علي نعمان المقطري / لا ميديا -

خلال سنوات خمس عصيبة لكنها واعدة، خاض شعبنا وجيشنا الثوري الشعبي الوطني معارك كثيرة لا تحصى ولا تعد، تجاوزت العشرة آلاف معركة ميدانية ودفاعية وهجومية، حسب إحصائيات رسمية للناطق باسم القوات المسلحة اليمنية، وفي أكثر من خمسين جبهة حربية في ميادين واسعة تشمل الجغرافيا اليمنية في كل الاتجاهات، في ظل حصار خانق يشتد كل يوم ويزيد من معاناته ومصاعبه وآلامه وضحاياه، والشعب وقواته صابرون وصامدون يسيرون للأمام على جبال من المعاناة، لم يفقدوا أبدا إيمانهم بالنصر وبدعم الخالق للمستضعفين وهو خالقهم وراعيهم وحارسهم.
قدم شعبنا الصابر أفضل أبنائه وزهراته وفلذات أكباده، صابرا محتسبا قويا عزيزا بكرامته وشرفه ووجدانه وإيمانه. وقد أظهر شعبنا أفضل ما فيه من قيم وخصال حميدة، من كرم وتفانٍ وتعاون ورعاية وتآخٍ وتآزر ورحمة وشفقة وتشارك... وقد اقتسم الناس الخبز والرغيف، ولم نر أحدا يموت من الجوع أو الإهمال من جيرانه وأهله وأصدقائه، وإنما واجه الناس الموت من نيران العدوان وقذائفه وطائراته وبوارجه وصواريخه وفيروساته وحرمانه وحصاره وأمراضه وحقده وخساسته وترويعه وإرهابه وعبثه وغروره وجبروته، بقلوب صابرة مؤمنة قوية، فلا اهتزت ولا لانت ولا ترددت ولا اشتكت ولا ضعفت... 
ولم يكن ذلك غريبا على شعبنا وجوهره ومعدنه الصلب الأبي النقي الذي يتجلى في كل أزمة ومصيبة وفي كل امتحان وتحدٍّ، عبر التاريخ والحقب القديمة والحديثة، فلم يتغير ولم يتبدل، فهو خليق بكل مجد وفخار وعزة وحق، له أن يكتب تاريخه بماء الذهب وبأحرف من نور على وجه الشمس وعلى غرار النجوم والأقمار. وإلى طبيعته وفطرته تلك تعود أسباب صموده وانتصاراته، قبل كل شيء آخر. 
إن الذين يحسبون الحروب أرقاماً وأدوات ووسائل مادية قبل غيرها يقعون في خطأ سوء الفهم والعلم، فهم لا يدركون معنى القوى الأخلاقية والروحية والعقيدية في الحروب وتاريخها، ولا يعرفون تاريخ الشعوب والأمم وقيمها.
إن قوى العدو محسوبة بالملايين عديدة، ومعداته وآلاته وأدواته وأمواله ومرتزقته وحلفاءه وطائراته وبوارجه ودباباته وتقنياته واحتياطاته وآلاف القادة المهرة الأذكياء والمخترعين والعلماء والتقنيين الذين يواصلون الليل بالنهار لتوفير أسباب الغلبة والفوز والانتصار وعوامل النجاح ولديهم صناديق أموال مفتوحة لا تنضب ولا تفرغ ولا تغلق تنسكب بسخاء على كل من يحمل أسباباً من نجاح أو قسطاً من الفوز، ولكنهم كمن يزرع في صحراء ويسقي رمالا حقفاء لا تنبت ولا تعطي ولا تهب ولا تغني من سغب ولا عشب ولا زرع، فهي إلى بوار وخراب ويباب تسفيه الرياح. 
إن كل وسائل القوة المادية في أيديهم وحلفائهم، ومع ذلك يتجرعون الهزائم والنكسات ويواجهون المصائب والسقطات، ولا يتعظون ولا يتعلمون ولا يعتبرون، فقلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، "وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء".
