سعودية، وبهذا ه ويساهم أولاً: في زيادة وتيرة التناقضات الاجتماعية في الداخل السعودي، وثانياً: يساهم في توسع داعش في الداخل السعودي وتحولها من مشروع أداة لمشروع ابتلاع، فداعش كانت ربيبة هذا الخطاب السعودي وهذا المال النفطي أيضاً، وداعش وبحكم العمل الازدواجي والذهنية المشوهة ستسعى في النهاية للتمدد نحو المقدسات الإسلامية، وهي تفهم تماماً أهمية هذه المقدسات خصوصاً لنشر مفاهيم الذهنية المشوهة والتطرف وأيضاً دورها الحساس في التحكم بمشاعر الأمة الإسلامية، ولكن داعش ومشروعها في الوعي الاجتماعي الجمعي، لا تتماشى مع مصالح الناس وتحررهم الوطني، فداعش نقيضه المباشر، وداعش استثمار الاستعمار الجديد، ولأن داعش مرفوض تماماً يصبح الاصطدام به حتمياً وضرورةً وطنية.
وأكثر ما يخيف في تنظيم داعش، ليس احتمالية أن يكسب، ولكن قدرته على تعميق الانقسامات الإثنية، ومشروع إعادة رسم الخرائط الجغرافية. وهذا الخطر يجب أن يدرك وأن يتم التعامل معه بوعي وطني وإحساس شديد بالضرورة، ويجب أن يحارب بكل الطرق الممكنة، ابتداءً من تغير البنية الاقتصادية، وباتجاه الحسم العسكري والأمني والتوعية بخطورة هذا التنظيم، كما يجب الاهتمام بالتعليم لنشر وعي وطني يناقض هذه الخطابات الطائفية التفكيكية المقيتة.