بعد 55 عاماً " أهداف جمهورية 62 على سرير التشريح "
- تم النشر بواسطة زيد المجاهد / لا

تحل الذكرى الـ55 لثورة 26 سبتمبر 1962، والشعب اليمني يعيش بحال أبعد ما تكون عن الأهداف الستة التي قامت من أجلها الثورة، فلا نشأت دولة مستقلة في اليمن بعيداً عن التبعية لقوى الاستبداد والاستعمار، ولا تمت إزالة الفوارق بين الطبقات، في حين ظلت اليمن تحتل مراتب متدنية جداً في التصنيفات الدولية للفقر والتعليم.
تلاعب بأهداف الثورة
يقول الكاتب والباحث السياسي حسن الوريث، في حديثه مع صحيفة (لا) حول هذه القضية: (أعتقد أن ثورة 26 سبتمبر تعرضت لانتكاسة ولم تتحقق أهدافها لعدة أسباب أهمها المؤامرات الإقليمية والدولية التي حالت دون ذلك، وبالتالي فقد تم إنتاج أنظمة وقيادات تلاعبت بأهداف الثورة، بل وأفرغتها من مضمونها، ولم نشهد طوال الفترة الماضية من يستطيع تحقيق أهداف الثورة، كما تمت تغذية الصراعات في ما بين القيادات المؤيدة للثورة، والأكيد أن السعودية كانت رأس الحربة في هذا الحلف التآمري على الثورة بتشجيع ودعم بريطاني، على اعتبار أن بريطانيا كانت تخشى كثيراً من هذه الثورة على مصالحها في جنوب الوطن الذي كانت تستعمره، وهكذا لم يتفرغ اليمنيون لتحقيق أهداف ثورتهم، بل انشغلوا أو بالأصح تم إشغالهم بصراعات وحروب للابتعاد كثيراً عن الثورة وأهدافها، وهذا ما تحقق).
وأضاف الوريث: لايمكن الجدل بأن الهدف الأول من أهداف ثورة 26 سبتمبر والمتمثل بـ(التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات) ضاع، وكان أساساً لضياع الأهداف الخمسة الأخرى، وبقيت أهداف الثورة مجرد شعارات صدئة مشنوقة على رأس الصفحات الأولى للصحف الرسمية.
عملية انقلابية
الأستاذ محمد القيرعي قال في حديثه مع صحيفة (لا): على مدى 55 عاماً مضت لازلنا كشعب وكنخب سياسية ومدنية وحزبية عاجزين حتى اللحظة عن الاتفاق في ما بيننا حتى على شكل ومضمون قيام الدولة الوطنية المفترضة، عدا عن حالات الفوضى والاحترابات والصراعات الناشبة هنا وهناك في أغلب مراحل العملية الثورية. إذن أي أهداف ثورية محققة يمكننا الحديث عنها افتراضاً ونحن وبلادنا لازلنا نعيش في سياق (المرحلة الدولانية) الأشد تخلفاً إن جاز التعبير.. والدولانية تعني تلك المرحلة السابقة أصلاً على مرحلة نشوء وتطور الدولة الوطنية.
وأضاف القيرعي: إن الأمر الثابت تماماً هو أن ثورة سبتمبر 1962م قد فقدت كل خصائص ومقومات تفوقها الأيديولوجي والأخلاقي (كعملية ثورية) أفرغت منذ بداياتها الأولى من كل مضامينها التقدمية والحضارية، لتتحول على إثرها الى أشبه ما يمكن وصفها بعملية انقلابية أكثر مما هي ثورة تم من خلالها استبدال نخب حكم متسلطة قديمة بنخب حاكمة أكثر تسلطاً واستبداداً وأبوية إن جاز التعبير، فتحالف اليمين الديني والعشائري الذي حكمه قبل الثورة هو ذاته الذي تمنطق إليه حكم المرحلة الثورية، وإن بشعارات ويافطات مختلفة هذه المرة، وبات أمثال عبدالله بن حسين الأحمر والإرياني ومن تلاهم هم رموز العملية الثورية، الى حد أن أهداف ومسقبل العملية الثورية برمتها باتت مرهونة بعسيب الشيخ عبدالله الأحمر بوصفه روح وضمير الثورة بالطريقة التي كنا نلقن بها في طوابير الصباح المدرسية.