إن الذين ينهزمون أمامنا ونحن القلة وهم القوة والكثرة والعدة والعدد هم منا، لولا أنهم قد عموا وضلوا وصموا، خطف بريق الذهب الحرام أبصارهم وأمات رنينه ضمائرهم وقتل فيهم كل نخوة وشهامة، فارتضوا لأنفسهم الهوان والذل حين تنكروا لشعبهم وأمتهم ودينهم وبدلوا وغيروا وألبسوا وتلبسوا فأناخوا في ديار عدوهم وقادوه نحو ديارهم وأهليهم يجوس خلال الديار ولا يراعي فيهم إلاً ولا ذمة. ولكنهم بما أنهم أصحاب باطل وضلال فقد أمكننا الله منهم في كل منزلة وموقعة، وإلى أن يحكم الله بيننا وبينهم نحن صامدون وثابتون إن شاء الله، "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".

النتائج الاستراتيجية للمعارك الكبرى
خاض شعبنا وجيشنا معارك طاحنة لم تشهدها الحروب الحديثة منذ الحرب العالمية الثانية، وفي كل الجبهات، في وقت واحد، بتلازمية وتناسق عجيبين، لم تفلح خطط ومناورات العدوان الدولية وقدراته وتفوقاته الشاملة المطلقة لموازين القوى المادية العددية والتقنية، أن تحدث أبسط الخروق الميدانية طوال السنوات السابقة، بما فيها انسحاباتنا التكتيكية الاضطرارية المؤقتة، فقد تم الحفاظ دوما على القوات وأمنها في ظل جبروت قوى العدوان وطغيانها، التي كانت تحت تصرفاتها جيوش بالملايين في الداخل والخارج وخلف المحيطات والبحار والجزر والقواعد تنتظر فرصة للتدخلات المريعة، لكنها لم تجد ما تتمنى فعادت أساطيلها بخفي حنين، حلبت الأموال وتحملت الهزائم المريرة ولعقت الجراح والخذلان من قبل قوات صغيرة العدد، قليلة التسليح، لم تتجاوز في بداية العدوان بضعة آلاف من المقاتلين الشعبيين المتطوعين، الذين راحوا يكثرون ويكبرون ويتضاعفون بقدر انتصاراتهم على الأرض، وبقدر ما ضربوه من أمثلة بطولية، وبقدر صمودهم وتلاحمهم وقيادتهم ومصداقيتهم والتحامهم بالشعب وآلامه، وبسالتهم وشموخهم، كانوا فتيانا لم يبلغوا العشرين في الأغلب، ثم كبروا في ليالي الجبهات ومعاركها فازدادوا حنكة وحكمة ونضوجا ورؤى وشمولية، واندمجوا في أتون حرب وطنية حرة، وعانوا أهوال الحروب مجتمعة في بلد واحد وعصر واحد وتعلموها مجتمعة، وشمولية في الميادين والمحاضرات والتدريبات المكثفة المركزة والتعاليم والتوجيهات القيادية، ولم يفلح جبروت العدوان وطغيانه وبشاعته في أن يفل إرادتنا وتوثبنا وشجاعتنا وإيماننا أبدا، بل جعل من القوى البسيطة القوة، ومن المستضعفين، إرادة فولاذية واحدة، ومن المساكين قدرات جبارة لا تقهر أبدا.
وكانت القيادة على دراية دقيقة بنوايا ومخططات العدوان قبل أن تظهر إلى العلن وفي الميادين. وكان هذا أبلغ سلاح في الحرب الوطنية التحررية وقيادتها. وكما قال حكيم الحرب القديم: "إذا عرفت عدوك يمكنك النجاة من الهزائم. أما إذا عرفت عدوك وعرفت نفسك أيضاً على هزيمته باستمرار".
وهذا هو حال قيادتنا العظيمة وأعظم أسلحتها وأمضاها وأكثرها إنجازات، لأنها كانت مدخلا لكل ما تحقق من إنجازات وانتصارات لاحقا وفيما بعد وأكثرها قوة وإرادة وعزيمة.

معارك أم العواصم
كانت العاصمة صنعاء في مركز الاهتمام الرئيس بالنسبة للعدو، فهي الجبهة المركزية الرئيسية الكبرى التي يرى فيها جسرا إلى مركز الخصم وقواه ومصيره ونهايته ونهاية الحرب ككل، وهو ما كان يطمح إلى تحقيقه في النهاية.
