ميناء الحديدة ليس (مفاعل بوشهر) يا أنطونيو
هذا ما يحاول إعلام العدوان تمريره كقناعة لترميم إخفاقاته
أن نخاف.. لأننا ننتصر!

(لم يأخذ تحالف العدوان تحذيرات سلاح بحريَّتنا على محمل الجد)..
هكذا علق العميد شرف لقمان، الناطق باسم الجيش والقوات المسلحة اليمنية، في بيانه لوسائل الإعلام، على حالة الارتباك التي أصابت معسكر العدو عقب تدمير البارجة الحربية السعودية (المدينة)، قبالة سواحل المخا، الاثنين الفائت، وقال استمراراً: (نمتلك القدرة الكافية للدفاع عن بلدنا، ولدى جيشنا إمكانات [عسكرية] لم تدخل المعركة بعد..).
تدرك العقلية القيادية الثورية والسياسية اليمنية جيداً رهانات العدو، والأهمية القصوى لمعارك الساحل الغربي التي تجعله يزج بنخبة عتاده وعديده العسكري في أتونها منذ عامين، رغم متوالية من الزحوفات الضخمة والانكسارات المدوية.

وتأسيساً على هذا الإدراك، فإن الرد العسكري اليمني طيلة زمن الاشتباك على الجبهة البحرية، كان يستهدف رهانات العدو بالأساس، فيثخنها بالخيبات، ويقسر العدو على أن يتفاجأ ويرتبك، وهو الذي قدَّر أن تطوي قبضته كامل الساحل الغربي + (ميدي) في غضون عملية عسكرية خاطفة زهيدة الكلفة وشبيهة بنزهة بحرية لا أكثر.
راهن العدو ـ إذن ـ على زمن وجيز وخاطف للعملية، لا تنجم عنه أعراض مضرَّة بحركة الملاحة الدولية، ففوجئ بزمن عملياتي مديد تجاوز العام ونصف العام، وخسر خلاله 11 بارجة حربية، وأكثر من 20 قائداً عسكرياً رفيع الرتبة من جنسيات مختلفة، هذا عدا أرتال الآليات العسكرية وعديد المرتزقة الذين نفقوا بالآلاف، دون أن يحرز تحالف العدوان تقدماً من أي نوع يكافئ مدخلات عملياته الضخمة بالحد الأدنى على امتداد الساحل الغربي والبحر الأحمر عموماً.
وراهن العدو على فرضية عجز العقل العسكري اليمني لمن يصفهم بـ(مليشيات جبلية) في مضمار إدارة معركة ساحلية بحرية معقدة، وافتقار المقاتل اليمني لسابقة رصيد على مستوى اشتباك من هذا القبيل، كما وعدم حيازته سلاحاً فعالاً وقادراً على إلحاق ضرر جسيم بترسانة التحالف الحديثة والفتاكة، ففوجئ بإدارة رزينة متوافرة على أبعاد المعركة المتطورة وغير المتطورة، وبمقاتل يتسلح بتضاريس المكان بكفاءة مذهلة، ومشاة بحرية يناجزون قراصنته في العمق المائي، و... ضربات صاروخية موجهة تعي تماماً من أين تؤكل أكتاف بوارجه وقطعه الحربية البحرية، وفي سياق كل ذلك أدمغة استخباراتية مكشوفة الحجاب، بارعة في توثيق التفاصيل الدقيقة لأحلام قيادات ومرتزقة العدو، ومداهمتهم في عقر جماجمهم.
لقد آن للمجتمع الدولي أن يقلق. لكن ليس إزاء أكذوبة (تهديد المليشيات الانقلابية للملاحة الدولية) التي يسوِّغ بها تحالف العدوان لقرصنته الخرقاء، بل إزاء مغبة الاستمرار في الاعتقاد بأن الجيش اليمني واللجان الشعبية مجرد (مليشيات)، بعد كل تلك البراهين التي رشحت عنها المواجهة العسكرية، كما وإزاء مغبة الاعتقاد بأن التحالف السعودي الأمريكي لا يزال قادراً على اجتراح خرق ميداني بحري أو بري، يقلب موازين الاشتباك لصالح زنزنة القرار اليمني في قمقم الوصاية والهيمنة مجدداً.
