علي نعمان المقطري / لا ميديا

إن 3 أعوام من العدوان الكوني على اليمن آتت أكلها بالضد للإرادة العدوانية ومشروعاتها الاستعمارية والتمزيقية الضخمة. إنها تداعيات وارتدادات عكسية على الداخل العدواني لها أثرها ليس راهناً وحسب، بل وعلى جملة البنى والأوضاع والمستقبل القادم بالمقدمة للسعودية. وكل ذلك أدى إلى تحولات راهنة في مسار المناورات والإدارة بالنسبة للسعودية في حربها معنا، ولذا اتجهت، بمعية الدوائر العليا الإمبريالية، إلى إعادة ترتيب أوضاعها الميدانية والسياسية في عملية إعادة تكيف استراتيجي وسياسي مغاير للحال الذي كانت عليه بداية العدوان.
مشهد تمهيدي
مازال العدو السعودي يلعق جراحاته في جبهة الحد الشمالي كل يوم تحت وطأة الضربات اليمنية، التي اضطرته لاستجلاب المرتزقة الباكستانيين، خاصة الضباط، لإيقاف التهاوي الجنوني لسيطرتهم هناك.
ومازالت هذه الجبهة هي الجبهة الرئيسية التي يشن الجيش اليمني هجومه الرئيسي عليها منذ ثلاث سنوات. وهي الجبهة الرئيسية للثقل العدواني الحاسم ولقيادته واحتياطاته الاستراتيجية والمادية والتسليحية والبنيوية والإدارية الواقعة في مراكز عسير ونجران وجيزان، والسيطرة عليها، وهي تشكل الآن العمود الفقري لجيشها كله، والتغلب على هذه الكتلة من القوات يعد ضمانات قوية لمفاوضات جدية حتمية وإجبارية بشروط الوطن.
كما أنها تصير المعادلة الاستراتيجية العليا التي تفرض نفسها في الحرب أو السلم باسترجاع هذه الأقاليم المحتلة، فهي الضمانة الكبرى للتوازن في أية مناورات أو تحركات قادمة يجري التخطيط لها الآن وتطل برؤوسها تدريجيا.
إن العدو السعودي يركز معركته الآن في هذه الجبهات، ويخوض محاولات استردادية فاشلة للمواقع التي خسرها منذ بداية المعركة على هذه الجبهة التي يسيطر فيها اليمني على أهم حلقاتها ومحاورها المتقدمة الجبلية الداخلية، ويضرب حصارات جبلية عميقة على أهم مدنها ومواقعها الاستراتيجية، حيث يقيد كل تحركاتها الحربية ويهددها بالاجتياح، مما يجبرها على الانكفاء الاستراتيجي الدفاعي.
وهذا قد أدى إلى تراجع دور السعودية القيادي الهجومي على اليمن من المحاور الأخرى. ومن جانب آخر فقد ضعفت –بنتيجة ذلك– الأدوار الأخرى الإماراتية الأمريكية البريطانية الإسرائيلية؛ لأن السعودية هي محور العدوان على اليمن وأداته الرئيسية. وانكفاؤها على المعركة في عمقها الجنوبي قد فتح للثغرات الداخلية في مربع العدوان والتباينات فيه والإرادات، ورغبة السعودية في إخراج نفسها من الورطة في حدودها، فتقييد هذا الثعبان يقيد كل الثعابين الأخرى.

إعادة رسم ملامح السياسة العدوانية الجديدة
لقد أدت الضربات الموجعة الأخيرة إلى انهيارات وسط قيادات المرتزقة في مأرب والمنطقة الثالثة والقيادة العدوانية المركزية في نجران وخميس مشيط والرياض، وتفجرت النزاعات بين المرجعيات السعودية والمرجعيات الإماراتية وحول تبعية مأرب إلى الأولى أم إلى الثانية!
لقد أقرت الدوائر العليا للعدوان بأنها تابعة للإمارات، استكمالاً لتسليمها ملف العدوان والاحتلال لليمن، وإدارة مشروع التقسيم والانسلاخ لليمن الجاري حالياً بريطانياً أمريكياً وبتنسيق مشترك مع السعودية.
إن المحاولة هي أن تظهر الإمارات متصدرة للعدوان، بينما تظهر السعودية بمظهر المُعتدى عليه، المقصوفة بصواريخ إيران القادمة من اليمن! بل والاعتداء من الأرض بالتوغل في أراضيها!!
وذلك يتطابق مع ضرورات ومقتضيات نجاح الترتيبات التكتيكية الجديدة في الطور الجديد للعدوان السعودي الأمريكي الإسرائيلي الأطلسي. ويبدو أنه شرط أو ضرورة للتدخلات الأجنبية الكبرى المباشرة عسكرياً إلى جانبها في الدفاع عن حدودها، ومجلس الأمن يقف عاجزاً عن اتخاذ القرارات التي يريدونها لتبرير التقسيم القادم لليمن المحتل وسلخه من الجنوب والشرق.