وإذا كان قد فتح عشرات الجبهات الحربية والمحاور في كل الجهات حتى وصل عددها إلى 50 جبهة، فإنه قد أراد بذلك خدمة جبهة العاصمة الرئيسية، وأراد التشتيت الواسع للقوات وإضعاف تركيز قوات الجيش واللجان الشعبية على هذه الجبهة الرئيسية، فيسهل اختراقها في أضعف حلقاتها، من خلال سحب قوات الجيش واللجان وفصائلها الرئيسية بعيدا عن معارك المركز، ودفعها نحو ساحات استنزافية جانبية بعيدا عن الميدان الرئيسي، ليتمكن في النهاية من تركيز قواته سرا على محاور الجبهة الرئيسية: مأرب ـ نهم ـ صنعاء العاصمة.
إن خدعة العدو كانت تكمن في إيهام الخصم بأنه يحشد قواته الأكبر في جبهات بعيدة عن المركز، في الساحل الغربي والحدود الشمالية الغربية، حيث كانت المعارك على أشدها ضراوة وشراسة، لكي يجبر الجيش واللجان على سحب قواتهم الرئيسية الضاربة المتواجدة في مركز العاصمة والمتمركزة حولها إلى جبهات بعيدة عن المركز، توهما بأن العدو قد جمع هناك زبدة قواته وأغلب عدته وعتاده، حتى تحين له الفرصة وتتهيأ لتنفيذ حركته الغادرة.
كانت هذ الخطة قد تبلورت في العامين الثاني والثالث من العدوان، وتركزت أكثر في معارك الساحل الغربي الضارية الطويلة التي استخدمت فيها قوات النخب الجنوبية الانفصالية والإماراتية التي أُريد لها أن تلعب دورا مناوراتيا واستراتيجيا خطيرا في مجرى العدوان ومعاركه، وبما يوحي بأنها المعارك الحاسمة والنهائية وعليها يتوقف مصير الحرب كلها، ويجبر الجيش واللجان على النزول من عرائنهم الجبلية نحو السواحل المكشوفة، حيث يكون سلاحاً العدوان الجوي والبحري في وضع أكثر حرية وإتاحة ومواتاة لاستهدف قوات الجيش واللجان المكشوفة أمامه، فيصب عليها البلاء حمما وجحيما صباحا ومساء من الجو ومن البحر، فيمزقها ويشتته في تلك البقاع المكشوفة والشعاب المفتوحة ويطاردها في الصحارى ورمالها الحارقة.
غير أن القيادة الثورية كانت من الدهاء والحنكة والاحترافية والإدراك لنواياه وخططه وتضليلاته، فلم تستجب لمناوراته وخدعه وإغراءاته وحولتها إلى سهام ترتد إلى نحره.

كانت القيادة الثورية من الدهاء والحنكة والاحترافية، بحيث تمكنت من مباغتة العدو في كل لقاء، وخادعته وناورته والتفت عليه وأذلته في نهاية كل معركة وأحالت قواته حطاما ودخانا، ولم تمنع كثرته وقوته وعدته وعتاده ومنعته من أن يلاقي مصيره ولا دفعت عنه هزائمه، وفي كل زحف كان يبدؤه وهو يرفل بالغرور والتبختر، يعود منه وهو كالأغنام المرعوبة.
معارك لها ما بعدها
إن معارك: نهم، مأرب، والجوف، تعتبر ذات طبيعة فاصلة في مجرى الحرب العدوانية والوطنية على السواء، وهي تأخذ الآن منحى مفصليا حاسما، وتختلف عن جميع المواجهات السابقة من العدوان، وذلك للأسباب التالية:
1 ـ أنها تجري وتتواصل في طور من مراحل العدوان ومن الحرب الوطنية التحررية الجارية وصلت فيها موازين القوى إلى الميلان التدريجي الواضح لصالح الجيش واللجان، قوات المقاومة الوطنية التحررية الثورية، وهو ما يفتح الطريق أمامها لتحقيق أهدافها التحررية الكبرى والانتقال إلى الهجوم العام والشامل لاستكمال مسيرة التحرير والاستقلال.
