حاوره: توفيق عثمان الشرعبي / لا ميديا -

أن تكشف جانبا مشرقاً آخر لقائد أمني بارز، مهمة ليست سهلة، ولكنها شائقة جداً.
وعندما يكون رجل الأمن الأول رتبةً ومنصباً على علاقة بالكلمة.. بالحرف، فقد كسبت الثقافة والأمن.
إنه الفريق الركن جلال علي الرويشان، نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، الذي كشف لصحيفة «لا» عن تجربة ثقافية ثرية تفيض بالإبداع.. متعدد المواهب.. يعمل بهدوء وتواضع.
كاتب وروائي متمكن، وصاحب قلم مترع بهموم وطن ومعاناة شعب.
تفاصيل ماتعة لرجل قوي في الحرف والحرب في سياق الحوار المائز:

أولى خطوات البوح
 نبدأ معك أستاذ جلال الرويشان من إطلاع القارئ الكريم على بداياتك مع الكتابة الأدبية؟
في البداية أشكر صحيفة «لا» على إتاحة هذه الفرصة.. والحقيقة أن الكتابة هي لغة التعبير عن الذات، البوح عن المشاعر، وبداياتي مع الكتابة بشكل عام انطلقت من أن أبي (رحمه الله) كان يمتلك مكتبة صغيرة، وكان يكتب كل ما يخطر بباله وكل ما يحيط به من أحداث وحوادث، وقد أصدرها في كتاب عام 1997م بعنوان «شهادة من الريف»، نفدت طبعته الأولى، ويتم بحث إمكانية إضافة ما تركه أبي من أوراق وكتابات شخصية وإعادة طباعته.
ومن تلك المكتبة الصغيرة التي كان يمتلكها والدي نهلت المعارف الأولى، وتلمست أولى الخطوات في عالم الكتابة.. وأما الكتابة بمفهومها الأدبي، فذلك شرفٌ لا أدعيه، فأنا في عالم الكتابة الأدبية مجرد هاوٍ يحاول جاهداً أن يخوض عباب هذا البحر في محاولات محدودة أقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها جهد المُقلَّ.

فوبيا التنافض بين المثقف والسلطة
 جميعنا ندرك أن المثقف الكاتب في العالم الثالث يخشى عند كتابة نصه الرقابة الأمنية.. السؤال بهذا الخصوص ماذا عن جلال الكاتب أمام رقابة جلال الأمني؟
الحقيقة أن إشكالية التضاد والتعارض والتناقض الفكري بين المثقف والسلطة أو بين الكاتب والنظام السياسي، هي إشكالية متجذرة في تاريخنا العربي والإسلامي منذ القدم.. وقد تعمقت هذه الظاهرة حتى أصبحت أشبه ما تكون بالفوبيا الملازمة لتفكير الحاكم والمثقف على حدٍّ سواء.. وتجاوز كل منهما حدود تقديره للموقف، فأوغل الحاكم أو الرقيب في قمع الحريات ومصادرة الرأي، وبالمقابل أفرط المثقف في عداوته للحاكم حتى ألحق الضرر بالنظام العام والمصلحة العامة.. وللأسف أن هذه الظاهرة تنتشر وتتعمق في دول العالم الثالث بشكل أكبر ـ كما ورد في سؤالك ـ وهي إحدى النتائج المتوقعة بفعل عوامل الصراع السياسي والتدخلات الخارجية والظروف الاقتصادية الصعبة.. ولحل هذه الإشكالية يجب على الطرفين (السلطة والمثقف ـ الرقيب والكاتب) أن يجعلا من النظام العام والمصلحة العامة وسيادة القانون معايير وقواعد ملزمة توازن بين الحفاظ على النظام العام وتحقيق المصلحة العامة وتنفيذ القانون وضمان حرية الفكر والرأي وحقوق الإنسان، ويسهم المثقف والكاتب من خلال هذه القواعد بدور فعال في النقد والرقابة المجتمعية وتصحيح المسار.

