كريستيان فايسفلوج/ بيروت
ترجمة خاصة عن الألمانية:نشوان دماج / لا ميديا -

قبل خمس سنوات، شنت السعودية حربها في اليمن لطرد المتمردين الحوثيين من العاصمة صنعاء. كان المتوقع إلحاق الهزيمة بهم في غضون أسابيع قليلة. غير أن المليشيا المدعومة من إيران هي اليوم أقوى من أي وقت مضى، بينما ينفد المال من السعوديين.
قبل خمس سنوات، قرر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والإمارات، التدخل عسكريا في اليمن. كان ابن سلمان حينها في الـ29 من عمره، وكان وزيراً للدفاع لبضعة أسابيع فقط. كان مديناً بمنصبه ذاك لوالده الملك سلمان، الذي اعتلى العرش السعودي في يناير 2015. في نهاية مارس، شنت مقاتلات سعودية، وبدعم لوجستي من الولايات المتحدة، عمليات هجومية على مواقع المتمردين الحوثيين في اليمن.
قبل ذلك بأشهر، كان الحوثيون، المتعاطفون مع إيران، قد استولوا على العاصمة صنعاء، وطردوا حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، واحتلوا أجزاء واسعة من البلاد، حتى وصلوا ميناء عدن، جنوب البلاد. أراد ابن سلمان، من خلال حملة خاطفة، ثنيهم عن ذلك، وإعادة حكومة هادي إلى السلطة في صنعاء.
لكن الهدف المعلن للحرب أصبح بعد خمس سنوات غير واقعي تماما. صحيح أنه أمكن طرد الحوثيين من المناطق الساحلية الجنوبية، لكنهم مازالوا يسيطرون على العاصمة ويواصلون زحوفاتهم بشكل متصاعد في الشمال. أما ثمن الحرب فيدفعه السكان المدنيون؛ إذ إن أكثر من 12 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية، والبلد في حالة دمار.

صواريخ على الرياض
ليلة الأحد، احتفل المتمردون بمرور أشهر من إطلاقهم الصواريخ على العاصمة السعودية الرياض للمرة الأولى. تم اعتراض المقذوفات، ويبدو أن شظاياها المتساقطة أصابت مدنيين اثنين بجروح طفيفة. كان الضرر المباشر طفيفاً، إلا أن الحدث أوضح بجلاء إلى أي مدى أصبحت الحرب في اليمن مردودة على السعودية.
القوات الحكومية اليمنية المدعومة من الرياض وجدت نفسها في حالة دفاع. ففي الأسابيع الأخيرة احتل الحوثيون عاصمة محافظة الجوف، المتاخمة للسعودية في الشمال. وقد تكون وجهتهم التالية منطقة مأرب الغنية بالنفط جنوباً. وينبغي للحوثيين التفاوض مسبقا مع القبائل هناك للاستيلاء عليها سلمياً. 
وكم هو عالٍ مستوى الثقة بالنفس الذي أظهرته الحركة "الحوثية" الأسبوع الماضي في خطاب متلفز لقائدها عبد الملك الحوثي، حيث اقترح فيه الإفراج عن خمسة من أسرى الحرب السعوديين مقابل تعليق الرياض دعوى قضائية ضد أكثر من 60 فلسطينياً كان قد تم اعتقالهم منذ عام في السعودية بتهمة الإرهاب، لأنهم يدعمون حماس، المسيطرة على قطاع غزة. وقال زعيم الحوثيين إن حركته متضامنة مع "القضية المشروعة للفلسطينيين"، وأن "النظامين في السعودية والإمارات مع الأسف سيئان كإسرائيل".
هذه الخطوة بمثابة تعارُضٍ مع ولي العهد السعودي ابن سلمان، الذي يحافظ على علاقة وثيقة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويُظهر تقاربا مع "إسرائيل"، ولا يخشى انتقاد الفلسطينيين. كما أن خطاب زعيم الحوثيين يكشف مدى رؤية حركته إلى نفسها بأنها جزء من "محور المقاومة" الإيراني ضد "إسرائيل" والولايات المتحدة، والذي يمتد من العراق إلى سوريا وإلى حزب الله في لبنان.

معجب بالثورة الإسلامية
كان حسين بدر الدين الحوثي، الذي أسس حركة المقاومة في التسعينيات، معجباً بالثورة الإسلامية في إيران، ورافضا لنظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي طالت فترة حكمه. بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، وضع هذا الرئيس نفسه كحليف للولايات المتحدة، وسمح للطائرات الأمريكية بدون طيار أن تشن غارات ضد "القاعدة" في اليمن.
ومع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أصبح الحوثيون أكثر راديكالية. كان شعارهم قد أصبح: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام!". بعد ذلك بعام واحد، قُتل حسين بدر الدين على يد قوات صالح. ومنذ ذلك الحين تزعّم الحركة شقيقه عبد الملك.
من منظور سعودي، فإن الحوثيين صناعة إيرانية. غير أن قربهم الأيديولوجي من طهران لا يجعلهم بمثابة دمى للإيرانيين. "الحوثيون ليسوا ممثلين لإيران على الإطلاق"، بحسب الخبيرة البريطانية هيلين لاكنر، التي عاشت وعملت في اليمن لفترة طويلة. تقول لاكنر، في مقابلة معها، إن قوة الحوثيين تكمن في المقام الأول في قدراتهم العسكرية التي اكتسبوها في ست حروب ضد نظام صالح منذ عام 2004.