2 ـ تجري المعارك الآن في لحظة انعطاف تاريخي يتمثل في تحول قوات الجيش واللجان من الدفاع إلى الهجوم، وإلى الهجوم العام والاستراتيجي الشامل، بناء على المتغيرات التي حققتها نتائج المعارك الميدانية طوال الخمسة الأعوام الماضية من العدوان.
3 ـ المعارك تجري الآن في ظل السيطرة اليمنية على الأرض والأجواء، بعد أن كانت لسنوات طويلة تجري تحت سيطرة العدوان المطلقة على الأجواء والفضاء.
انتهاج القيادة الثورية هذا الطريق في مواجهة العدوان، كان له أكبر الأثر في تغيير موازين القوى لصالح الجانب اليمني المدافع عن الوطن، كما تمكنت من صناعة الصواريخ المضادة للطائرات المعادية، وأن تلغي وتحيد هيمنة العدو المطلقة على السماء اليمنية.
وكان هذ أهم متغيرات الحرب الوطنية التحررية في مواجهة الحرب العدوانية الإمبريالية الاستعمارية التي دخلت الآن عامها السادس مجللة بالعار والشنار والهزائم والخزي.
تلك الإنجازات لم تتحقق دفعة واحدة، بل قضت قوات الجيش واللجان وقيادتها الكثير من الأوقات العصيبة خلال السنوات الماضية من العدوان، وقدمت الكثير من التضحيات، وتعرضت للكثير من المعاناة، خاصة خلال السنوات الأولى للحرب، في ظل تكالب دول العدوان واستئسادها وغطرستها وغرورها.
وأشفق الكثير من الناس الطيبين عبر العالم على اليمن واليمنيين في ظل العدوان الشامل والحصار الجائر المفروض علي البلد، لكن الجيش اليمني الثوري والشعبي وقيادته وجماهيره تمتعوا بإرادة إيمانية صلبة لا تكل ولا تمل، دون أن يخالطها أي تردد أو يأس أو شك بالنصر وبالفوز ولو للحظة واحدة، وعلى ثقة بأن وعد الله بالنصر آتٍ لا محالة.
لقد تمت الآن للجيش اليمني ولجانه الشعبية السيطرة على مفاتيح القوة في الأرض وفي الجو أيضاً، وهي المسألة التي كانت ـ في السابق ـ تؤرق المدافعين عن العاصمة، حين كانت قوات العدو الجوية ما تزال حرة الحركة وقادرة على اختراق أجواء البلاد بأريحية والتدخل في كل منطقة لدعم مرتزقتها على الأرض، إذ كانت تعد العامل الرئيسي في تمكينهم من السيطرة على مناطق واسعة من المناطق المفتوحة والمكشوفة. أما الآن فقد تمكنت قوات الجيش واللجان وقيادتها من اختراق المظلة الاستراتيجية الجوية للعدو، بفعل ما أصبحت تمتلكه من صواريخ مضادة للطيران المعادي ومن مختلف الأنواع، والتي تم تطويرها محليا، والنتيجة هي عجز الطيران المعادي عن التحليق قريبا من أرض المعارك وتحييده وتجميد قوته، وذلك بتوجيه ضربات صاروخية تستهدف طائراته التي تحاول الاقتراب من أهدافها. وقد تمكنت صواريخ الدفاع الجوي اليمنية الجديدة من إسقاط عدد من الطائرات الحربية المتطورة التي تعد من نخبة السلاح الجوي الأحدث في العالم من "تورنيدو" إلى "إف 16" و"إف 15" وغيرها. وهذا الواقع الجديد خلق بدوره معادلة جديدة وأرسى قواعد توازن جديدة ونقل قوات الجيش واللجان من الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم الاستراتيجي دون أن يخشى هجمات الطائرات المعادية المتفوقة. 
في بداية العدوان، وفي ظل التفوق الجوي الذي كان يتمتع به العدوان، كانت قوات الجيش واللجان لا تمتلك خيارات كثيرة في المواجهة على الأرض، سوى أخذ وضعية الدفاع الاستراتيجية والانكفاء حول معاقلها الجبلية المنيعة لاتقاء شر الطيران العدواني المتفوق والمسيطر على الجو وعلى المناطق المكشوفة والصحارى والسواحل مما كان يسمح لقواته بأن تتقدم على الأرض في تلك المناطق.
