أشباحه تتجول في السينما والمسرح ودور العبادة 
داعش بيننا 


لا شَك بالصلة الموضوعية بين الجماعات الإرهابية بمختلف مُسمياتها، وبين أجهزة الاستخبارات الغربية، الأمريكية على وجهِ الخصوص، ومِمَّا لهذه الأخيرة من دور رئيس في تدريبها، ومدها بالتقنية الحديثة لتؤدي الدور الوظيفي، في خدمة المشاريع الاستعمارية الأمريكية، بالإضافة إلى أسباب أُخرى اقتصادية واجتماعية، لكن كُل هذهِ الأسباب في نهاية الأمر، مغروسة في تربة فكرية مواتية، تجعل من الكائن البشري مسخاً داعشياً. إن هذهِ الثقافة  التكفيرية الإجرامية هي العجينة التي تقبل الخميرة الاستخباراتية، فلولا هذه العجينة ما اختمر داعش بهذا الشكل، بل وما وجد. 
الوهابـية 
الأيديولوجية الوهابية التي قامت بشكل رئيس على فكر ابن تيمية، وأخذت طابع صحراء نجد المُقفرة، ظلت هي المورد الثقافي الأول للفكر التكفيري، وما لا يُدركه البعض أن الفكر الوهابي الذي يرتدي عباءة الدين، والذي جاء بهِ محمد عبد الوهاب والاستخبارات البريطانية يرفض كل المذاهب الإسلامية. توسعت الوهابية على الأرضية المذهبية (السُّنية) و(الشافعية)، فحلت محلها، فاليوم لا نجد (السُّنة) كمذهب ولا (الشافعية)كطريقة عند (أهل السُّنة وعند الشوافع)، إنما نجد الفكر الوهابي قد حل محلهما، دون أن يُدركوا، إلا من قليل تحصنوا. الفكر الوهابي لم ينتشر فقط على الأرضية المذهبية، بل تعداها ليمتزج مع الثقافات التقليدية القَبَلية والعشائرية والقروية، ومعَ تفرع الإخوان المُسلمين منه، أصبح يُنتج ويُصدر من هذه التنظيمات السياسية الإخوانية بمختلف فروعها في الوطن العربي، تساندهم عشرات القنوات الدينية الوهابية، وثروة النظام السعودي. 

الأزهر (الشريف) (الوهابية المُقنعة)  
يبدو من الظاهر أن (مُجمع الأزهر الشريف) في مصر يُصدر خطاباً دينياً وسطياً أو مُعتدلاً كما يعتقد الجميع، أو كما كان عليه في فترة مُعينة أنجبت منه مفكرين إسلاميين كِباراً، مُغايرة لما هو عليهِ اليوم. هذا المُجمع الذي لم يُعلن قطيعة نهائية مع الفكر المُتطرف، ولم يقم كمؤسسة ـ حتى الآن ـ بأية مُراجعة فكرية للموروث التاريخي الإسلامي، ويقف منهُ موقفاً مسؤولاً، مما له من سُمعة بين المراكز الإسلامية، مازال لهُ صلة ومنهل مِن هذا الفكر، ويُعيد إنتاجه بشكل أكاديمي. تأثرت أنشطة الأزهر حسب الظرف السياسي، لتأخذ أحياناً شكلاً مُعتدلاً، وخاصة مع موضة صناعة رجال دين مع التوجه الأمريكي، الذي يدعي مكافحة الإرهاب، إلا أن الأزهر حالياً، وكما انتهى بهِ الأمر، أشبه ما يكون بمجمع وهابي مُقنع، يقوم على نفس الموروث الثقافي التاريخي المليء بالتطرف مِن تركات عُلماء بلاط السُّلطة. 