كما انعكست الصراعات على النفوذ في التعيينات الجديدة العسكرية التي وسعت انشقاقات داخل قواه، ومنها التعيينات العفاشية، كتعيين علي صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق لصالح) قائد قوات الاحتياط العام، أي الحرس الجمهوري العفاشي المرتبط بعلي محسن والمخابرات السعودية (الاحتياط العام أطلق كمسمى بديل للحرس أثناء الهيكلة)، وذلك على حساب طارق عفاش وأحمد علي عفاش المرتبطين بالمخابرات الإماراتية الأمريكية. وهذا يجري بلا شك ضمن اللعب على المتناقضات من قبل الدوائر العليا، سواءً لتضمن تعدد الولاءات أو لتوظيف كل الاتجاهات بجلب شخصيات كل اتجاه. أيضاً، تابعنا ذهاب العرادة، محافظ مأرب، إلى الإمارات، وهو الذي كان تابعاً للسعودية، وهذا يؤكد انتقال الولاءات من الإخوان والسعودية إلى أبوظبي، وأيضاً قد تكون الجمع بين الاثنين، وكلها في الأخير داخل مربع واحد؛ لكنه ضرورة للمناورات الإمبريالية الراهنة.
ويمكن تلخيص عدة نقاط عن السياسة الاستراتيجية الجديدة للسعودية في عدوانها على اليمن:
إعادة تصوير وتموضع السعودية في خلفية المشهد السياسي العسكري العدواني بعد انتقالها من الهجوم وحالة المهاجم إلى حالة المهزوم المتراجع الذي تسلب منه أراضٍ جديدة كل يوم، وتضرب قواعده ومدنه الصواريخ اليمنية، والمدعوة لدى العدو (إيرانية وروسية).
وبهذا التموضع الجديد تريد تحقيق أهداف عديدة، أهمها الآن الآتي:
 • أن تظهر بمظهر المعتدى عليها والمحتلة أراضيها بشهادة لجنة دولية يقرها مجلس الأمن الدولي.
 • أن تظهر في وضع الدفاع وليس الهجوم ولا العدوان.
 • وبالتالي تطالب بالجلوس إلى مفاوضات مباشرة مع اليمنيين لتوقيع اتفاقات سلم بين الطرفين بحماية المجلس لدولي وضماناته، وذلك بما يخص الحدود السعودية.
 • ادعاء أن مشاركتها على رأس (عاصفة الحزم) قد أدت أغراضها قبل أعوام وانتهت في حينه، وأنها سلمت القيادة لـ(الحلف العربي الأمريكي) ولـ(الشرعية) بذاتها التي تسيطر على الأرض في مواجهة الجيش والأنصار.
 • أن الحرب الراهنة هي (حرب أهلية يمنية – يمنية)، والحل هو الحوار بين أطرافها المعروفين في الجنوب الشمال، وتحت رعاية الدول المحيطة باليمن والراعية الدولية التي رعت (المبادرة الخليجية).
 • إعداد مأرب عاصمة مؤقتة لـ(الشرعية اليمنية الشمالية) والإعلان عن مشروعات وبناء مطارات كبيرة وقواعد عسكرية ولوجستية كبرى باسم المساعدات الإنسانية، وهو يردد الآن كثيراً. وهذه العاصمة تسهل الانفصال؛ لأن عدن لم تعد عاصمة مؤقتة.
 • الاعتراف بـ(المجلس الانتقالي) ممثلاً عن الجنوب، بينما (الشرعية) تمثل الشمال، وتعهد (الجنوب إلى الانتقالي طالما تلك رغبة الشعب الجنوبي، وإعطاؤه حق تقرير المصير وبموجب مواثيق الأمم المتحدة).
 • يأتي التدخل الأمريكي الغربي العسكري المباشر انطلاقا من (الدعوة الشرعية لحماية الممرات الدولية وتأمين البحر الأحمر والأبيض والمندب وميون وسقطرى وصنافير وتيران وإيلات) كدول يهمها ذلك ومصالحها فيه.
 • أن [تعرض السعودية والإمارات إلى هجمات عدوانية صاروخية يمنية إيرانية شيعية علوية واحتلال أراضيها هو ما يدفع أمريكا وحلفاءها للدفاع عنها أمام الهجمات والتوغلات اليمنية العدوانية الإمبريالية! ولأنها ملتزمة بالقانون تحرم من الغذاء والدواء وتغلق الموانئ والطرق أمامها، ولذا وجب وقف المعتدي، الذي هو اليمن]!! وبلا شك أن مثل هذه الوقاحة والبجاحة في قلب الحقائق مسألة معهودة لدى المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة، بل وأكثر من ذلك!