لكن الآن، ومع امتلاكها الصواريخ المضادة للطائرات، أصبحت قوات الجيش واللجان تمتلك العديد من الخيارات في المواجهة، ومنها تنفيذ ضربات نوعية باستخدام أسلحة الدفاع الجوي الصاروخية الجديدة إلى الطائرات المعادية، وإجبارها على الفرار أو رمي حمولتها من الصواريخ والقنابل من ارتفاعات بعيدة فتأتي غير مؤثرة.
كما تمكنت قوات الجيش واللجان من نقل بطاريات صواريخ الدفاع الجوي وتحريكها حسب متطلبات المعارك والميادين، وهو ما منحها المرونة الكافية والتحركات اللازمة للتحكم بسير المعارك على أرض الميدان وشن الهجومات بدقة ومرونة أكبر من ذي قبل.
 
تراكم المكاسب قاد إلى نقلة هجومية كبرى
إن الهزائم المتوالية والمتراكمة التي تجرعها العدوان على مدى السنوات الخمس لعدوانه، ومن خلال أكثر من 5 آلاف مواجهة في أكثر من 50 جبهة حربية، بحسب إحصائيات وزارة الدفاع اليمنية، قد أدت إلى استنزاف قوات العدوان وتراجع قواه وقواته وإصابتها بالوهن والتعب والإجهاد المعنوي والمادي، رغم ضخامة حجمها العددي والمادي والأسلحة الحديثة والمتطورة التي تمتلكها، بريا وجويا وبحريا، وما تتمتع به من دعم دولي، فقد تعرضت قوى العدوان لخسائر فادحة، حيث تم تدمير أكثر من 20 ألف مدرعة ودبابة وآلية وجرافة وعربة قتال وطقم ومدفع وهاون ورشاش، كما تم إسقاط عشرات الطائرات الحربية وتدمير عشرات البوارج والسفن والزوارق الحربية في مختلف الجبهات الحربية، وبلغت خسائر العدوان المالية وفقا لحسابات وتقديرات مراكز الأبحاث الغربية أكثر من 7 تريليونات دولار، أي حوالي 1.5 تريليون دولار في العام الواحد، وهي تشمل تكاليف شراء الأسلحة وتشغيلها، وخسائر الضربات الصاروخية اليمنية، والمصروفات الإدارية اليومية وأجور الأقمار الصناعية الأمريكية وطائرات الاستطلاع والتجسس والاستشعار من بعد وأجهزة الرصد الشاملة، وأجور الخبراء والقوات الأمريكية والبريطانية والأجنبية المشاركة، التي تقوم بالتخطيط للعدوان والتحضير له فنيا واستراتيجيا وتكتيكيا وعملياتيا. وبحسب معلومات، فإن هناك أكثر من 20 ألف خبير عسكري واختصاصي أمريكي وغربي يشاركون في قيادة القوات السعودية والإماراتية والمرتزقة الأجانب والمحليين، كما بلغ عدد المرتزقة السوادنيين لوحدهم أكثر من 50 ألفاً من عناصر الجنجويد والإرهابيين، إضافة إلى مرتزقة كولومبيين وسنغاليين وغيرهم.
وبحساب الخسائر البشرية لتحالف العدوان، فقد بلغت خسائر القوات السعودية أكثر من 12 ألف قتيل وجريح، فيما خسرت القوات الإماراتية أكثر من 3 آلاف قتيل وجريح. أما المرتزقة السودانيون وحدهم فتصل خسائرهم إلى أكثر من 10 آلاف قتيل ومصاب، بينما بلغت خسائر المرتزقة المحليين أكثر من 200 ألف قتيل وجريح، ويأتي في مقدمتهم مليشيات الإصلاح، ثم قوات الانفصاليين والسلفيين والإرهابيين من القاعدة وداعش، وقوات هادي وعلي محسن وحميد الأحمر. وبحسب بيان للعميد سريع، الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، بأنهم رصدوا معلوماتيا خسائر فعلية تبلغ قرابة الـ150 ألف قتيل وجريح، رغم أن هذا الرقم لا يشمل الكثير من الأعداد التي لم يتم رصدها فعليا عبر مصادر الجيش اليمني وقيادته، ونحن هنا نأخذها بعين الاعتبار ونعتمدها وفقا للهامش الذي أشار إليه المتحدث العسكري اليمني، وهي معلومات لا يمكن الشك في دقتها ومصداقيتها، لأن الوقائع والشواهد تدعمها وتؤكدها، ويمكن البناء على مقتضاها، والانطلاق إلى ما بعدها وما تؤدي إليه من نتائج واستنتاجات وحقائق ومآلات.