آن للمجتمع الدولي أن يقلق بالفعل إزاء رزانة العقل العسكري اليمني، لا إزاء طيشه المزعوم، فهذه الرزانة كما تنم عن التزام مبدئي بأمن النشاط الملاحي البحري المشروع وسلامته، تنم ـ أيضاً ـ عن ثقة عميقة وقدرة وازنة على ردع القرصنة التي تستهدف أمن وسلامة الجمهورية اليمنية، أياً كان جيش المعتدي وأياً كانت ذرائعه.
لربما لم يكن الأمين العام السابق للأمم المتحدة (بان كي مون) ناضجاً ليقلق حين أبرقت إليه اللجنة الثورية العليا برسالة تحذر فيها من عواقب استخدام التحالف المياه الدولية منطلقاً للعدوان على اليمن، وبالرغم من كونه دائم القلق إزاء أشياء هامشية، فإنه أدار ظهر قلقه لرسالة (الثورية العليا) حينها، مطمئناً لفحولة العتاد الأمريكي ودغدغة الريالات السعودية المتدفقة على حساباته البنكية.... كان الوقت حينها أبكر من أن يبدد وقته في قلق غير مبرر من منظور ارتهانه.
بيد أن لدى الأمين العام الحالي (أنطونيو غوتيريس) الأسباب الكافية اليوم ليقلق بما يملي عليه عدم الانزلاق في مجارير ممالأة تحالف العدوان، على حساب ما تبقى من ماء وجه الأعراف والمواثيق الدولية.. كما ودون أن يلتبس موقفه بموقف الصحيفة الصهيونية (يديعوت أحرونوت) التي رأت في الضربة الصاروخية الأخيرة الموجهة للبارجة الحربية السعودية (أمراً مقلقاً).
تفضلوا.. هذه هي عاقبة إدارة الظهر لبيان البحرية اليمنية التحذيري الذي أطلقته في الـ21 من يناير الفائت، بالتزامن مع ذروة حملات زهو إعلامية معادية جزمت أن احتلال كامل اليمن بات وشيكاً ومسألة وقت.
أوخم ما في المستجدات العسكرية المخيبة لرهانات التحالف، الأسبوع الفائت، ليس ـ بطبيعة الحال ـ تدمير البارجة (المدينة) بما عليها من مروحيات وطواقم، بل الإصابة المحققة لقوات الاحتلال الإماراتي الصهيوني في جزيرة (زقر) بصاروخ باليستي لم يكشف الستار عن هويته بعد..
إنها المرة الأولى التي يعبر فيها باليستي يمني صوب جزيرة في الأرخبيل المائي المحاذي لمضيق باب المندب، ودلالة ذلك هي أن قواتنا العسكرية باتت في حلٍّ من التزام قواعد اشتباك التزمتها طيلة عمر المواجهات السابقة طواعية، لا سيما مع استمرار التواطؤ الدولي المؤازر لصبيانية تحالف العدوان غير الآبهة بقواعد اشتباك من أي نوع في اندفاعها المهووس لتحقيق خرق بحري بأي ثمن ولو على حساب أمن ممرات الملاحة البحرية العالمية.

تداعيات.. المدنيون مقابل (المدينة) أم العكس؟!
المؤكد والمرئي وغير الملتبس على الأذهان، هو أن اليمنيين شعباً وجيشاً ولجاناً وقيادة ثورية وسياسية، يخوضون المعركة الراهنة دفاعاً عن سيادتهم وحريتهم واستقلالهم، في مواجهة عدوان خارجي غير موارب ولا ملتبس هو الآخر، ويستهدف تركيع إرادة الحياة خارج قمقم الوصاية لدى الشعب اليمني، واحتلاله تراباً وقراراً، وتمزيقه جغرافية ونسيجاً اجتماعياً.