وعلى سبيل المِثال، نأخذ مادة من أحد المُقررات التي مازالت تُدرس في الأزهر، وهي مؤلف (الإقناع في حِل قول أبي شُجاع) المُقرر على طلبة الثانوية. يقول مؤلفه في صفحة 290:  
 (قتال الكُفار واجب على كُل رجل عاقل، ويجوز قتال الكفار بغير إنذار وبغير أن يدعوهم لدين الإسلام، لأنَّ شيوع الإسلام قام مقام الدعوة إليه، فإذا استعانوا بالله، حَارِبوهم ونصبوا لهم المجانيق وأفسدوا زروعهم وكسروهم وأحرقوهم، وإن تترسوا بالمُسلمين).. وفي صفحة 295: (وإن كانَ للمسلمين قوة فلا يجب أن يوادعوا أهل الحرب، لأنهُ لا مصلحة من ذلك لما فيه من ترك الجهاد سيرةً ومعنى، والمرتدون وعبدة الأوثان من العرب لا يُقبل منهم إلا الإسلام أو السيف).

السينما والدراما 
من قبل ظهور ما يُسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، تقوم السينما والدراما العربية بتكريس ممارسات داعش والتصالح معها باعتبارها جزءًا أصيلاً من الدين الإسلامي، لا باعتبارها تجربة تاريخية إسلامية قابلة للنقد؛ فهذه  المواد التفلزيونية والسينمائية التاريخية، التي تبثها محطة (mbc) وغيرها من القنوات، والتي عادةً ما تتناول سير الصحابة، تُكرس تلك الصورة (الداعشية) عن الدين الإسلامي، لتبرر ممارسات داعش في هذا العصر، وتدافع عن هذا الفكر الإجرامي الذي يُمكن أن تتبناه أية جماعة إجرامية مُستقبلاً، من خِلال مشاهد القتل والذبح الوحشية، والتعامل الإجرامي مع الأسرى، الذي يتنافى مع القيم الإسلامية ومع مُمارسات الرسول وتوجِيهاته الأخلاقية، فمثلاً في (مسلسل خالد بن الوليد) تأليف عبد الكريم ناصيف، وإخراج محمد عزيزي، في الحلقات التي تتناول (حروب الردة) في حقبة أبي بكر، شاعت مِثل هَذهِ المشاهد وكأنها موجهة سياسياً لتخدم ما يقوم بهِ داعش من جرائم بحق الأسرى. وبشكل عام فهذه الأعمال السينمائية، في قصص السِّير والأحداث، أُنتجت من ذات الكُتب التاريخية، التي هي جزء من مُشكلة الثقافة التكفيرية. 

المناهج الدراسية في العالم العربي 
يُمكن تسميتها مناهج داعشية، وليسَ مُستغرباً أن تُنتج هذه المناهج الدراسية نزعات عصبية ونفياً للآخر المُختلف مذهبياً أو دينياً أو فيسيولوجياً كالمرأة والحق في الوجود والحياة، مستندة على نفس الموروث الثقافي، وعلى مقولة أن (البُخاري ومُسلم أصدق الكُتب بعد القرآن)، ومنهم يتم استخلاص الأخلاق والأحكام، وتحديد المنكر، كما تشتهي السلطة والمؤسسة التي تُنتج هذه الكتب. ولأن هذهِ المناهج الدراسية بالضرورة تعكس وجهة نظر من يُعدها، فهي تحمل خطاباً سياسياً دينياً على شكلين؛ كليهما تكفيري، ففي الدول الملكية يُرفع الحاكم إلى مصاف الأنبياء والآلهة ويربط بالسماء، فيبدو التعدي عليه تعدياً على المُقدسات مُقتَرِفُهَا كافرٌ مُباحٌ دمهُ، فيتربى النشء كجيل مهيأ ليكون مُجنداً للسلطة الحاكمة، (وإن جلدت ظهره)، والخِطاب الآخر الذي تنتجهُ -عادة- الحركات الإسلاموية المُعارِضة في معاهدها ومراكزها، يعتمد على تكفير السلطة الحاكمة شاملاً مَن يعمل في جهاز الدولة كالجيش، ثم إلى تكفير الدولة (هذه الدولة كافرة)، وصولاً إلى تكفير المُجتمع (مجتمع جاهلي، علماني كافر). 