نتائج التحولات الميدانية
الهزائم والنكسات التي تكبدها العدوان طوال السنوات الخمس الماضية واستنزافه، بشرياً وماديا ومعنوياً، أفقدته الكثير من قدراته، وبالتالي انقاد إلى هزائم متوالية وانهيارات معنوية وعسكرية شملت بنيته المادية والمعنوية والسياسية والاستراتيجية والحربية، فأصابت قواه بالوهن والإنهاك، فتمزقت صفوفه من المرتزقة وتحولت إلى شراذم متصارعة على الفتات والغنائم والمصالح الضيقة وخدمة أجندات دول الاحتلال الاستعمارية التي تهدف إلى السيطرة على البلاد والهيمنة على سيادته وثرواته ومقدراته وسلخ أجزائه الغنية بالثروات النفطية والمواقع الحاكمة والممرات.

إن تهافت السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا على الغنائم والتوسع والهيمنة على المناطق الغنية بالثروات والمواقع وتركيز القوات في مناطق بعيدة عن المعارك، يكشف ـ حتى للأعمى ـ الحقيقة الكامنة وراء ادعاء السعودية التزامها ومساندتها لإعادة "الشرعية" إلى حكم اليمن وحماية الوحدة والسيادة اليمنية، وأن كل ما تقوله مجرد أوهام وأكاذيب.
تكشف الأهداف الحقيقية للعدوان ودوله الأجنبية، واستطالة فترته دون جدوى، وفي ظل الهزائم المتوالية التي يتكبدها المرتزقة ومشغلوهم، كل ذلك قادهم نحو المزيد من التآكل والانهيارات، ويزيد الشعور لديهم بالخديعة والتضليل.
وما يفاقم الانهيارات أكثر ما استجد من الحرب البيولوجية التي تمارسها دول العدوان ومحاولاتها نقل الفيروسات القاتلة إلى اليمن لنشر الأوبئة والموت وإهلاك أكبر عدد من اليمنيين بغض النظر عن انتمائهم وموقفهم من العدوان، فكل ما هو يمني يعد هدفاً للتدمير والإفناء، من وجهة نظر دول تحالف العدوان.
وهناك العديد من الحقائق التي تؤكد سعي دول العدوان لنشر الأوبئة في اليمن، فقد ظهرت معلومات تؤكد أن المخابرات السعودية عمدت إلى نشر عدد من الأوبئة، ومنها فيروس "كورونا"، بين صفوف مرتزقتها في ميدي، وذلك حتى ينتقل عبر الجبهات نحو الداخل اليمني، وخصوصاً المناطق الواقعة تحت سيطرة القوى الوطنية، والتي استعصت على دول تحالف العدوان ومرتزقتها طوال سنوات الخمس الماضية.
وفي الوقت الذي علقت فيه أغلب دول العالم الرحلات الجوية منها وإليها، في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء "كورونا"، أوعز الاحتلال السعودي ـ الإماراتي لحكومة الفنادق بمواصلة، بل مضاعفة تسيير الرحلات الجوية من وإلى مطار عدن دون أي التزام بمعايير السلامة والإجراءات الصحية، الجميع متواطئ لنقل الفيروس ونشره بين اليمنيين.
إن العدوان العاجز عن هزيمة شعبنا عسكريا يحاول اليوم أن ينتقم من هزائمه باستخدام سلاح الأوبئة والأمراض لقتل شعبنا، خصوصاً في ظل ما يكابده شعبنا من معاناة جراء الحصار الجائر الذي يفرضه تحالف العدوان على البلاد وسياسة الإفقار والتجويع التي يمارسها ضد اليمنيين.