ورغم نصاعة حوافز طرفي الاشتباك العسكري (اليمن من جهة والعدوان الخارجي من جهة مقابلة)، إلا أن ارتهان المنظمة الأممية ونفاق العالم لا يزال يسدل ستارة مشروعية على فظاعة التحالف السعودي الأمريكي ومجازره المطردة بحق اليمن وشعبها، مفسحاً للجلاد المجال لتسويق نفسه بوصفه منقذاً ومخلِّصاً، في مقابل تصوير الضحية المعتدى عليها بوصفها جلاداً إرهابياً دخيلاً على ترابه وغازياً له، وهكذا تنمسخ الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية والعهود والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، إلى مجرد (أوراق تواليت) رخيصة ومبتذلة في خدمة مؤخرات بوارج تحالف العدوان وغرف عملياته، تنعت كل رد فعل دفاعي مشروع من الجانب اليمني، يطال هذه البوارج المعتدية، بـ(الإرهابي).
برعاية من هذا الابتذال العالمي، توافرت للإمارات، الصفاقة الكافية لتقديم السفينة الحربية (سويفت) التي دمرتها صاروخية الجيش واللجان، أكتوبر الفائت، في مظهر شهيدة بلا جريرة سوى مزاولة (أعمال إنسانية) لمصلحة الشعب اليمني، كما وصفت (الجامعة العربية ـ مجازاً)، في وقت سابق، ضربة توشكا على مركز قيادة تحالف العدوان في مأرب، بـ(عمل غادر)، وكما تصف وسائل إعلام العدوان والميديا العالمية الرديفة له مصرع البارجة السعودية الحربية على أيدي بواسلنا، بـ(عملية انتحارية إرهابية)، اليوم.
وانطلاقاً من هذه الروايات الصفيقة والمواربة لعجز ترسانة العدوان الحديثة أمام (جيش الحفاة)، يعمد التحالف السعودي الأمريكي إلى تسويغ مجازره بحق المدنيين (المستمرة أصلاً) باعتبارها (رداً) لا لازمة يومية من لوازم عدوانه طيلة عامين على الشعب اليمني، وبناه التحتية ومرافقه ومنشآته المدنية العامة والخاصة.
في هذا السياق غير المستغرب ولا المفاجئ، صعد تحالف العدوان من وتيرة قرصنته الفاضحة، فأسقط على (ميناء الحديدة) تلال إخفاقاته العسكرية، زاعماً أن الميناء (المدمر بنسبة 70% بفعل غارات طيرانه) استخدم كمنطلق لـ(الزوارق الانتحارية التي استهدفت المدينة)، وفق فبركاته.
ودون الاتكاء على مرجعية ما أو قواعد اشتباك عرفية، عدا نفاق العالم وتواطؤه، أعلن تحالف العدوان صراحةً أن كل سفينة تقترب من (ميناء الحديدة) ستكون هدفاً لنيرانه، علماً أن السفن المعدودة التي تقصد الميناء تخضع لتفتيش (أممي) تحصل بموجبه على تأشيرة مرور تحت مظلة القرار 2216، بيد أن قرصنة كهذه، مهما رفع التحالف سقف فظاعتها خارج هذا القرار، لا تستوجب تأنيباً له بالحد الأدنى من قبل المنظمة الأممية الغارقة حتى أذنيها في وحل أمواله القذرة.
يستهدف تحالف العدوان السعودي الأمريكي من شقلبة حقائق المواجهة على هذا النحو، تقويض المعنويات العالية للشارع اليمني وصموده وثقته المتنامية بكفاءة بواسل جيشنا ولجاننا ومشروعية المعركة التي يخوضها دفاعاً عن سيادته وكرامة شعبه وبتخويل من شعبه وبمرجعية من موجبات الانتماء للعقيدة والوطن.