الأردن نموذجاً 
وعلى سبيل المثال نتناول المناهج الدراسية الأُردنية التي تُبنى على نفس الموروث الثقافي التاريخي في الدول العربية، مع وجود فوارق نسبية بسيطة، من دولةٍ لأُخرى، تعكس تفاوت التطور الاجتماعي والديمقراطي بهذهِ الدول، يقول الدكتور المصري سامح فوزي: 
يُلقَّن التلميذ الأردني نص الشافعي (كل العلوم باطلة ما عدا القرآن)، ويُزرع فيه (أن الاستخارة منهج علمي). ويدرس (سئمتُ تكاليف الحياة)، وينشد (زكِّ زكِّ لكي تَسْلم وإلا دخلت جهنم). ولا يخاطب المقرر المدرسي كل الأردنيين، بل يخاطب الأغلبية دون الأقليات. (الأردنيون مسلمون، ويعيش المسيحيون معهم). ولا تظهر الكنيسة في صور الكتاب المدرسي. في المقرر التعليمي مئة شخصية عاشت منذ ألف عام، وهناك شخصية واحدة معاصرة. إن هدف درس التربية الإسلامية الأردني هو تمكين الطالب المراهق من أن ينهى عن المنكر بيده. وفي درس الرياضيات تمرين: أحسبْ بكم تبعد المدرسة عن المسجد؟ في جل الكتب هذه الجمل: المرأة أخت الرجل وزوجة الرجل. وهي مضاف وليست مستقلة، ولا يحق لها الخروج من البيت إلا في حالة الحريق.. شرط ألا تتزين! وعن نظرة المقرر التعليمي للتلميذ، يذكر أنه يوجد في كتاب تعليمي تكرار جملة (على الطالب أن يلتزم) مئة وإحدى وثلاثين مرة. وليس هناك ولا مرة واحدة (على الطالب أن يفكر، أن يناقش). 

المناهج المدرسية والجامعية اليمنية 
بالنسبة للمناهج المدرسية اليمنية فليست أحسن حالاً من بقية المناهج في الدول العربية، إذ إن المنهل الفكري التكفيري واحد، وعلى سبيل المثال هذهِ المناهج تتحدث عن مُحاربة المُرتدين، وتنظر بعنصرية تجاه المرأة. وتجاوز العبث نطاق الكُتب الدينية ليصل إلى المواد العلمية، وعلى سبيل المثال تم تحريف قانون (الطاقة لا تُفنى ولا تُستحدث)، حيث أضاف الزنداني إلى القانون الفيزيائي جملة ((حسب قدرة المخلوق)) لما وجد في هذا القانون الفيزيائي من منهج علمي مادي. كما أن هَذهِ المناهج تتعمد فرض نمط مذهبي واحد، فتجد صور تعليم الصلاة كُلها تُظهر المُصلي يضم يديه على الطريقة (الشافعية)، ولا توجد صورة مُصلٍّ (مُسربل) على الطريقة (الزيدية)، يعكس حقيقة التنوع الثقافي في اليمني، ونُطالع في دروس النظافة صورة طِفل في الشارع يقفز على بركة الوحل، ومكتوباً تحت الصورة (أنا أقي نفسي من الوساخة)، بما يُكرس لدى مخيال الطفل أن النظافة شخصية، وأن الطبيعي أن يكون هناك أوساخ في الشارع العام، وجواز أن نحافظ على النظافة الشخصية على حساب الفضاء العام، وغيرها مِن المواد التي تُكرس في ذهنية الطفل هذه القيم الفكرية المُتفسخة. 