متغيرات الجبهات
هناك 4 جبهات كبرى هي التي تسببت في تكبيد العدوان أغلب خسائره البشرية والمادية، وهي بحسب أهميتها على التوالي: (الحدود الشمالية، جبهة الوسط ـ الجنوب ـ تعز، جبهة مأرب ـ الجوف ـ العاصمة صنعاء، جبهة الحديدة والساحل الغربي).
ولأهمية هذه الجبهات الأربع فقد انتقلت رحى الحرب الكبرى من واحدة إلى أخرى أو اشتعلت فيها معا في الوقت نفسه، رغم هدوء بعضها أحيانا واشتعال أخرى إلى الحد الأقصى وانتقال مركز الثقل العسكري إليها أحياناً وبشكل مؤقت وفقاً لمتغيرات الحرب ومخططات العدوان ومآلاته ونتائجه على الأرض ومناوراته، وكان ذلك يعكس متغيرات في التفكير الاستراتيجي العدواني تمليه المتغيرات على الأرض وفي الميادين، وأيضاً المتغيرات الدولية والإقليمية.
وكان يعكس أيضاً حقيقة التناقضات الداخلية للعدوان وقواه ومنازعاتها ومنافساتها على السيطرة والهيمنة على الأرض المحتلة وثرواتها ومواقعها الاستراتيجية، كما كان يعكس أولويات العدوان ومتغيراتها وتبدلات قيادته الاستراتيجية العليا وأهدافها الخفية وأغراضها البعيدة الداخلة في استراتيجياتها الدولية والإقليمية والاضطرابات الاستراتيجية الأمريكية في حقبتي "الحمائم والصقور" والحروب السرية والمعلنة والكبيرة والمحدودة، حسب أولوياتها وأطماعها ومصالحها. 
 
متغيرات الوضع الاستراتيجي للعدو موازين القوى:
انطلق العدوان وفق تحشيد هائل وعديد كبير يزيد عن المليون فرد، وكذلك تحضير عدد كبير من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والنوعية، فقد بلغ عدد القوات حوالي مليون و200 ألف فرد، أغلبهم مرتزقة محليون يتبعون الإخوان من وهابيين وسلفيين وقاعديين ودواعش، إضافة إلى مرتزقة سودانيين وكولومبيين ومصريين وباكستانيين وسنجاليين وغيرهم.

الأسلحة والعتاد:
على مستوى الأسلحة، فقد حشدت السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل" ومن معهم من الحلفاء، أسلحة كثيرة لا أول لها ولا آخر، فقد تجاوزت الطائرات المعدة للعدوان على بلادنا أكثر من 2000 طائرة تتبع القيادتين الأمريكيتين (المركزية والوسطى).
أما بالنسبة للمدرعات والدبابات والآليات والمدافع والعربات القتالية ومدافع الهاونات والرشاشات، فقد نحصل عليها تقريباً إذا حسبنا مجموع الآليات المدمرة من قبل الجيش واللجان في المعارك، حيث نسبة ما تم تدميره بين 20 و30% من إجمالي المعدات الحربية كمتوسط في الهزائم الميدانية، أي نحو 20 ألف دبابة ومدرعة وآلية ومعدة مدمرة، مضروبا في 3 أضعاف، أي في الحسبة النهائية يكون لدينا ما بين 60 و100 ألف آلية مدمرة، ما بين دبابات ومدرعات ومدافع ورشاشات وعربات قتال، وهو رقم تقريبيي يكشف لنا حجم التجحفل الاستراتيجي للعدو على بلادنا وحجم القوات التي واجهناها ولانزال نواجهها طوال السنوات الخمس، وتشمل جميع القوات التي في الميادين والجبهات على اختلاف مصادرها، وهي أعداد لا تعكس الحجم الكلي للمخزون الاستراتيجي العدواني بقدر ما تعكس التحشد الميداني للعدوان على الجبهات فقط، وهي نسبة كبيرة من الإجمالي العام، إذ إنها لا تقل عن النصف أو الثلث تقريبا، وهنا فإننا أمام عدة وعتاد مهول يتجاوز ما واجهته دول كبرى في الحرب العالمية الثانية.