ويضيف الأستاذ محمد القيرعي القادم من أحضان الحركة اليسارية في اليمن، قائلاً: يكفي في هذا السياق الإمعان بموضوعية فاحصة في واحد فقط من أهداف الثورة المتعلق بإلغاء الفوارق والامتيازات الطبقية، وهذا أمر يعنيني بشكل مباشر (كمهمش)، إذ لو ألقينا نظرة فاحصة على عموم المشهد الوطني اليوم وبعد 5 عقود ونصف مضت من ثورة سبتمبر 1962م، فها نحن نتقاتل على أساس سلالي وعشائري ومناطقي وأسري.. فيما قبل الثورة كان المجتمع مصنفاً على شقين فقط (أخدام وقبائل).
وعلى ذكر هذا المبدأ يمكنني التأكيد هنا على أن ملك اليمن الراحل الإمام يحيى حميد الدين رحمة الله تغشاه، كان ربما أكثر تحضراً وتقدمية على الصعيد الإنساني من كل الذين حملوا من بعده الشعارات الحداثية والتقدمية والقومية، نظراً الى أن مشروعه المسمى آنذاك مدينة العبيد الكائنة في منطقة آنس، كان مكرساً أساساً لإلغاء الفوارق الطبقية في المجتمع في ضوء الاتفاقية الموقعة آنذاك بين نظامه وبين المملكة المتحدة البريطانية المتعلقة بإلغاء الرق وتجارته في حوالي العام 1926م، والذي على أساسها بادر رحمه الله ببناء هذه المدينة ومنحها مع كامل الأراضي الزراعية المحيطة بها مجاناً لحوالي 100 أسرة من أسر العبيد التي أعتقها آنذاك انطلاقاً من قناعته الذاتية في أن تمكين هذه الفئات المغلوبة من اكتساب مكانتها العادلة في المجتمع لن تتحقق ما لم نمكنهم أولاً من اكتساب القدرة الفعلية على النماء والتطور الطبقي الذاتي والاستقرار المعيشي والاقتصادي... الخ. وهنا يكمن الفرق بالتأكيد بين تقدمية ثوريي الزيف هؤلاء وبين ذلك الملك الكهل الذي لم يسبق له في حياته كلها أن غادر جبال اليمن. بينما ثوريو الغفلة جعلوني على العكس أعيش في خوف دائم من أن تحين تلك اللحظة التي سيتعين عليَّ فيها مغادرة هذا العالم، بينما لا أزال مثقلاً بالقيود الدونية والعنصرية المتدلية من أعناقي.
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن سبب الإخفاق الثوري الرئيسي يكمن في كون القوى التي هيمنت على مفاصل العملية الثورية لسبتمبر 62م، هي ذات القوى التي ظلت ولا تزال تشكل أبرز حجرات العثرة أمام تقدم الشعب اليمني وتطوره واستقراره.
فقط تغيرت وجوه المستبدين
السفير فيصل أبو راس قال متحدثاً لصحيفة (لا): باستثناء ومضات متقطعة من تلك الفترة الطويلة والتي أطل علينا من خلالها قادة وطنيون كانوا على مستوى المسؤولية، لم تظهر الـ55 عاماً الماضية سوى دأب مسؤولين مستبدين فاسدين ظلموا هذا الشعب الطيب وتآمروا عليه، واقتصرت المنجزات في قيام فعل ثورة الشعب في الشمال والجنوب على الطغاة المحليين والمستعمرين الخارجيين، على استبدال طغاة ومستعمرين بطغاة ومستعمرين آخرين.
فقدان تام للاستقلالية
وبالنظر إلى مستوى الندية والاستقلالية التي كانت تبديها اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وما أصبحت عليه اليمن بعدها، من تدخلات سلبت السيادة من الجمهورية، وعلى النقيض من أهداف ثورة سبتمبر، أخذت الجمهورية تنغمس في التبعية لقوى الهيمنة أكثر فأكثر..
يقول الأستاذ حسن الوريث حول هذه المسألة: (أعتقد أن قيادات الثورة اليمنية 26 سبتمبر لم يكن قرارهم وطنياً، بل كان يأتي من الخارج، وكانوا قبل أي قرار يتخذونه ينتظرون التعليمات كل من الجهة التي يتبعها، وبالتالي فقد كانت التجاذبات والصراعات بينهم سيدة الموقف، وظلت البلاد حبيسة الاستعمار بطريقة أو بأخرى، وهو ما أدى كما قلنا إلى عدم تحقيق أهداف الثورة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه).
