دعاء القادري/ لا ميديا -

مع استمرار العدوان والحصار تزداد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لليمنيين سوءاً يوماً تلو الآخر، ما يجعلهم يكابدون معاناة حقيقية جراء الغلاء والارتفاعات المطردة في الأسعار التي طالت كل شيء في الحياة؛ بما فيها التعليم بشقه الأهلي والخاص الذي شهد هذا العام ارتفاع كبيراً في الرسوم الدراسية.
فقد فوجئ عديد أولياء أمور، مع بداية العام الدراسي الجديد، بـقيام المدارس الأهلية برفع الرسوم الدراسية لهذا العام، دون مراعاة للظروف المعيشية السيئة التي تثقل كاهل الأسر اليمنية.
صحيفة «لا» أجرت تحقيقاً عن معاناة أولياء الأمور جراء ارتفاع الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية، ومدى قيام وزارة التربية والتعليم بدورها الإشرافي والرقابى على عمل ونشاط هذه المدارس، والجهود المطلوبة من الوزارة لتخفيف حدة هذه المعاناة.

550 مدرسة أهلية في العاصمة
رغم أن تجربة التعليم الأهلي في اليمن حديثة نسبياً إلا أنها شهدت تنامياً متسارعاً في السنوات الأخيرة، حيث يوجد في أمانة العاصمة لوحدها ما يفوق 500 مدرسة أهلية، بحسب حديث الأخ حميد عبده قطران، نائب مدير مكتب التربية بأمانة العاصمة، الذي قال: «بحسب إحصاءات عامي 2017 و2018 يبلغ عدد المدارس الأهلية 550 مدرسة تقريباً، تنطبق عليها الشروط التربوية».
المدارس الأهلية هي استثمار في الازدحام الشديد الذي تعاني منه المدارس الحكومية جراء تزايد أعداد الملتحقين بالتعليم دون ازدياد مواكب في المباني المدرسية التي ظلت على حالها، ما جعلها تعاني من ضغط شديد، فكانت المدارس الأهلية بمثابة وسيلة لتخفيف العبء عن المدارس الحكومية، وهذا هو الهدف الأساسي من إنشائها.
كما برزت الحاجة أكثر للمدارس الأهلية في السنوات الأخيرة مع تعرض عدد كبير من المدارس الحكومية للتدمير من قبل العدوان، فكانت المدارس الأهلية هي البديل المناسب للدراسة، حسب قول الأخت سلوى شعيب، المستشارة بوزارة التربية والتعليم، التي أردفت بالقول: «أما الآن فوضع المدارس الحكومية بدأ بالتعافي من آثار العدوان».

رسوم خيالية
الارتفاعات السنوية المطردة للرسوم الدراسية في المدارس الأهلية تمثل عبئاً كبيراً يثقل كاهل الأهالي، خاصة في ظل الأوضاع المعيشية الراهنة.
محمد الحميدي (موظف) التقيناه وهو يغادر المدرسة التي يريد تسجيل أبنائه للدراسة فيها، وكانت حالة من الانزعاج بادية بوضوح على وجهه، ليكشف عن سبب انزعاجه بالقول: «رسوم الدراسة مرتفعة ومستوى دخلي لا يسمح».
وهو ما يؤكده مطهر اليوسفي (رب أسرة)، حيث قال: «كثرت علينا الديون بسبب الارتفاع المستمر في أسعار كل شيء، حتى الرسوم الدراسية تشهد ارتفاعاً مستمراً في كل سنة عن سابقتها».
من جهتها أم أحمد العواضي تعبر عن سخطها من ارتفاع رسوم الدراسة هذا العام والتي تفوق طاقة الجميع، حيث قالت: «رغم أن زوجي مغترب ويرسل لنا ما يكفينا للعيش، إلا أن الرسوم الدراسية هذا العام أصبحت أكثر مما كانت عليه العام الماضي، وتفوق طاقة تحملنا».
أما نجوى مرشد (موظفة قطاع خاص) فلم تجد أمامها سوى البحث عن طريقة ما لمجاراة الارتفاع الجنوني لرسوم التعليم في المدارس الأهلية هذا العام، حيث تقول: «اضطررت لتقديم طلب سلفة مالية من إدارة الشركة التي أعمل فيها حتى أستطيع أن أستوفي الرسوم المطلوبة»، مضيفة: «للأسف، الأسعار تزيد سنة بعد سنة».