أما الطلعات الجوية العدوانية وقد وصل مجموعها إلى أكثر من نصف مليون طلعة، حيث صرح الوزير الإماراتي للشؤون الخارجية قبل أشهر أن الإمارات وحدها قامت بأكثر من 130 ألف طلعة جوية، أما الطلعات الجوية السعودية فهي أكثر من ذلك، وتبلغ 4 أضعاف الطلعات الجوية الإماراتية على الأقل، أي حوالي نصف مليون طلعة جوية، وكل طلعة جوية تتضمن 4 صواريخ على الأقل، وهو ما يعني أن حوالي مليوني صاروخ أطلقها العدوان على اليمن.
عدد الطلعات يساوي تقريبا عدد المنشآت اليمنية التي قام العدوان بتدميرها، أي أن هناك قرابة نصف مليون منشأة يمنية مدمرة، وتصل التكاليف الأولية للخسائر تريليون دولار تقريبا، بحسب الإحصائيات الرسمية للدولة.

إدارة المعركة العدوانية
وتشمل إدارة المعركة العدوانية، كلاً من القيادة والتخطيط والسيطرة والحشد وإدارة العمليات والدعم اللوجستي والتوجيه والإشراف والارتباط.
منذ البداية اعتمد العدوان على القيادتين الأمريكيتين (المركزية والوسطى) للتخطيط وإدارة العمليات وقيادتها وتوجيهها والإشراف عليها مباشرة من غرف العمليات المركزية والفرعية في الرياض وفي خميس مشيط ونجران وفي خليج عدن وجزيرتي ميون وسقطرى وباب المندب ومن قواعده في جيبوتي وإريتريا.
وقد تم تعزيز السيطرة الأمريكية البريطانية في ميادين المواجهات العسكرية بعد النكسات الكبرى لقوى العدوان ومرتزقتها خلال العامين الأولين للعدوان، ووصلت في عهد ترامب إلى أكثر من 20 ألف خبير وقائد عسكري أمريكي وبريطاني وغيرهم يتولون كل العمليات المفصلية المتصلة بالحرب العدوانية طوال 5 سنوات، وخلفهم التحشيدات العسكرية الكبيرة من الأساطيل الحربية وحاملات الطائرات العملاقة التي تحاصر السواحل اليمنية من جميع الجهات، وهي ما تشكل النسقين الثاني والثالث من قوات العدوان الاستراتيجية التي تطبق الحصار الجوي والبحري والبري على اليمن.
أما على الأرض وعلى مستوى المعركة البرية فقد شكلت القوات السعودية والإماراتية البرية والخاصة النسق الثاني، بينما شكل المرتزقة المحليون والأجانب النسق الأول في المعارك، وقد زادت أهميتهم بعد انكسارات القوات السعودية والإماراتية في بداية العدوان، حيث عمد العدو السعودي ـ الإماراتي إلى مضاعفة عدد المقاتلين ليتجاوز عددهم المليون فرد، معتقدا أنه يمكنه إغراق الجبهات اليمنية المدافعة بالآلاف من جحافل المرتزقة الإرهابيين، ومايزال مستمراً في ذلك، مستغلا حالة الفقر والبطالة الواسعة في أوساط اليمنيين ـ والتي وصلت إلى أكثر من 12 مليون عاطل عشية العدوان ـ لتجنيدهم في صفوفه.
وقد وصل عدد من جندهم العدوان من المرتزقة المحليين ما بين مليون إلى مليون وربع المليون مرتزق، وفقا لأرقام صادرة عن العدوان ومرتزقته، سقط منهم حوالي 200 ألف مرتزق، بين قتيل وجريح، إضافة إلى آلاف الأسرى والمفقودين والفارين، وهو عدد كبير، خصوصاً وأن هذا العدد يمثل النخبة المتقدمة من قواته التي قضى سنوات طويلة وهو يجهزها ويعدها ويدربها، وفي محاولة منه لتعويض خسائره نفذ موجة تجنيد جديدة، مستهدفاً العاطلين والريفيين، وبخاصة الشباب من عديمي الخبرة القتالية، الذين كان دافعهم الأساسي الهم الاقتصادي والحاجة إلى وظيفة لإطعام أنفسهم وأهاليهم، وهو ما يفسر سرعة انهيارهم في الجبهات رغم تفوقهم العددي الكبير وأسلحتهم الوافرة.