وطنية واستقلالية نظام الأئمة
ويرى الباحث التاريخي علي الكبسي في مقارنته لاستقلالية اليمن قبل وبعد ثورة 26 سبتمبر 1962، أن نظام حكم الأئمة كان يتمتع باستقلالية مشهود لها حتى من مناهضيه، وبسبب استقلالية ذلك النظام تعرض لمحاولات انقلاب من بعض النافذين والمشائخ مدعومة من الخارج، بل إن النظام السعودي وبدعم بريطاني شن حروباً على اليمن إبان حكم الأئمة، ومنها الحرب التي شنها إبان حكم الإمام يحيى بهدف السيطرة على الحديدة، إلا أنه فشل، أيضاً عندما قام الإمام يحيى بالتوجه إلى الجنوب لطرد الاحتلال البريطاني، وقد سيطرت قوات الإمام يحيى على الضالع، إلا أن بريطانيا قامت بقصف جوي واستهدفت المدنيين وقتلت الكثير منهم في عدة مناطق... الخ، وأيضاً رفض الإمام البدر التوقيع على بيع الأراضي اليمنية للسعودية، وأيضاً ما يؤكد حرص نظام حكم الأئمة على سيادة واستقلال اليمن اختيار الإمام أحمد لمدينة تعز مقراً له سواء في عهد والده أو في عهده، وما ذلك إلا لأنه ووالده يدركان الأهمية الاستراتيجية لتعز، وأن المحتل البريطاني يحاول احتلالها والسيطرة عليها، بينما في عهد ثورة 1962م وما بعدها (وخصوصاً الـ40 عاماً الأخيرة) تجاهلت الأنظمة الأهمية الكبرى لتعز، إذ عملت على تدجين المجتمع بأفكار لاوطنية (عنصرية، مناطفية، مذهبية، جهوية... الخ)، حتى وصل به الحال إلى ألا يرى في الغازي والمحتل أية مشكلة! وما تعيشه تعز هذه الأيام من تماهٍ وانبطاح واستسلام للمحتل بل وحتى للقتال معه لتسهيل سيطرته عليها؛ ما هو إلا نتاج لتدجين المجتمع بأفكار لاوطنية منذ فترة طويلة، وبرعاية من الأنظمة السابقة!
التخلص من منظومة الفساد
السفير فيصل أبو راس أضاف من جهته: لقد ثار اليمنيون وناضلوا من أجل سيادة وطنهم ووحدة ترابه، ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة والمواطنة المتساوية! وتحقيق هذه الأهداف مرهون بقدرتهم على التخلص من منظومة الفساد وقوى الظلام والاستبداد التي جثمت على صدر الوطن وتاجرت به.
تمزيق الجيش
ويبدو أن سقوط المبدأ الأول المتعلق بالحرية والاستقلال، أسقط معه بقية أهداف الثورة مثل أحجار الدومينو المرصوصة وراء بعضها. فعلى خلفية ضغوط خارجية لم تتمكن اليمن من (بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها)، كما جاء في الهدف الثاني من أهداف ثورة 26 سبتمبر، وخلال 5 عقود ونصف، تعرضت محاولات إنشاء وحدات عسكرية تدين بالولاء للوطن لعمليات إجهاض متلاحقة تمثلت بتمزيق نواة الألوية النظامية التي نشأت في وقت مبكر من عمر الجمهورية الوليدة في حينه، وقد كانت أولى عمليات التمزيق قد بدأت عقب الاتفاق بين الملكيين والجمهوريين عام 1968، والتي على إثرها تم تشتيت لواء الصاعقة، ثم توالت عمليات تمزيق القوات المسلحة، حتى إقدام المستقيل هادي على ما يسمى الهيكلة، والتي كانت تسير ضمن أجندة استعمارية لا ترغب بوجود قوات مسلحة تحمي الوطن، يقول العقيد كابتن طيار فؤاد الأبيض: (القيادات المختلفة في اليمن عبر الأزمنة، جعلت ولاء الجيش محصوراً لشخصيات انتهازية ينصب همها في إخضاع الشعب لإرادتها ومصالحها، باستثناء محاولة الرئيس الراحل الشهيد إبراهيم الحمدي لتوحيد الجيش، وجعل الولاء لله والوطن، إلا أن التدخل السعودي ـ الصهيوني أجهض ذلك المشروع ضمن توجهاته لإجهاض الدولة في اليمن بشكل عام، ويبدو أن ثورة 21 أيلول 2014 ستعيد الاعتبار لكافة مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية، عبر التلاحم الحاصل الآن بين الجيش واللجان الشعبية، لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي الأعرابي القذر، بلحمة وطنية شريفة يجسدها اليوم أبناء اليمن).