مفاوضات لأقل الخسائر
مع ارتفاع أسعار الرسوم الدراسية يلجأ البعض إلى التفاوض مع إدارات المدارس الأهلية في محاولة للحصول على تخفيضات وإن كانت بسيطة، إلا أنها من وجهة نظرهم أفضل من لا شيء، خاصة عندما يكون لولي الأمر أكثر من ثلاثة أبناء في المدرسة الواحدة.
أحمد الزعيم (رب أسرة) يقول: «فوجئت باستمارات التسجيل التي تضمنت هذا العام مبالغ فلكية كرسوم للتسجيل مقارنة بما كانت عليه في العام الماضي، مما اضطرني إلى مقابلة مدير المدرسة والتفاهم معه لتخفيض الرسوم إلى الحد المعقول».

البحث عن الأنسب
أمام هذه المشكلة يلجأ البعض إلى خيارات أخرى في مساعيهم للحصول على رسوم دراسية تناسب ظروفهم المعيشية، ومن هؤلاء أم أكرم البريهي (ربة بيت) التي حضرت مع ابنتيها الصغيرتين لتسجيلهما في المدرسة، حيث أبدت استغرابها من ارتفاع رسوم الدراسة هذه السنة التي تضاعفت عن العام السابق، حسب قولها، مضيفة أن بناتها صغيرات وفي الفصول الأولى للتعليم والرسوم مرتفعة جداً، «لذا أفكر بنقل ملفاتهن إلى مدرسة أخرى تكون 

رسوم الدراسة فيها مناسبة».
وهي الخطوة ذاتها التي أقدمت عليها خديجة السلامي (أم لأربعة أطفال)، حيث أشارت إلى أنها اضطرت إلى نقل ملفات أطفالها من مدرستهم السابقة إلى مدرسة أخرى بحثاً عن رسوم مناسبة لهم.

المال قبل التعليم
يشتكي العديد من المواطنين من أن بعض المدارس الأهلية تستغل رغبتهم في تدريس أبنائهم في مؤسسات التعليم الأهلي بفرض رسوم دراسية مبالغ فيها، إضافة إلى مبالغ أخرى كأجور نقل (باصات) وأنشطة وحفلات ورحلات، وهي مسميات الهدف منها ـبحسب بعض أولياء الأمورـ جني المزيد من المال.
أولياء الأمور الذين التقينا بهم أكدوا أن ارتفاع الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية هذا العام لا يراعي بأي حال من الأحوال الظروف الاقتصادية المتدنية التي يعيشها اليمنيون بسبب العدوان والحصار.
وزارة التربية والتعليم، ورغم أن قانون تنظيم التعليم الأهلي والخاص يمنحها الحق في اعتماد مقدار الرسوم المدرسية، إلا أنها وبحسب الكثيرين لا تقوم بأي شيء في هذه المسألة، وهو ما أطلق العنان للمدارس الأهلية لتفرض ما تشاء من رسوم دون مراعاة أية معايير أو ظروف معيشية أو غيرها.
ورغم أن هناك تفاوتاً في الرسوم الدراسية من مدرسة إلى أخرى، إلَّا أنها تظل مبالغ باهظة، فالحد الأدنى للرسوم لا يقل عن 100 ألف ريال للتلميذ في الصفوف الأولى الأساسية، بينما الحد الأعلى يفوق الـ200 ألف ريال كرسوم لسنة دراسية واحدة.
غير أن عدداً من إدارات المدارس الأهلية تعتبر أن ارتفاع الرسوم الدراسية أمر منطقي وطبيعي، متحججة بالعديد من المبررات، فبعضها تقول بأنه انعكاس للأوضاع المعيشية السائدة، والبعض الآخر ترجع السبب إلى ما تعانيه من زيادة في الإيجارات وارتفاع تكلفة المشتريات، التي ترى أنها وصلت إلى أسعار خيالية، بينما القليل فقط منها تعمل جاهدة لمراعاة الظروف المعيشية واعتماد الرسوم الدراسية التي تتناسب معها.
وزارة التربية والتعليم، ورغم امتلاكها الحق القانوني في تحديد مقدار الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية، إلا أنها تظهر وكأنها غير معنية بكبح جماح ارتفاعها المهول، حيث يقول حميد عبده قطران، نائب مدير مكتب التربية بأمانة العاصمة: «نحن لم نغلق أبواب المدارس الحكومية، إضافة إلى أن المدارس الأهلية قطاع خاص، كما أنها متعددة ويمكن اختيار الأفضل تعليماً والأقل رسوما».

