عندما نقرأ قصائد الشاعر الكبير فتحي متاش، فإننا نقع في دائرة السحر، إذ تحملنا الكلمات إلى أعماقنا، ويرتد الطرف، فنرى آفاق الدنيا، وبين الحلم والصحو تتشكل سطور أيام جديدة.. إنه أحد القامات السامقة، فهنا قصيدة، وهنا شجن باقٍ في غياهب الحلم الذي يسري في عروق هذا المبدع الفذ.. يكتب القصيدة الوطنية والعاطفية ذات الحس الهامس والصدى البعيد.. التجهيز للحوار مع الشاعر فتحي متاش مشوق، وقراءة أعماله تظل متعة، والذين يعرفونه يدركون أنه قادر بلا عناء ولا تردد على أن يكون جناحاً يوفر لك الفيء والطمأنينة، يداً حنونة تزيح عن كاهلك غبار التعب واليأس، وعيناً تسهر عليك كلما أويت للنوم لتحرس لك أحلامك العابثة. وهو يفعل كل هذا دون مقابل، ودون أن يرجو مكافأة، يكفيه أن يرى في حدقتيك سريراً يأوي إليه حينما يتعب.. هكذا ظلت أسئلتي تلاحقني وتسألني من جديد لماذا أنهيت هذا الحوار الجميل مع شاعر ما زال يعرش بطيبته ويثمر إبداعه، قصائده كأنها حقل خصب وثري، وإن شئت نبع ساحر واستثنائي. إنه شخصية إبداعية ووطنية بامتياز.

استفزاز القصيدة
ـ القصيدة كائن حقيقي متطور دوماً تعيش في الأعماق، فإذا قررت الخروج فإنها تدق جرس الأرق فتستفز الشاعر.. متى تستفزك القصيدة؟
أحياناً الموقف هو الذي يجعل القصيدة تقوم باستفزازي، وعلى سبيل المثال موقفنا من العدوان حرك قرائح الكثير من الشعراء، وأنا واحد من هؤلاء الشعراء الذين تأثروا كثيراً بالعدوان، وكتبوا الكثير من القصائد ضد العدوان الذي لم يأتِ إلا للانتقام من اليمن واليمنيين. وأحياناً قد يكون الموقف مناسبة وطنية كأعياد الثورة، فهذه المناسبات تستفز الشاعر في كتابة القصيدة، وأيضاً المواقف الغزلية قد تجد موقفاً في البيت يستفزك، فتقوم بكتابة قصيدة رائعة، وقد يكون الموقف أن ترى طائراً وهو يغرد، فتتحرك المشاعر والأحاسيس، وتكتب القصيدة.. فالشاعر يستطيع أن يولد الإبداع في أية لحظة.

واقع وخيال
ـ الشعر فن عظيم وراقٍ يسمو بسمو النفس، وهو فن جمالي يعبر فيه الشاعر عن أحاسيسه وعواطفه وما يحدث تجاهه من أحداث وأفعال، وأنت لك العديد من القصائد الفذة والمائزة، لو نقف معك ومعها على بعض التفاصيل..
بعض القصائد كان لها قصة، وبعض القصائد قد تأتي من الخيال، فالشاعر أولاً يضع القصة في خياله، ثم يقوم بكتابة القصيدة.

هؤلاء ترجموا إحساسي
ـ تغنى بقصائدك العديد من الفنانين والمنشدين، من هو الفنان الذي ترجم أحاسيسك؟
الذي ترجم إحساسي هو الفنان حارث الشمسي والفنان صدام الحاج اللذان استطاعا الدخول إلى أعماقي، كأنهما يغنيان باسمي، وهناك أعمال كثيرة مع الفنان صدام الحاج، وأصبحنا ثنائياً كأيوب والفضول، والأستاذ حارث فنان مبدع، وهو الفنان الذي أدخل الفصحى إلى غنائنا اليمني، وقليلون جداً من تغنوا بالفصحى في الماضي وفي التراث، وهو الآن نازل بقوة بما يمتلك من ملكة ومن موهبة.

ـ هل تعتقد بأن القصيدة الفصحى تستطيع أن تساعد في تكريس السلام على امتداد هذا العالم؟
نعم، الفصحى تصل أفضل من القصيدة الحمينية أو القصيدة الشعبية، فالفصحى هي لغة العرب في كل المعمورة، هي اللغة المشتركة، هي النبض المشترك بيننا وبين إخواننا العرب، وهي قادرة على أن تفعل الكثير، فهي لغة القرآن، والآن تجد أناساً في الصين أو في إسبانيا أو في فرنسا يقرؤون القرآن الكريم لكي يصلوا، وأصبحت اللغة المشتركة هي اللغة العربية.

طقوس خاصة
ـ هل لديك طقوس خاصة لكتابة القصيدة؟
أحياناً يداهمك الهاجس وأنت في وسط عرس، ويكون متعباً لكتابة القصيدة، ولكن تكتبها بصعوبة، أما الطقوس فأنا أحب أن أكون جالساً لوحدي في البيت، أكون بمفردي، وتكون الفكرة قد نضجت في رأسي.

ـ لماذا تراجعت القصيدة الفصحى فيما نرى رواجاً للقصيدة الشعبية؟
أعتقد بسبب نسبة الجهل، وثانياً أن الفنانين الذين يجيدون اللغة العربية الفصحى ويجيدون نطقها، هم قليلون جداً.