تنوع المؤثرات يخلق تعدداً ثقافياً
  رجل الأمن يسيطر بثقة على عالمه، فهل يتقمص جلال الروائي، جلال الأمني، أثناء الكتابة للسيطرة على النص الأدبي؟
لا يستطيع الكاتب ـ أياً كان النمط الذي يكتب به ـ أن يكتب دون أن ينجذب ـ بقصد أو بدون قصد ـ إلى مؤثرات المحيط العملي والاجتماعي والثقافي الذي يعيش معه وفيه.. والقضية هنا ليست تقمُّصاً أو تمثيلاً، وليستا شخصيتين تتنازعان وتتجاذبان التوجه في الكتابة أو التعبير عن الرأي، وإنما هما شخصيتان متكاملتان.. والتأثر أو الانجذاب إلى المهنة أو المسؤولية خلال ممارسة الكتابة مسألة نسبية تقل وتزداد بفعل الانفتاح على الثقافات، وتكثيف القراءة والاطلاع وحجم ومستوى المعرفة والمعلومات العامة.. كما أن سيطرة العمل والبيئة المحيطة على نمط واتجاهات وتوجهات الكاتب قد لا تكون صفة سلبية في معظم الحالات، وإيجابيتها تكمن في التنوع والتعدد الثقافي الذي يبرز من خلال تعدد وتنوع المؤثرات العملية والاجتماعية المحيطة بالكاتب والمثقف،
 فنحن أساساً أمام مجتمعات متنوعة ومتعددة الثقافات ـ وهذه سنة الله التي خلق الناس عليها ـ كما أن الكتابة ليست مجرد مهنة أو وظيفة نمطية تؤدى بعيداً عن التأثيرات والمؤثرات المحيطة. هي طريقة للتعبير عن الرأي في القضايا التي يعيشها ويعايشها الكاتب. 

أميل كثيراً إلى الواقعية
  إلى أي حد ينحاز جلال الرويشان للواقع عند كتابته الأدبية؟
الواقع هو عكس الخيال، وهناك نمط من الكتابات الأدبية يتناول الخيال المطلق الذي لا علاقة له بالواقع مثل قصص وروايات الخيال العلمي، وهي منطقية لأن العلم يُفاجئنا كل يوم بجديد، وهناك نمط أدبي يخلط بين الواقع والخيال، والخيال في هذا النمط قد يكون بمفهوم الحلم، الأمل. تخيُّل المستقبل كما يحب الكاتب أن يكون.. ولكي تكون كتاباتك مفهومة، ولكي تؤدي الغرض الذي دفعك للكتابة، لا بد أن تكون كتاباتك أقرب للواقع.. وأنا أميل كثيراً إلى الكتابة الواقعية، بعيداً عن الرمزية المفرطة وبعيداً عن الخيال.. أستهدف القارئ العادي وليس القارئ المثقف أو الناقد المتمكن أو المتذوق الحصيف، وبالتالي فأنا أكتب بطريقة سردية أقرب ما تكون إلى الحكاية أو السيرة الشعبية.. وهذا النمط من الكتابة قد لا يرى فيه الناقد الأدبي أو المثقف شيئاً جديداً أو مبهراً أو ملفتاً للانتباه. وهذا صحيح، ولكنها تستهوي القارئ البسيط المرتبط بالبيئة الجغرافية والتكوين الاجتماعي المباشر، المواطن العادي، الفلاح، متوسط الثقافة.. وهذا هو الأعم الأغلب في بلادنا.. والكتابة الواقعية ـ وبالذات في مجال الرواية ـ هي الأنسب، هي صورة متحركة تنقلها للناس عن وطنك، عن قريتك، عن مجتمعك.. هي مجموعة مشاعر وأحاسيس وهموم وأفراح وأتراح تنقلها للقارئ بأسلوب أدبي.. فكيف يمكن نقل هذه الصور الحسِّية والمعنوية إن لم تكن الكتابة واقعية؟!
إذن، يجب على الكاتب أن ينحاز إلى الواقع ويحلله وينقل رسالته للمتلقي من خلاله.. وهذا ما أؤيده وأذهب إليه.