دور «التربية» غائب
العديد من التقارير الدولية تؤكد أن التعليم الأهلي عموماً لا 
يساهم بشيء يذكر تجاه العملية التعليمية في اليمن. كما أن الفكرة السائدة عن المدارس الأهلية لدى العامة تقول بأن هذه المدارس ليست سوى مشاريع استثمارية هدفها الأساسي هو الربح المادي، ولا تأبه للمسألة التربوية والتعليمية.
فالملاحظ أن أغلب هذه المدارس تفتقر لبعض أو كل المعايير المطلوب توافرها، مثل المبنى والبيئة التعليمية المناسبين والتجهيزات والكـــــادر المؤهل وغيرها من المعاييـــــــــر والشروط الواردة في قانون تنظيم التعليم الأهلي، وهو ما يعزوه الكثيرون إلى تراخي وزارة التربية في ممارسة دورها المخول لها بالقانون في الإشراف على هذه المدارس، ومراقبة مدى التزامها بالشروط والمعايير المطلوبة. غير أن قطران، نائب مدير مكتب التربية بأمانة العاصمة، يؤكد وجود الرقابة الوزارية على المدارس الأهلية، حيث يقول: «لدينا رقابة عبر موجهين ينزلون للميدان، وأيضاً مفتشين ماليين وإداريين، إلى جانب المشاركة المجتمعية مع أولياء الأمور ومجالس الآباء والأمهات».
ويستطرد: «في حالة وجود تجاوزات أو مخالفات نقوم بمخاطبة السلطة المحلية ومكتب التربية في المديرية باتخاد الإجراءات القانونية كإغلاق المدرسة وسحب الترخيص أو توجيه إنذار أو لفت نظر إداري للمدرسة المخالفة وذلك حسب نوع المخالفة».

استغلال بمبالغ زهيدة
تؤكد غالبية المدارس الأهلية أن الكوادر التدريسية فيها مؤهلة علمياً وتحمل شهادات جامعية، كما أنها لا تقبل المعلمين الجدد إلا بعد إخضاعهم لاختبارات تقييمية وعلى ضوء نتائجها يتم تأهيلهم من خلال دورات تدريبية وتنشيطية.
غير أن الواقع يقول بأن هذه المدارس لا تمتلك كوادر تدريسية خاصة بها، بل تعتمد بشكل شبه كامل في تغطية احتياجاتها على كوادر المدارس الحكومية، وبالتالي فإن هذه المدارس وبدلاً من أن تقوم بتخفيف العبء على «الحكومية» نجد أنها تؤثر عليها سلباً، سواء بالاستيلاء على كوادرها التدريسية أو استهلاك مجهوداتهم على حساب عملهم في «الحكومية»، كل ذلك مقابل مبالغ زهيدة لا تتناسب مع ما يبذلونه من مجهود والتزام منقطع النظير.
ووفقاً لمتابعين فإن المدارس الأهلية تقوم باستغلال المعلمين الذين يدرسون فيها، حيث يعملون مقابل مبالغ تتراوح بين 20 ـ 30 ألف ريال فقط كراتب شهري، ويتحجج مدراء المدارس الأهلية بأن الأمر يتم وفق عقد عمل يتضمن مبلغ الراتب، وللمعلم الحق في الموافقة على العقد والتوقيع عليه أو الرفض.