يقول سامي عطا دكتور الفلسفة في جامعة عدن: (إن هذه المناهج تتضمن إعداداً للفكر المتطرف، وتعد المناهج التعليمية البيئة الحاضنة لهذا الفكر الأصولي المتطرف، وخلال خمسة عقود جرى إحلال التنوع والتعدد، الذي كان يتسم فيه المجتمع اليمني، بفعل التجريف الوهابي الذي اكتسح البلد، وبات البلد يتجه صوب أحادية، وينغلق مذهبياً وفكرياً على الفكر الظلامي، حتى الجنوب اليمني وعدن تحديداً شهدت منذ حرب 94م تجريفاً لمدَنيتها وتعايش سكانها، والتسامح الذي شهدته المدينة، طوال تاريخها، أخذ يندثر، ولم تعد مدَنية، ولا تختلف كثيراً عن سواها من المناطق)..
وفي نفس السياق تقول الدكتورة نجيبة مُطهر العريقي: (إن جوهر المشكلة ليس في التعبير عن الثقافة المتطرفة في المناهج اليمنية، بل في الإيمان بها، وما دامت جهود محاربة التطرف لا تعالج أساس المشكلة، لن يكون هناك أي تغيير، بل سيزداد تعمق هذا الفكر).
وتضيف أن (ما قام به داعش من أعمال السحل والقتل والتنكيل في تعز وفي بعض المحافظات الجنوبية، في حق مَن يسميهم (الروافض)، يُقدم عَلى أنهُ الإسلام الحقيقي، ونجد كتب التربية الإسلامية لبعض الصفوف، تعلم التلاميذ وجوب (قتال المرتدين)، ويشرح المدرس بأن المرتدين هم (الروافض)، وتُدرّس هذه الأفكار التكفيرية بوصفها الرؤية الإسلامية للحاضر. وفي مُجمل هذهِ الكُتب كل ما له طابع فكري أو اجتماعي، يفسَّر ويُنظّر له من منظور أوحد، هو المنظور الديني (الوهابي)، في تجاهل تام، للتنوع الديني والفكري في اليمن). 
وأوضحت الدكتورة نجيبة مطهر، أن في كتاب ((التربية الوطنية)) مجموعة دروس، يبدأ فيها التلميذ بشكل منهجي تعلّم مفهوم الأسرة، وتركيبتها في اليمن، والعلاقات الأسرية، وحقوق المرأة، وجميع المفردات تمّت صياغته من منظور إسلامي لا اجتماعي وقانوني، بما يجعل «الأسرة اليمنية» تعني (الأسرة المسلمة)، وداخل الدين الإسلامي كل الإيحاءات في الكُتب تحددها بـ(السُّنية)، وفي حالة مُطالعة هذه الدروس الوطنية، من شخص خارج اليمن، فسيخرج بفكرة أنهُ لا يوجد في اليمن سوى المُسلمين من (أهل السُّنة)، ولا يوجد فيها ديانات أو مذاهب أو تيارات فكرية أُخرى، وهذا مُنافٍ للواقع. وتُكرس هذه الأحادية الفكرية، من خلال فرض وجهات نظر محددة، في قضايا تعددت فيها وجهات النظر، بين فقهاء المسلمين.
وترى نجيبة أن نشوء التطرف إعلان أية جماعة أنها تحتكر الحقيقة، لأنها ستبدأ بعدها بالنظر إلى الآخرين ممن يتبنون (حقائق) مغايرة، لا بوصفهم نظراء مكافئين، يمتلكون مثلها الحق في الوجود والتعبير، بل بوصفهم (كائنات ضالة)، كما هو حاصل الآن في بعض مناطق تعز التي يُسيطر عليها المُرتزقة، وفي المناطق الجنوبية من الوطن التي تُسيطر عليها جماعات القاعدة وداعش. 
وما تحدثت عنهُ الدكتورة هو واقع ما يحدث اليوم، فقد وجه تنظيم داعش مكتب التربية والجامعة في محافظة حضرموت، بأن يعتمدوا تدريس مناهج التنظيم التكفيرية، والتي تربي جيلاً يُكفر عوام المُسلمين وكل من يخالفهم الرأي. كما أمرت جماعة القاعدة في عدن بفصل الطلاب الذكور عن الإناث، في وقتِ لاحق من سيطرتها على عدن، بدعم تحالف العدوان.