رجل الأمن سرق روايتي الأولى
 من خلال اطلاعك على عالم الجريمة كرجل أمن بارز، هل أوحى لك ذلك كتابة الرواية البوليسية؟
الروايات البوليسية من أكثر أنواع الروايات إثارةً وتشويقاً وجذباً للقارئ. فهي في الأساس سباق بين الخير والشر وبين الحق والباطل وبين المجرم ورجل الشرطة، ويكتنف معلوماتها وسياقها السردي الغموض والمغامرة والتوقعات المتشابكة والرغبة في كشف المآلات النهائية لها. وغالباً ما يستهوي هذا النمط من الروايات فئة الشباب بالتحديد.. وانطلاقاً من علاقة التأثير المهني ربما كان هذا هو موضوع روايتي الأولى «من مأرب إلى طشقند».
غير أن ما تجدر الإشارة إليه حول هذه الرواية هو أنني حاولت من خلالها إبراز عادات وتقاليد وتركيبة المجتمع القبلي البدوي في مأرب. فبرغم أن السلطات الأمنية الرسمية قامت بدور كبير في متابعة الجريمة (موضوع الرواية)، وكشف خيوطها، وتعقب الجاني، إلا أن الدور الذي ركزت عليه الرواية في سياقها السردي هو دور أبناء القبيلة (الأشراف) ومعهم قبائل عبيدة ـ كمُكوِّن اجتماعي متعاون ومترابط ـ في الوصول إلى هدفهم برغم التعقيدات والإشكاليات التي واجهتهم داخل البلاد وخارجها.
والحقيقة أن القصص والروايات البوليسية وعالم الجريمة ومكافحتها عالمٌ خصب ومصدر إلهام للكتابة، ويسهم بشكل كبير في دراسة الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالجريمة والتوعية بمخاطرها ومكافحتها.
وعلى سبيل المثال، لقد اشتهر الصحفي الراحل وعضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، حسين عبدالله كريش، منذ 30 عاماً، بكتاباته المتخصصة في عالم الجريمة والقصص البوليسية القصيرة. وكانت كتاباته تلك علامات متميزة في الصحف التي كان يكتب فيها.. ولو أنها جُمعت في كتاب لكانت مرجعاً أدبياً لا نظير له. 

الهجرة أكثر الظواهر أثراً وتأثيراً
 في روايتكم «الصخور المهاجرة» وقفتم على ظاهرة يمنية مأساوية.. لماذا الهجرة تحديداً استوقفتكم لكتابة رواية عنها دون غيرها من الظواهر الأخرى على كثرتها..؟
لكل رواية ـ وفق بناء وبُنية الرواية، أو بحسب المفهوم النقدي ـ مكانٌ وزمان، وهذان العنصران هما اللذان يحددان فكرة وبُنية الرواية.
وفي رواية «الصخور المهاجرة»، يبرز المكان بوضوح في القرية اليمنية التي تعاني من ظروف وعوامل اقتصادية واجتماعية متعددة. ويبرز الزمان في الفترة الزمنية الممتدة خلال النصف الثاني من القرن الماضي. وفيها محاولة ـ إلى حدٍّ ما ـ لرصد التحولات السياسية التي مرت بها البلاد في رمزية «القرية».. وكانت فكرتها الرئيسية بالفعل هي الهجرة، والهجرة أو الغُربة ـ كما هي التسمية الشائعة في مجتمعنا ـ ظاهرة اجتماعية لصيقة بالإنسان اليمني منذ القدم، وكأن مقولة «تفرقت أيدي سبأ» لا تنفك أن تتكرر في تاريخنا القديم والحديث والمعاصر.. والرواية محاولة أيضاً للإجابة على عدد من الأسئلة التي لم نقف عليها كيمنيين.. لماذا نهاجر؟! ولماذا نعود من الغُربة بخُفَّي حُنين، كما يُقال؟ اليمن ليست طاردة، لكننا نُغادر.. والموارد ليست شحيحة، لكننا نُهاجر.. وبلادنا من أجمل بلدان العالم، لكننا نُسافر، وعلى سبيل المثال، نحن مجتمع زراعي، ولدينا جغرافيا زراعية وعوامل تساعد على استمرار الإنتاج الزراعي طوال العام.. ولدينا من الموارد الطبيعية ما يسمح ببناء عشرات المصانع للأسمنت والزجاج ومواد البناء.. ولدينا من الآثار والتراث والتاريخ والحصون والقلاع وجمال الطبيعة وتنوعها ما يمكن أن يوفر الآلاف من فرص العمل ويدعم الاقتصاد بكميات ضخمة من العملة الصعبة.. ناهيك عن الثروات الطبيعية الأخرى.. لقد ناقشت الرواية عوامل وأسباب هجرة جيلين متعاقبين، وكانت هي نفس العوامل والأسباب في الجيلين، كأن شيئاً لم يتغير، وكأننا كشعب لم نحاول حتى تغيير ذلك خلال ما يقرب من 60 عاماً.
أما لماذا الهجرة تحديداً دون غيرها من الظواهر؟! فالحقيقة أن أسباب وعوامل الهجرة تتوزع بين السياسية والاقتصادية ومركزية الإدارة وغياب العدالة الاجتماعية وعدم تكافؤ الفرص... وغير ذلك من الأسباب.. وبالتالي فظاهرة الهجرة من الظواهر التي يمتد أثرها وتأثيرها إلى معظم مناحي الحياة، ومناقشتها أو معالجتها ستؤدي إلى معالجة عدد كبير من الظواهر المرتبطة بها.