الموسيقى تهذب النفس
ـ الاستماع إلى المسيقى الراقية جزء من تكوين المثقف الشامل، ماذا تقول في هذا الجانب؟
نعم، الموسيقى الراقية تهذب النفس وتريح الإنسان، الموسيقى الراقية هي جزء من تكوين الإنسان الراقي المثقف، ولها دور كبير في تحفيزه لكتابة القصائد. أحياناً أستمع إلى موسيقى تحملني إلى البعيد، وتعطيني فكرة جميلة لكتابة مواضيع رائعة.

ـ أين تجد نفسك في كتابة القصيدة الفصحى أم الشعبية؟
أجد نفسي في الحالين، ولكن جمال الفصحى أن كل كلمة تعطيك موسيقى لوحدها، لكن الواقع يجعلك تميل إلى كتابة القصيدة الحمينية، لأن أغلب الشعب لا يفهم إلا هذه اللهجة وهذا الغناء.

أفضلية الحمينية
ـ بماذا تتميز القصيدة الحمينية عن القصيدة الشعبية؟
القصيدة الحمينية هي أفضل من الشعر الشعبي بكثير، لأن الشعر الشعبي كلماته تكون هابطة ولا تكون في مستوى القصيدة الحمينية، فالقصيدة الحمينية كل كلماتها لغة عربية فصحى، ولكنها لا تحتكم إلى النحو، لذلك الشعراء في صنعاء يقولون هل تكتب حكمي أم حميني، ويقصدون بالحكمي اللغة الفصحى، لأنه يحتكم إلى النحو.

قصة قصيدة
ـ عمل شعري تعتز به كثيراً..
هي قصيدة كتبتها في بداية العدوان عندما دخلت على ابنتي الصغرى ربى وهي تبكي عندما كانت تسمع أصوات الصواريخ والطائرات، فكتبت:
أتتني ابنتي الصغرى
تساقط دمع عينيها
وتسأل يا أبي قلْ لي
بلادي ما جرى فيها 
لماذا أحرقوا أرضاً
نشأنا في روابيها
لماذا أطفأوا عيناً
سكنَّا في مآقيها
فقلْ لي يا أبي قلْ لي
بلادي ما جرى فيها
لماذا صارت الأحزان
تسكن في مبانيها
وصوت الحرب والآهات
جزءاً من أغانيها
لماذا البلبل الصداح
يبكي في أعاليها
أماتت يا أبي الأفراح
أم ماتت معانيها
وسيف الغدر يذبحها
ونار الحقد تكويها
وشلال الدم اليمني
يجري في سواقيها
وأين مراكب الصياد
غابت عن موانيها
وأين مواسم الأعياد
هل ماتت أساميها
وأين صديقتي زينب
وأحلام معلمتي
لماذا لم نعد نلعب
كما كنا بمدرستي
وكنا إن أتى الطيار
لوحنا بأيدينا
فيهدينا ابتساماتٍ
وألعاباً تسلينا
لماذا طائرات اليوم
ترعبنا وتبكينا
وتهدينا انفجاراتٍ
فتقتلنا وتؤذينا
فقلْ لي يا أبي قلْ لي
بلادي ما جرى فيها 
صمتُّ ولم أجد رداً
سوى دمعٍ يواسيها
وأشلاءٌ هنا وهناك
تبكيني وتبكيها
وقلتُ لها بأن الله
 حتماً سوف ينجيها
عسى يا طفلتي فرجاً
قريباً سوف يأتيها
ونرجع كلنا صفاً
نعمرها ونبنيها
وبالآمال نزرعها
وبالأرواح نفديها

حب الناس
ـ ماذا أضاف لك الشعر؟
الشعر أضاف لي الكثير، وأهمه حب الناس.

ـ هل لك دواوين شعرية مطبوعة؟
ليس لدي دواوين مطبوعة رغم أني لدي الكثير من القصائد يمكن أن تكون 5 دواوين، ولكن السبب يكمن في عدم وجود الإمكانيات المادية.

أحلم بوطن مستقر
ـ بماذا يحلم الشاعر فتحي متاش؟
أحلم بوطن آمن مستقر بعيداً عن أي خطر، وأن يستطيع كل يمني لديه موهبة أن يصل بها إلى أعلى الأعالي، فأغلب المبدعين في العالم هم من اليمن.

رسالة الشاعر
ـ ما هي مسؤولية الشاعر؟
الشاعر له مسؤولية عظيمة، وتلقى على عاتقه الكثير من المسؤوليات، فالشاعر هو كالعالم الكبير، والشعر هو رسالة، ويجب علينا أن نكون على قدر هذه الرسالة، ونتحملها بضمير، فأحياناً قد أكتب كلاماً يهدم وأقول كلاماً يبني، وهو ناقل حقيقي للواقع.

ـ ما هو الشيء الذي تمنيته وتحقق؟
تمنيت أن أكون معلماً، وتحقق ذلك.

ـ كلمة أخيرة..
أقدم شكري لك لأنك شاعر، وأنا أقول إننا وجدنا ناساً وضعوهم في المكان الصحيح، فعندما يأتي شاعر ويحاور شاعراً أو يحاور فناناً، الإحساس يكون مختلفاً، ويعرف ماذا يقول، ويعرف كيف يتخاطب مع الطرف الآخر.. فشكراً لك.

سيرة ذاتية:
ـ الإسم: فتحي محسون صالح متاش
ـ مواليد 1974م
ـ مدرس لغة عربية، يعمل في سلك التعليم من 1990
ـ متزوج ولديه 6 بنات
ـ يكتب الشعر الغنائي وشعر الإنشاد ويكتب القصيدة الفصحى.
ـ غنى له مجموعة من الفنانين منهم الأستاذ حارث الشمسي وصدام الحاج وعصام خولاني وسام الخزاعي، ومجموعة من المنشدين.