الحنين إلى الامتداد القديم
إن قبائل الشمال، التي ينتمي إليها الحوثيون، هي من أتباع المذهب الزيدي، أحد المذاهب الشيعية. كان الأئمة الزيدية قد حكموا شمال اليمن لقرون. ثم إذا بالثورة الجمهورية عام 1962 تقضي فجأة على حكم سلالتهم. أضر فقدان السلطة بالزيديين أكثر فأكثر؛ ذلك لأن السعودية أخذت منذ الثمانينيات تروج لنشر معتقداتها السلفية الوهابية في اليمن عن طريق الكثير من المال.
عمل ذلك على تأجيج التيارات المسلحة في أوساط الزيديين، بمن في ذلك الحوثيون. ويستغل هؤلاء بذكاء تذمر الزيديين لحشد أتباع جدد. ويعتقد بعض المراقبين أن عبد الملك الحوثي يريد إقامة إمامة مرة أخرى في اليمن. وبذلك، فإن الحوثيين يتم دعمهم من إيران.
حين استولى الحوثيون على السلطة، فهموا أيضا كيفية استثمار الوقت لصالحهم. وليس التحالف مع إيران، بل الاتفاق مع عدوهم اللدود السابق (صالح) هو الذي مكنهم من الاستيلاء على السلطة في صنعاء عام 2015، والتوجه إلى عدن. في 2011، توجب على صالح، الذي ظل يحكم منذ عام 1978، أن يستقيل بعد أشهر من الاحتجاجات في أعقاب الربيع العربي، ليتولى نائبه هادي السلطة بوساطة سعودية.
إلا أن صالح، في سبتمبر 2014، تعاون مع الحوثيين للانقلاب على الرئيس الجديد. فكان لغالبية الجيش، بما فيها الحرس الجمهوري المجهز من قبل السعوديين والأمريكيين، أن يتبع صالح. استمر التحالف بين الحوثي وصالح عدة سنوات، بحيث لم ينقلب الشريكان غير المتكافئين على بعضهما إلا في خريف 2017، لينتهى صراع السلطة بمقتل الرئيس السابق.
بعد مقتل صالح في ديسمبر 2017، توقع العديد من الخبراء أن تنقلب قبائل هامة ضد الحوثيين. لكن ذلك لم يحدث. "كان الحوثيون قد وضعوا جميع الأجهزة الأمنية المهمة تحت سيطرتهم"، توضح لاكنر. كما أن العديد من القبائل حولت ولاءها من صالح إلى الحوثيين.
نمت مساعدة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني بشكل ملحوظ خلال الحرب. وشملت التدريب العسكري وتوفير الوقود والأسلحة والتدريب على تطوير صواريخ وطائرات بدون طيار ذاتية. كان ذلك الدعم، بالنسبة للولايات المتحدة والسعودية، بمثابة شوكة في العين. وعندما اغتالت الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد، أوائل يناير، قامت أيضا باستهداف القائد الإيراني عبد الرضا شحلاي في اليمن. إلا أن العملية لم تنجح.

الجنوب الفوضى
إن قوة الحوثيين تكمن أيضاً في ضعف خصومهم. فالسعودية تشن حربها في اليمن في المقام الأول من الجو، في حين أن الإمارات وقواتها المدربة خاضت المعركة في المقام الأول على الأرض. ومنذ العام الماضي، قلصت الإمارات وجودها بشكل كبير، موكلة القتال ضد الحوثيين، بدرجة كبيرة، إلى السعودية. ومع ذلك، لا تزال الإمارات تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يريد تأسيس دولته الخاصة في جنوب البلاد. وهكذا فإن أبوظبي تقوض هدف الرياض في إعادة الرئيس هادي إلى السلطة.
إن الحركة الانفصالية في الجنوب متنوعة للغاية. وبحسب لاكنر فإنه "إذا أعيد إقامة جنوب اليمن ضمن حدود ما قبل عام 1990، فإن الجماعات الانفصالية العديدة ستبدأ حرباً فيما بينها". ويظهر أحدث تقرير للأمم المتحدة مدى فوضى الوضع هناك. وبالتالي، فإن إحدى أهم طرق التهريب الحوثية شرقا مع الحدود العمانية الممتدة لمئات الكيلومترات تمر عبر مناطق تقع تحت سيطرة الحكومة.
أصبحت الحرب في اليمن بالنسبة للسعودية بمثابة فيتنام. فلقد كلفت المملكة ربما مئات المليارات من الدولارات، ولم تجعلها أكثر أماناً. كما أن الرياض، بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط، لم تعد قادرة على تحمل المغامرة. فعلى الأقل منذ الهجمات المدمرة للطائرات بدون طيار والصواريخ على منشآتهم النفطية في سبتمبر، وخالد بن سلمان، شقيق ولي العهد السعودي، يتفاوض بجدية مع الحوثيين حول حل سياسي للصراع.
تعتقد لاكنر أن "السعودية تريد الخروج. وسيقبلون بأي حل يمنحهم سيطرة معقولة على حدودهم". لكن السؤال هو ما إذا كان الحوثيون يريدون حقاً إنهاء الحرب. ذلك لأن أيديولوجيتهم وسبب وجودهم قائمان على رواية المقاومة الدائمة. فـ"الحرب أكثر فائدة بالنسبة للحوثيين".

الموقع: (Neue Zürcher Zeitung) صحيفة سويسرية يومية تصدر باللغة الألمانية.
3 أبريل 2020