الأزمات تصنع الشعوب
 هل تمخضت الفكرة لديكم لكتابة رواية عما تشهده اليمن منذ 6 سنوات من عدوان غاشم وحصار جائر..؟
ربما تكون فترة السنوات الـ6 هذه هي من أصعب الفترات التي مرت بالشعب اليمني.. غير أن ما حدث ويحدث من عدوان غاشم وحصار جائر على اليمن واليمنيين يقابله صمود وثبات أسطوري لم يكن أحد يتوقعه.. وهذا هو ما يجب أن يَكتُب عنه المؤرخون والأدباء: الصمود. تأكيد أن اليمن مقبرة الغزاة عبر تاريخها الطويل.. من يجب أن يُكتب عنه هو ذلك الجندي اليمني الذي اقتحم مواقع العدو وهو حافي القدمين.. هو ذلك الجندي الذي حمل زميله المصاب ومضى في إسعافه ورصاص العدو ينهمر عليه مثل المطر.. ما يجب أن يُكتب عنه هو هذا التلاحم والاصطفاف الشعبي والجماهيري ورفد الجبهات بالمقاتلين والمؤن والعدة والعتاد في وقت لا يجد الناس فيه أساسيات الحياة.. لدينا في هذه البطولات الأسطورية ما يلهم لآلاف الحكايات والروايات التي ستقرؤها الأجيال القادمة بكل فخر واعتزاز.
الأزمات والظروف الصعبة هي التي تصنع الشعوب. وفي تاريخنا الحديث والمعاصر رأينا شعوباً وأمما خرجت من الحرب منتصرة، لأنها ظلت متماسكة تؤمن بالدفاع عن الأرض والعرض وترفض الهيمنة والاستكبار.
لقد كان لنا تجربة في هذا المجال مع عدد من أبناء شهداء وجرحى جريمة القاعة الكبرى التي استهدفها العدوان في 6 أكتوبر 2016، والتي سقط فيها ما يقرب من 1000 شهيد وجريح من أبناء جميع المحافظات اليمنية، حيث تم إصدار كتـــــــاب باللغتيــــــن العربية والإنجليزية بعنوان «قصص واقعية من القاعة الكبرى»، ويتضمن أكثر من 80 قصة قصيرة كتبها وعاشها أو عايشها كل ضحية من الضحايا ـ ممن كانوا في القاعة، أو ممن كان لهم أقارب في القاعة ـ وكل واحد منهم كتب حكايته بالدقة وبالتفصيل، ووصف مشاعره في تلك اللحظات العصيبة.. ومن مجموع هذه القصص القصيرة تبرز وحشية هذه المجزرة.. إنهم «شهود عيان» على واحدة من مئات الجرائــــــم الوحشية التي ارتكبها ـ ولايزال ـ هذا العدوان الغاشم على بلادنا.
وأنتهز هذه الفرصة، وعبر صحيفة «لا» لأدعو الصحفيين والكتاب إلى أهمية توثيق جرائم العدوان، وما يسطره شعبنا العظيم وفي المقدمة الجيش والأمن واللجان الشعبية من بطولات وصمود وثبات أسطوري.. ستكون الأجيال القادمة بحاجة ماسة لدراسة هذه المواقف والأحداث والتحولات التاريخية والاستفادة منها. 