المناهج الجامعية والقطاع الخاص 
أما في المناهج الجامعية اليمنية، فتكمن المُشكلة في مساحة الحُرية التي يحظى بها الدكاترة، حيث يقومون بفرض رؤاهم وأفكارهم على الطلاب في الملازم كمقررات جامعية، وخاصة دكاترة الثقافة الإسلامية والمواد الفقهية، في كليات الشريعة والقانون، وغالبية هؤلاء الدكاترة لا يحملون أية قيمة معرفية وأكاديمية، فبعضهم ضُباط أمن سياسي، والبقية دكاترة صنعتهم الجامعات الخارجية، التابعة لجماعة الإخوان المُسلمين، في دول كالسودان وباكستان، حيث يعودون منها بشهادات الدكتوراه، ويعملون على نشر الأفكار التكفيرية من منبر أكاديمي، وبذات الوقت يتم تكفير ومُحاربة سواهم من الدكاترة مِمَّن يحملون فكراً علمياً وتنويرياً وخطاباً عقلانياً وإنسانياً ينسف هذهِ الأطروحات التكفيرية، كما حدث للدكتور (أحمد العرامي) في جامعة البيضاء، والدكتور (منصور الواسعي) في جامعة تعز على سبيل المثال، وذلك لتصفية الجامعات من كل صاحب فكر نقيض ليستفردوا بها، ويُسيطروا عليها، كما يُسيطرون على التعليم الأساسي والثانوي، عبر وزارة التربية والتعليم، التي يتمسكون بها، وظلت حصة تابعة لهم رُغم تعاقب الحكومات، مِن الثمانينيات حتى اليوم..
 أما في الجامعات الخاصة، ودور الحديث الوهابية ومراكز تحفيظ القرآن والمخيمات الصيفية، فيعملون بكل حُرية في نشر أفكارهم التكفيرية، وأشهر هذه المراكز (جامعة الإيمان) في صنعاء، التي كانت تنشط بالعلن وشهاداتها مُعتمدة لدى الدولة، هذهِ الجامعة التي رعتها السلطة سابقاً، مثلت المركز الأم لبقية الفروع والمراكز التعليمية الخاصة، وكثير مِمَّن قاموا بعمليات إرهابية بصفوف داعش والقاعدة، اتضح أنهم مِن خريجي هذهِ الجامعة، منهم (حارث النظاري) على سبيل المثال، عدا عَن اكتشاف ورش لتنصيع العبوات المُفخخة والأحزمة الناسفة فيها، عقب انتصار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م.

(داعش) ووسائل التواصل الاجتماعي 
 مقاطع الفيديو، التي يبثها داعش عَن جرائمه، تروج لهذه الثقافة الداعشية أسرع من أية طريقةٍ أُخرى، فقد تبذل جُهداً في أن تُقنع أحدهم بفتوى تجيز لهُ ذبح إنسان يُخالفه الرأي، ولكن مقطعاً واحداً بأحدث تقنيات هوليوود، كفيلٌ بأن يوصلهُ إلى هذهِ القناعة، ويساهم بالترويج لهذه الثقافة كِلا الطرفين، سواءً مَن يستنكر هَذهِ الجرائم فينشر الفيديوهات بقصد فضحها، أو مَن يتفاخر بها وينشر مِن قبيل التخويف. تكرار هذهِ المشاهد لإنسان يُذبح كبهيمة، يُدمر القيم المُختزنة في العقل الباطن في تصورنا عن الإنسان وحرمتهُ، والتي في مُجملها تشكل ما ندعوه بالفطرة الإنسانية، تُدمر على مراحل، مع التراكم، حتى تغدو هذهِ الجرائم شيئاً اعتيادياً، لا شيئاً يهز الإنسانية، أو يُثير قضية مجتمعية لدى المُتلقي. وقبل ظهور هذهِ المقاطع الإرهابية لداعش، أسهمت  حلقات (المُصارعة الحُرة) في تدمير هذهِ الفطرة الإنسانية، وجعل مشاهدة إنسان يضرب إنساناً بكل عُنف وقسوة، شيئاً يبعثُ على التسلية!