هذه الثقة الشعبية وهذه المشروعية التي تزداد زخماً مع كل ضربة ناجعة يسددها مقاتلو جيشنا ولجاننا وبحريتنا وقوتنا الصاروخية للعدو، على غرار تدمير البارجة السعودية، الاثنين الفائت، أو سحق قوات الاحتلال الإماراتي الصهيوني في جزيرة (زقر) بالتزامن بضربة باليستية.
يحاول العدو أن يكرس لدى الشارع قناعة مغلوطة مفادها أنه (كلما صعد الجيش واللجان من ردوده الدفاعية على العدوان، ارتفعت كلفة ذلك على الشعب، وبات هدفاً أكثر فأكثر للمزيد من الخنق والحصار والتجويع)، وعليه فإن الرضوخ لمشروع العدوان هو الخيار الأسلم لتلافي المعاناة، كما يحاول العدو أن يوهم الشارع، بينما يؤمن شعبنا وشارعنا اليمني بأن الحقيقة هي على النقيض من هذه المعادلة الاستعمارية المختلة، وأن كفاءة الرد العسكري ورفع وتيرة الصمود الشعبي ورفد الجبهات بالنفيس من الأنفس والثمرات، هو السبيل الأمثل للخلاص أياً كانت الكلفة، فالعدو الذي يحاول فرض خياراته على شعبنا بقوة العتاد العسكري والنفوذ المالي العالمي، لا يكنُّ رحمة ولا شفقة لمن يضعف أمامه طلباً للسلامة.
لقد اجترأ العدو فشن عدوانه علينا، لاعتقاده بضعفنا وإمكان ابتلاعنا بيسر، فخابت حساباته أمام بسالة مقاتلينا وشجاعة ردنا العسكري، وهو يحاول عبثاً اليوم، أن يجعل من مستوى القوة الذي نمتلكه وتفاجأ به، مبعث قلق وخوف في نفوس اليمنيين، لا باعثاً على الاطمئنان والاعتداد والثقة في صوابية خيار خوض ملحمة الدفاع الوطنية الكبرى في وجه غطرسته وأطماعه حتى الاستقلال، مهما امتد عمر المواجهة.
في 26 مارس 2015، لم نكن نزاول هواية نسف الأبراج واقتحام المواقع ما وراء الحدود اليمنية السعودية، ولا اصطياد البارجات الحربية متعددة الجنسيات على امتداد سواحل البحرين الأحمر والعربي، ولا إطلاق الصواريخ الباليستية كتسلية في عمق مدن المملكة.
لقد كنا ـ بطبيعة الحال ـ شعباً انحاز لاستقلاله وحريته وسيادته على قراره وترابه، فأفاق على صواريخ البوارج وطائرات الـ(إف16)، تمطر منازله ومزارعه ومشافيه ومدارسه، واستيقظ على أهرام الأشلاء والأطراف المبتورة والأجساد المجندلة وضفائر وكراريس التلميذات وقد غاصت في نجيع الدم، فحمل السلاح ليذود وحوش الجو عن سماء وطنه وكلاب البر والبحر عن أرضه وعرضه وحرماته، وسواطير الإرهاب السعودي الأمريكي عن رقاب شعبه المستباحة بدعاوى (الرافضية والمجوسية والصفوية والانقلاب على الشرعية).
هذا ما كان وما سيستمر كائناً حتى النصر...
أجل، دفاعنا الساحلي (من أقوى الدفاعات في المنطقة ـ [واشنطن بوست])، كما أن على (الإمارات) أن تسيج نفسها بالدفاعات الجوية الروسية والأمريكية، فاحتمالات ردنا العسكري لن تبقى حبيسة محاذير أممية ودولية ينتهكها العدوان على مدار الساعة بلا توبيخ من أباطرة الإنسانية في الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والعالم الفسيح المنافق.