أكتب رغبة في تعافي بلدي وتطوره
 البعض يقول بأن بعض الأدباء يلجؤون إلى الكتابة حتى يتخلصوا من آلامهم وليبوحوا بأحزانهم.. يا ترى لماذا يكتب جلال الرويشان؟
بالتأكيد أن الكتابة تخفف الألم، وتعبِّر عن الذات. الكتابة هي البوح والشكوى للقارئ عما تراه نفس الكاتب من هموم خاصة وعامة، وقد قال الشاعر العربي بشار بن برد:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ
يواسيك أو يسليك أو يتوجعُ
والهموم التي تعالجها الكتابة ليس بالضرورة أن تكون خاصة، وإنما الهموم العامة أيضاً لها مكان هنا.. وهي تلك القضايا التي يتطرق إليها الكاتب فيشعر ـ على الأقل ـ أنه قد أدى ما عليه وأبرأ ذمته، وترك للناس وللأجيال مسؤولية تقييمها ومعالجتها. 
وأنا أكتب لرغبة جامحة في أن أرى بلادي وقد تعافت وتطورت وازدهرت وعاشت حرة عزيزة وتخلصت من كل ما هو عائق أمام نهضتها وتبوئها المكان اللائق بها بين الأمم.. أكتب على أمل أن تنهض أمتنا وتحمي عرينها وتذود عن حياضها.. أكتب كي تقرأ الأجيال القادمة بعدنا من نحن وكيف كنا.. لأن كل حديث ينتهي بنهاية صاحبه إلا الكتاب.
وللأسف أن كل ما يُحيط بنا كعرب مؤلم ومأساوي، ولذلك أكتب.. ولذلك أيضاً يجب أن يكتب كل مواطن عربي.. وعلى الأقل تخلصنا الكتابة من الكبت والكآبة اللتين تُحيطان بنا من جميع الاتجاهات.

التطور التكنولوجي حرمنا لذة الكتابة التقليدية
 صدر لكم أكثر من رواية.. لماذا اخترت كتابة الرواية أم أنك منفتح على كتابة أجناس أدبية أخرى؟
الحقيقة أن الرواية تعطيك مساحةً أوسع وفضاءً أرحب لتنقل أكثر من صورة عن أكثر من مكان في أكثر من زمان.. الصورة في الرواية مكثَّفة وذات أبعاد متعددة.. وأنا أكتب بعض الكتابات التي يمكن أن تُصنف في إطار القصص القصيرة، أو بعض الكتابات المتعلقة بالأحداث والتطورات (مقالات)، ومع أنها ليست من صنوف الأدب، لكنها ربما تكون في المستقبل شواهد على تلك الأحداث والتطورات.
والحقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي المتسارع ـ وبرغم إيجابياته في التعليم والتثقيف والتنوير ـ إلا أنه حرمنا من لذة الكتابة والقراءة للنصوص الأدبية بتلك الطريقة التقليدية التي عرفناها (الورقة والقلم والكتاب).

