روبير بشعلاني

روبير بشعلاني / لا ميديا -
خلافاً للجو العام والقناعات اليائسة، أظن من ناحيتي أننا نسير نحو الدولة العربية الصاعدة. لماذا؟
أولاً: لأن نظام الكيانات الكسيحة قد شارف على نهايته. فكيانات «سايكس بيكو» مترنحة، من تركيا إلى جميع دول المنطقة، وهي قد ذهبت مع ذهاب راعيها الأساسي، وهي فرطت أكثر بسبب حاجة الراعي الوريث (الأمريكي) إلى نظام مختلف يتلاءم مع وضعه المهلهل. المشكلة هنا أنه لا يعرف كيف!
ثانياً: لأن نظام الكيانات بني اقتصادياً على الريع والديون، وهما ركيزتان لم تعودا متوافرتين بكثرة في المنطقة. حتى الدول الغنية بالريع تتعرض للنهب الأقصى والحصار والحروب والخراب الاقتصادي.
ثالثاً: وكنتيجة لضمور الريع لم تعد الكيانات تستطيع أن تطعم أهلها، وهي دخلت بأزمة الجوع والظمأ والعتمة والمرض.
وبعد فترة من التردد والضياع والأحلام بعودة الريع سيضطر الجميع إلى الواقعية والتفتيش عن أسباب الحياة حيث هي. وأسباب الحياة لا يمكن أن نجدها خارج توحيد عوامل الإنتاج الموزعة قصداً على الكيانات.
إن اقتصاد الكفاف يتطلب زراعة. والزراعة تتطلب أرضاً ويداً عاملة ومياهاً وسوق تصريف كبيرة تتيح اقتصاد الوفرة.
كما أنه يتطلب كهرباء وطرقاً ومواصلات وبنية تحتية حقيقية لا بنية فنادق (خيم بسبعة طوابق). والكهرباء لم تعد رفاهاً، بل حاجة مكلفة لا يمكن تأمينها بكلفة معقولة بدون مشاريع مشتركة كبرى، وإلى ما هنالك من قطاعات منتجة حيوية.
كل ذلك يدفع دفعاً نحو توحد السوق، وبالتالي الجغرافيا والاجتماع والسياسة، بالإضافة إلى أن هذا الوضع يدفع نحو التقارب مع الدول الصاعدة ومحاولة إيجاد مجالات عمل مشتركة تفيد الطرفين.
بالمختصر: الوحدة ليست أمنية ولا رغبة أيديولوجية، بل هي الجواب الموضوعي الوحيد الممكن حالياً لمجابهة التحديات التي تواجهنا.
من جهة ثانية فإن أفول المعسكر الغربي قد جعله أكثر طمعاً وعدوانية، وبالتالي فإن ضمان أمننا في عالم يتفكك وينتقل لا يمكن كراؤه، بل يحتاج إلى توحيد القوى والإمكانات من أجل ضمان أفضل شروط الدفاع عن وجودنا وثرواتنا ومواردنا واستثماراتنا الضرورية.
وعليه، يمكن القول إن حاجات البقاء لم تعد تسمح للأدوات المتقادمة بأن تؤمنها، وبالتالي فإن الكيانات الكسيحة أعجز عن أن تجد جواباً معقولاً على التحديات.
وإذا كان من الصحيح أن الهيمنة الخارجية تسعى حالياً لطمس الموضوع، عبر إثارة مواضيع صراع ثانوية، وأحياناً تافهة، لكي تشغل الشعوب عن هدفها، فإن الصحيح أيضاً أن هذه الطريقة بلغت مداها، ولم تعد تثير حماس الجمهور، وبالتالي فإن الحاجات الملموسة سوف تعود لتشغل اهتمام الجميع؛ المسألة مسألة وقت.
قديماً قيل إن الشعوب لا تطرح على نفسها إلا المهمات التي تستطيع أن تنفذها. فإذا لم تكن الوحدة اليوم (ضرورات الحياة) مهمة وحاجة، فماذا عساه يكون؟!


أترك تعليقاً

التعليقات