ومع تقدم وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الانضمام لهذا الفكر وهذا التوجه أو حتى لهذا التنظيم ليس أبعد من كبسة زر على الكمبيوتر، أو الهواتف الجوالة، إذ تنشط هَذهِ التنظيمات الإرهابية بشكل مُخيف على وسائل التواصل، وبتواطؤ من هذه الشركات (فيسبوك( أو (تويتر) أو غيرهما، التي لا تقوم بمحاربة الصفحات التي تروج لداعش، يبدأ الأمر بإعجاب ومشاركة ومنشور، وقد ينتهي بحزام ناسف! 
 مجانية فيس بوك وتويتر وسواهما من مواقع التواصل وفقاً لقانون الربح الرأسمالي، لا تعطي شيئاً على سبيل الأخوة والصداقة بين الشعوب أو على سبيل إنسانية المعرفة، بل تنظر إلى الربح على المدى الاستراتيجي. 

(داعش) كمزاج اجتماعي 
إن أخطَر ما في (داعش) حتى بالنسبة لمَن لا يحملون الفكر الإجرامي أو لا يتقبلونه، هو تحوله إلى مزاج اجتماعي يستسيغ هذه الجرائم ولا يرى بها مُنافاةً للفطرة الإنسانية، وإلى جزء من نفسية مُجتمعية تنزع نحو التصرف على سجية داعش، وترى في مُمارساته الإجرامية مُثلاً أو كموضة، كما أن هناك جيلاً جديداً مِن الأطفال الذين يُشاهدون مقاطع داعش، يلبسون ويلعبون ويحملون السكاكين كأعضائه،  وهذا الجيل لا يرى داعش كإجرام، إنما كأبطال خارقين يشبهون شخصيات الكارتون، فيُحاولون تقليدهم واعتبار ما يفعلونه شيئاً خارقاً، وعلى عكس سوبر مان الذي لا وجود له في هذا الواقع، هناك دواعش فعليون يستغلون هذا المزاج وهذا الإعجاب،  أما الشريحة الأُخرى فهي من المُراهقين الذين يعرفون إجرامية داعش، لكنهم يقتدون بها إذ يرون في هذا الإجرام مصدراً للقوة، وهذهِ الشريحة مِن المُراهقين في أوج نشاطها اليوم، حيث يتم تجنيدها من قبل مُرتزقة العدوان بتنمية هذا المزاج الداعشي في مختلف البلدان التي تنشط بها هذه الجماعات الاستخباراتية الإجرامية، بإيهامهم أن هذا شكل من المُقاومة المُسلحة، وأحد هذه النماذج الدُفعة العسكرية التي استعرض بها المدعو حمود المخلافي، والمكونة من مجموعة من المُراهقين، يرتدون أقنعة وربطات رأس سوداء كداعش، باسم المقاومة الشعبية في تعز.
إزاء ذلك يرى أكاديميون أن هذا الموضوع لا يحتاج للاستعجال، بل يحتاج إلى إشراك أساتذة الجامعة، وعمل ورشات وندوات لمراجعة المناهج الدراسية بدءاً من التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، فالفكر الداعشي يسعى للسيطرة على الإنسان والبنيان، ووضع مناهج تعليمية خاصة به، لمراحل التعليم المختلفة، بدءاً بالأساسي وحتى الجامعة، وحذف مناهج العلوم والرياضيات وغيرها بزعم مخالفتها الشريعة الإسلامية، وهذا ما نراه في بعض مدارس عدن وحضرموت.