إن ما يجري الآن هو بالتأكيد إعداد للنصوص المطلوبة لتبرير الحملة العدوانية القادمة من الإمبريالية العالمية تحت ذريعة (حماية الأمن والسلم الإقليمي والدولي والمصالح الدولية) التي ستصير اليمن هي المهددة لها! وليست بوارجهم وأساطيلهم الحربية التي تقصفنا من البحر وترسل إلى أرضنا مأجوري ومسوخ العالم وأكلة لحوم البشر الذين يصيرون الآن حماة الإنسانية والأديان والتعايش!
ولن يكفيهم هذه الهجمة العالمية على اليمن المظلوم، بل يريدون أيضاً شن هجوم أوسع بقرار مجلس الأمن دعوة دول العالم إلى (تصفية البؤرة الإرهابية الكارثية: اليمن). ولسنا نشك في أن الإمبريالية الأمريكية التي سعرت الحروب الدامية في كل ركن من العالم وأبادت مئات الملايين من البشر ونشرت الجوع والفقر والمرض والموت في كل الأرض، ستدعي كعادتها أنها داعية سلام وإنسانية في حربها على اليمن، تماماً كالمعتاد عنها.
لكن يبقى السؤال الهام: ما مدى مقدرة العالم على تحمل تبعات وتداعيات الإقدام على هكذا خطوات؛ مدى مقدرتهم على كسر كافة قواعد الاشتباك المتبقية وتفجيرهم الحرب في البحر؟! وبالأخير فإن اليمن مستعد بكل تأكيد لكل عدوان.

 استراتيجيات جديدة.. حروب الأباتشيات
حين قررت أمريكا احتلال العراق، أراد بوش ورامسفيلد وزير دفاعه المجدد العسكري الشهير أن يتجاوزا جميع القواعد العسكرية الكلاسيكية الثابتة عن أن:
 • العدد الكبير يهزم العدد الصغير على الأرض.
 • وكل هجوم لا بد أن يضاعف أعداده لأنه يفقد قرابة ربع/ ثلث قواته العددية في كل هجوم على خصم متحصن في حال دفاع استراتيجي. وهذه كسرناها نحن دوناً عن العالمين.
ولذلك، اخترعا آلية هجوم جديدة، تقوم على الإكثار من الطائرات والآليات والعربات ووسائل النيران، والتضليل والإرهاب النفسي والخداع والخيانة وتوظيف الأموال، والتجسس والاختراقات العميقة. وهذا صار يسمى بالجيل الرابع للحروب والطابور الخامس و(الكتائب الوردية)...
كانت أمريكا بحاجة إلى ثلاثة ملايين جندي للسيطرة على العراق وحده، وتوجب أن تكون مستعدة لخسارة على الأقل 10% منهم، أي 300 ألف. ولذلك سارعت إلى الرحيل بعد عدة سنوات من العدوان ونفقات بتريليونات الدولارات.
فكان لا بد من الاتجاه إلى طور جديد من الحروب، وهي الحروب الرخيصة، فاضطرت إلى "الحرب بالوكالة". وتأسست استراتيجية جديدة للهجوم والاشتباكات تهدف إلى تقليل خسائر مشاة البحرية (المارينز) بمضاعفة أعداد المرتزقة المحليين والأجانب والإرهابيين، وقامت بتغيير التكتيكات القديمة بالانتقال إلى أخرى تتجنب الهجمات والمعارك البرية الكبيرة تعتمد المدافع الصاروخية الجوية ورشاشات الطيران الكبيرة والدقيقة التصويب، حيث الأباتشي تكون سيدة المعارك البرية، ويصبح الطيار ومساعده تدريجياً هو قائد الهجوم الأعلى ومنسق عملياته الرئيسية، ويصير غرفة عمليات وقيادة وسيطرة وتوجيه ومركز قيادة متقدماً ومتحركاً.
وتقوم المعركة الجديدة على الهجمات الأرضية بالتسلل والتوغل الالتفافي والدوران والقفز على المساحات المعقدة والتضرسات بالمروحيات، لتفتح أمام القوات الأرضية الطريق للتقدم وتهاجم مواقع التحصينات والتمركز للعدو ومراكز وتجمعات قواته ومخازنه وطرقه وخطوطه ومراكزه القيادية والعصبية.