ليست مهنة بل فرصة للراحة
 بكل تأكيد أن أجندتك المهنية مزدحمة بالمواعيد والالتزامات.. فما الوقت الذي تجده للكتابة..؟
الكتابة هي التي تأتي إلينا ولا نذهب نحن إليها.. الكتابة ليست وظيفة أو مهنة تؤديها وفق دوام رسمي ولوائح محددة.. لو كان لديك متسعٌ من الوقت وليس لك مزاج أو رغبة في الكتابة، فلن تكتب.. وأحياناً، وأنت في حالة من الإرهاق ومتاعب العمل، تأتيك الفكرة فتكتبها.. إن الكاتب والرسام وكل صاحب هواية يجد في ممارسته لهوايته فرصة للراحة والشعور بالارتياح حتى لو كان في أشد حالاته إرهاقاً.
ومع ما تقدم، فالحقيقة أيضاً، أن الأفكار تأتي أحياناً ولا أجد الوقت الكافي لكتابتها وتدوينها.. وبالتأكيد أن الظروف التي تمر بها بلادنا تتطلب ـ في حالات كثيرة ـ أن نؤجل الكتابة وكل ما هو دون متابعة التطورات المتعلقة بالعمل
.
المشهد الأدبي ضعيف ويفتقد القارئ
 برأيك لماذا المشهد الأدبي اليمني مقل في كتابة الرواية؟ وهل ما كتب في هذا المجال نجح في تجسيد واقع الشعب اليمني؟
الحقيقة أن الكتابة في جميع صنوف الأدب في أدنى مستوياتها في بلادنا.. فبرغم الطاقات الإبداعية الكثيرة، وبرغم النجاح الذي حققه بعض من غادروا إلى الخارج، إلا أن المشهد الأدبي والثقافي لايزال ضعيفاً جداً.. وهناك أسباب ذاتية وموضوعية.. فبالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية التي تجعل الكاتب يبحث عن الوظيفة قبل أن يفكر في الكتابة، لا يجد الكاتب من يطبع له ومن ينشر، وليس لدى الجهات الرسمية الإمكانيات المطلوبة لدعم وتشجيع هؤلاء الكتاب.. وحتى أولئك الذين تمكنوا من الكتابة والنشر لم يتناولوا من تاريخنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا وطبيعة بلادنا الجغرافية والاجتماعية والسياسية إلا النزر اليسير مما هو موجود ومما حباها الله به دون سائر بلدان العالم. 
غير أن ما تجب الإشارة إليه هنا أيضاً، هو أننا نفتقد القارئ كما نفتقد الكاتب.. فنحن للأسف الشديد لا نقرأ، ولا نشجع حتى أولادنا على القراءة. وإذا حملت كتاباً وذهبت إلى مقيل القات وفتحته لتقرأ، صاح عليك مستنكراً كل من في المقيل كأنك ارتكبت جُرماً.. نحن شعوب لا تقرأ. وهذا من أهم أسباب تخلفنا وتراجع مكانتنا الفكرية والحضارية بين الأمم. 

لا وجود لنخبة مثقفة في مواجهة العدوان
 ما تقييمك لدور النخبة المثقفة في مواجهة تحالف الحرب العدوانية على اليمن؟
للأسف الشديد، ليس هناك نخبة مثقفة في مواجهة تحالف الحرب العدوانية على اليمن بالشكل المطلوب.. أو على الأقل، لم نسمع حتى الآن عن موقف نخبوي ثقافي يُسهم في مقاومة ومواجهة العدوان.. صحيح أن هناك جهوداً فردية وأدواراً محدودة في مجالات الشعر الفصيح والشعبي والأنشودة والزامل وبعض الكتابات أسهمت وتُسهم في هذا الدور الوطني والواجب الجهادي.. وصحيح أنها رفعت المعنويات وحفَّزت المجاهدين وكسرت معنويات العدو، إلا أنها في مجملها لا تُشكل الدور المطلوب من النخبة الثقافية في مثل هذه الظروف.
ودعني أكون صريحاً في هذه النقطة.. هناك إشكالية لدى قطاع كبير من المثقفين في تعريف وتوصيف وتصنيف ما تمر به بلادنا خلال هذه السنوات.. هم لا يُفَرِّقُون بين ما حدث ويحدث بيننا كيمنيين عبر التاريخ، وبين هذا العدوان الغاشم والحصار الجائر الذي تحوَّل بعد أن دمَّر كل شيء إلى احتلال واستعمار يُدير البلاد وينهب الثروات ويتحكم في القرار السياسي والسيادي ويتدخل في شؤوننا الداخلية كأننا أتباع لا تبابعة.. ويدرك جميع اليمنيين ومن جميع الأطراف أن اليمن لا تقبل بالغزو والاحتلال مهما طالت مقاومتها له.. وهم يدركون أيضاً أنه لن يحل مشاكل اليمن وأزماتها إلا اليمنيون.. وهذا باختصار هو ما يغيب عن ذهن النخبة المثقفة. 

  كلمة أخيرة..؟
في الختام أدعو جميع الإخوة الأدباء والكُتَّاب وأصحاب الرأي أن يكتبوا كل ما يجول بخواطرهم، وكل ما تشاهده أعينهم وتسمعه آذانهم وتتلمسه أحاسيسهم ومشاعرهم عن اليمن، الأرض والإنسان والمجتمع والتاريخ.. فإذا كانت هذه البلاد قد ظُلِمت سياسياً عبر تاريخها الطويل، فلا يجوز أن تُظلَم ثقافياً وتاريخياً.