المعلم يتحمل المسؤولية
قانون تنظيم التعليم الأهلي والخاص ينص على أن وزارة التربية لا تتحمل «أي مسؤولية متصلة بحقوق العاملين والمتعاقدين مع مؤسسات التعليم الأهلية والخاصة، ولا تتحمل أي تبعات عما يمكن أن يحدث في تلك المؤسسات من مشكلات مالية...».
ورغم أن القانون يعفي وزارة التربية من أي مسؤولية متصلة بحقوق المدرسين في المدارس الأهلية، ويترك الأمر منوطاً بالاتفاق والتوافق بين المعلم وإدارة المدرسة، إلا أن اللائحة المنظمة للتعليم الأهلي تحتوي بنوداً تتضمن الأجر المناسب للمعلم، بحسب حديث نائب مدير مكتب التربية بالأمانة، الذي أضاف: «في حال قبول المعلم بأجر متدنٍّ، فهو من يتحمل مسؤولية نفسه، لأنه هو من وقع على العقد، حتى لو لم يكن في صالحه. هذه مسؤولية شخصية تقع عليه».
أما بخصوص ما إذا كان هناك شكاوى تصل إليهم من معلمين بشأن تدني مرتباتهم أو فرض غرامات مالية بحقهم حال قرروا ترك التدريس في المدارس الأهلية، أكد قطران أن ما يصلهم من شكاوى من بعض المدارس تقتصر على سوء تنظيم العلاقة بين المعلم وإدارة المدرسة ونقوم بحلها في مجال اختصاصنا، أما بشأن تدني المرتبات فكما قلت سابقاً، المعلم هو من يتحمل المسؤولية، فلا أحد يجبره على توقيع عقد مجحف بحقه».

إشعارنا قبل شهر
عقد العمل في المدارس الأهلية غالباً ما تكون مدته سنة واحدة فقط، مع قابلية التجديد كل سنة، بحسب رغبة المعلم في الاستمرار بالعمل لدى المدرسة.
وحول ما إذا كانت بعض المدارس الأهلية تقوم بفرض غرامة مالية على أي مدرس يقرر ترك العمل من المدرسة قبل انتهاء مدة عقده، فقد نفت إدارات المدارس الأهلية ذلك، إلا أنها تشترط على مدرس يريد إنهاء عمله لديها أن يقوم بإشعارهم برغبته بالخروج من العمل معهم قبل شهر من تركه للعمل في المدرسة وذلك -بحسب قولها- «فاظاً على حقوق الطلاب وحتى نستطيع أن نوجد معلماً آخر بدلاً عنه».
بحسب العديد من أولياء الأمور فإن الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية لا تراعي الظروف الاقتصادية المتدنية للمواطنين التي تسبب بها العدوان الغاشم والحصار الجائر على بلادنا، مناشدين وزارة التربية والتعليم التحرك الجاد لحماية المواطن من الاستغلال الذي تمارسه هذه المدارس في حقهم، وذلك بالتدخل لتحديد الرسوم الدراسية وتوحيدها بما يتناسب مع الوضع المعيشي للمواطن.
كما أن المهتمين بالعملية التعليمية يرون ضرورة أن تقوم الوزارة بممارسة دورها في الإشراف والرقابة على هذه المدارس، خاصة مع افتقار العديد منها للمعايير والمواصفات التربوية المطلوبة، سواء في المباني غير المناسبة أو في التجهيزات والمرافق التعليمية أو المستوى الدراسي والتعليمي المتدني فيها.