وبالتأكيد، يجب الإشارة إلى أن هذه الحرب قد استخدمت معنا منذ البداية، وإن لم تكن بالشكل الكبير ذاته الذي جرى في العراق، واليمني قد وجد حلولاً لذلك، وبدأ التعامل معها. كما أن الفارق أيضاً، هو الطبيعة الجغرافية والفارق بين الصحراء والمدن المفتوحة السهلية وبين المناطق الجبلية والتضاريس المعقدة كخاصتنا.

الانفصال الانسلاخي.. درة التاج الاستعماري الآن ومن قبل
بعد ثلاث سنوات كشف العدوان عن مشروع الانسلاخ والانفصال الإلحاقي للجنوب، المبرم بينه وبين الفصائل العميلة الجنوبية من سنوات قديمة سبقت الأزمة اليمنية بعقدين، وهي الفصائل التي حولت قواها إلى منظمات تتبع الاستعمار وتأتمر بأمره ومعه تنجز خطواته خطوة خطوة.
إن عنوان المشروع المشترك هو فصل الجنوب رسمياً ووضعه تحت رعاية الاحتلال عبر الفعاليات الدولية. والمدخل لهذا هو الشروع بتشكيل المؤسسات الانفصالية من جيش وشرطة ومجالس حكم محلي ومحافظات ومجالس انتقالية وتشريعية. وتسليم حكم الجنوب صورياً لإدارة الانفصاليين وفرض واقع جديد، هو أن الجنوب أضحى خارج التفاوض المباشر بين السعودية والعدوان وبين اليمنيين، وخارج السيطرة، وبأنه طرفٌ مستقل يجب التفاوض معه مباشرة حول الانسلاخ بسلاسة تحت إشراف الأمم المتحدة.
كما أن هذا العمل تلجأ إليه الدول المحتلة عندما يشارف وجودها العسكري على الانهيار، حيث تحاول خلق أسباب للصراع والاقتتال الأهلي نيابة عنها، فعندما تصل إلى العجز عن احتلال الشمال والجنوب معاً فهي تحتفظ بالجنوب كقاعدة استعمارية دائمة لها، مقابل انسحابه من (العدوان على الشمال) ووقف القصف الجوي المريع والحصار، متذرعاً بالحقوق العامة للشعب وحقه في تقرير مصيره تحت سيطرته هو –المحتل– وبالتالي التحول من الاحتلال المباشر إلى السيطرة العسكرية المبنية عبر القواعد العسكرية الظاهرة والمخفية تحت ستار الشرعية والتأجير والحماية والدفاع المشتر ك، تماما كالحال في السعودية والإمارات وغيرها.

الجوف مجال صراع محتدم يطول
المعركة في الجوف تتمازج استراتيجيا وسياسيا وحربيا. إنها بيضة القبان في جدار العدوان، إذا خسرها خسر الحرب كلها على الجبهة الشرقية الصحراوية.
إقليم الجوف بموقعه ومساحاته المترامية الأطراف يشكل نقطة الصراع الاستراتيجية الأشد مستقبلاً، بسبب موقعه ومحتواه الاقتصادي النفطي الثري ومحاذاته للأمن السعودي ولحضرموت والمنطقة الشرقية ولنجران ومأرب وصنعاء وصعدة وعمران. وهو مُغرٍ للسعودية وأمريكا، فباعتقادهم أنهم سيجدون فيه حروباً سهلة بسبب انكشاف صحاريه أمام الطيران، وقد فاجأتهم قدرات الجيش اليمني والمقاتلين اليمنيين على التكيف في أي جغرافية كانت ومها كانت مصاعبها وشراستها.
فالعدو يعتبرها مجاله الاستراتيجي الحيوي من الشمال. وللعلم، هناك تكونت المقاومة الوطنية والجبهة الوطنية الأولى في الشمال الشرقي، وشكلت قاعدة خلفية للجبهة الوطنية في مأرب والمناطق الشرقية بكاملها، وقناة التواصل الأكبر مع حضرموت والجنوب.
إن جغرافيتها تشكل المنطقة المثالية التي يريدها العدو لتكون ميدان استنزاف الجيش والأنصار، ويعتبرها البديلة الاستراتيجية لمأرب في حال تعرضت للاجتياح والتطهير، وسبق له أن حقق اختراقات مجتمعية من خلال المرتزقة والوهابية، فهي خطيرة التأثير تنفتح بحدودها على عدد من المحافظات المجاورة لها ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى.
ويمكن أن نقدر تقديراً أولياً الموقف في الجوف أنه مهما خسرها العدوان تكتيكياً فهو مصمم على الاحتفاظ بها، فسقوطها يعني قطع الخطوط التي كانت السعودية عبرها تعبر نحو مأرب والمحافظات الأخرى المجاورة للعاصمة، وسوف يضطر إلى إعادة الهجمات من صحارى نجران وحضرموت لاستعادتها ومحيطها.