في ذيل القوائم الدولية
من عام لآخر كانت مؤشرات اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة تسجل تراجعاً ملحوظاً على مختلف الأصعدة سواء في ما يخص الفقر أو الفساد، إلى جانب تردي المستوى الصحي والتعليمي، بشكل يتناقض تماماً مع الأهداف التي قامت من أجلها ثورة 26 سبتمبر، وحتى نهاية العام 2014، وقبل أن يقضي العدوان على مقومات الحياة البسيطة المتواجدة، فقد صنفت اليمن في تقرير صادر عن البنك الدولي في العام 2014 باعتبارها أفقر دولة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما وضعت اليمن في ذيل قائمة الدول الفقيرة على مستوى العالم بموجب تقييم الأمم المتحدة لنفس العام. وهو فقر مصنوع بحالة فساد أخذت من جهتها تنمو حتى احتلت اليمن المرتبة 161 في تقرير الشفافية الدولية للعام 2014، وكانت اليمن ضمن أكثر 10 دول فساداً على مستوى العالم، في حين أفاد تقرير لمؤسسة النقد الملكية البريطانية في العام 2013 أن اليمن من أكثر دول العالم تهريباً للأموال. وأشار تقرير المؤسسة البريطانية إلى أنه مقابل كل دولار مساعدات تدخل لليمن كان هناك ثلاثة دولارات تهرب خارج اليمن.
وفي ما يخص الجانب الصحي كان نصيب الفرد في اليمن حتى العام 2014 لايتجاوز 5 دولارات سنوياً من الموازنة العامة للدولة، والذي يعتبر من أدنى الحصص الصحية على مستوى العالم بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية.
بينما سجل القطاع التعليمي تراجعاً ملحوظاً وصل في العام 2014 إلى حد أن ثلث أطفال اليمن المقدر عددهم بأكثر من مليوني طفل، لم يحصلوا على فرصة التعليم بحسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، في حين أظهرت إحصائية أن 40% من السكان يعانون من الأمية.
السفير فيصل أبو راس علق على هذه الإحصائيات قائلاً: من يرى أن هناك منجزات لثورة 26 سبتمبر، عليه أن ينظر الى حال الوطن والمواطن، وقد تنازع عليه الثالوث المخيف: الجهل والفقر والمرض!
المزيد من الشتات
تبنت ثورة 26 سبتمبر في هدفها الخامس (العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة)، لكن ما حدث هو العكس تماماً، وحول هذه النقطة يقول السفير فيصل أبو راس: (اليمنيون بطبيعة الحال موحدون من قبل التوقيع على الوحدة، وربما أكثر مما هم عليه اليوم، نظراً لسوء الإدارة وفسادها، وحالياً بسبب ظروف العدوان، وسيبقى محسوباً على من تولوا مسؤوليات هذا الوطن أنهم رفعوا (العلم) وأزالوا الحدود (السياسية) وأقاموا بعدها بين أبناء الشعب الواحد حدوداً قبلية ومذهبية ومناطقية وثقافية واجتماعية، بما يتوافق مع مشاريعهم المشبوهة وتطلعاتهم الضيقة ومصالحهم الخاصة.
بينما يرى الكاتب والباحث السياسي حسن الوريث أنه بالنسبة لهدف تحقيق الوحدة الوطنية فهو هدف كل اليمنيين، لكن لم نكن نحن أصحاب القرار في أي شيء، وبالتالي فموضوع تحقيق الوحدة كان خاضعاً لرغبات الأطراف الإقليمية والدولية، وحتى عندما تم إعلان قيام الجمهورية اليمنية في مايو 90، لم يكن قراراً وطنياً يراعي مصالح اليمنيين، بل في اعتقادي كان هروباً من النظامين في الشمال والجنوب، والدليل على ذلك أن الوحدة فشلت فشلاً ذريعاً في أول اختبار حقيقي لها، وها نحن نرى مفاعيل ذلك في الواقع العملي حتى لا يقال إننا نتجنى على أحد، فلو كانت الوحدة قراراً وطنياً وتمت على أسس حقيقية، لكانت نجحت. أما موضوع الوحدة العربية الشاملة فقد جاءت هذه العبارة تحقيقاً لرغبة الطرف الخارجي الأقوى الذي كان يدير قيادة الثورة ويريد تحقيق أهداف أخرى من وراء ذلك. والخلاصة أن الثورة اليمنية 26 سبتمبر ـ من وجهة نظري ـ تعرضت لمؤامرات حقيقية وكبرى، منها إقليمية ومنها دولية، أفرغتها من مضمونها.
المصدر زيد المجاهد / لا