أحمد رفعت يوسف -  دمشـق  / لا ميديا -

شكلت الزيارة التي قام بها إلى دمشق وفد روسي رفيع المستوى برئاسة يوري بوريسوف، نائب رئيس الوزراء، وحضور عدد من الدبلوماسيين الروس على رأسهم سيرغي لافروف، وزير الخارجية، محطة مهمة على طريق تعزيز العلاقات السورية الروسية والانطلاق بها إلى مرحلة جديدة عنوانها بدء مرحلة الإعمار وكسر العقوبات والحصار الاقتصادي الأمريكي الغربي على سورية.
وحدها نوعية الوفد بين سياسي واقتصادي وعسكري ـ أمني تعطي إشارة واضحة إلى مدى الأهمية التي يعلقها الجانبان على تعزيز العلاقات لتكون استراتيجية في كل المجالات وليس فقط في المجال العسكري، حيث تشارك روسيا الدولة السورية في محاربة الإرهاب وتحرير الأراضي السورية سواء الواقعة منها تحت سيطرة المجموعات الإرهابية أو التي توجد فيها وحدات من جيوش أجنبية وتحديداً الأمريكية والتركية.
في أجواء الزيارة هناك نقطة هامة لا بد من الإشارة إليها، وهي أنها جاءت بعد حملة كبيرة من قبل المعارضات السورية العميلة للأطراف الخارجية، ومن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية ودول غربية وفي الإعلام الغربي والعربي المعادي لسورية وتحديداً الخليجي، للتشكيك بالدور الروسي في سورية ومن كل النواحي.
كما تشير أجواء الزيارة وطبيعة الوفد إلى أن القيادة الروسية تتجه إلى مرحلة جديدة نحو المشاركة الفعالة ـ انطلاقة من الساحة السورية وبالمشاركة مع القيادة السورية ـ لمتابعة التحوّلات المتسارعة في شرق المتوسط ووضع صياغة وتصور للملامح التي تتشكل فيها صورة المنطقة وسط تزاحم المشاريع والأحلام تارة والأوهام تارة أخرى التي نراها لدى الأطراف المتدخلة في خط النار الممتد من سورية إلى اليمن مرورا بالعراق ولبنان وفلسطين والخليج وباتجاه شمال أفريقيا، خصوصاً وأن هناك أطرافاً مأزومة سياسيا واقتصاديا تبحث عن حلول لمشاكلها في المنطقة وعلى حسابها، وتشمل قائمة هذه الأطراف كافة أطراف تحالف العدوان برأسه الأمريكية واستطالاته الأوروبية وتحديدا البريطانية والفرنسية وتركيا (أردوغان الإخوانية) المتوهمة بإمكانية إحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة بعثمانية جديدة، لكن الأخطر أن بعض هذه الأطراف تخوض معركة وجودية وتحديداً الكيان الصهيوني ونظام بني سعود.
وقد جاء انضمام وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى الوفد من خارج أعضاء اللجنة السورية الروسية المشتركة تأكيداً من موسكو على الأهمية الكبرى التي توليها لعلاقتها الاستراتيجية والخاصة مع سورية.
كما لوحظ وجود وفد عسكري أمني روسي برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي تزامنت زيارته مع زيارة الوفد السياسي الاقتصادي، وتابع مهمته من قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية على الساحل السوري، حيث توجد القاعدة الجوية الروسية، مما يؤكد وجود ترتيبات تتعلق بالوضع في إدلب السورية التي لايزال جزء كبير منها تحت سيطرة العصابات الإرهابية التي تعمل بإمرة نظام أردوغان الإخواني الإرهابي في تركيا وسط أنباء عن تجاوبٍ تركي لتنفيذ الاتفاق الذي وقعه رئيس النظام التركي أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديميير بوتين، في موسكو، حول الوضع في إدلب، والتي تنصلت منه حكومة أردوغان حتى الآن، رغم مضي الموعد المحدد للتنفيذ مع مهلتين إضافيتين أعطيتا له، لكن بدون التزام بما تعهد به أردوغان لبوتين.
كما تأتي الزيارة بعد إنجاز استحقاقين دستوريين هامين في سورية، الأول إجراء انتخابات مجلس الشعب، والثاني تشكيل حكومة جديدة، بانتظار الاستحقاق الأهم، وهو إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة بدايات العام المقبل، حيث تظهر روسيا دعماً غير محدود لترسيخ أسس الدولة السورية مقابل محاولات أمريكية غربية للتدخل وبشكل عدواني للتأثير على خيارات واستحقاقات الشعب السوري، وتحديدا من خلال محاولات التأثير على الانتخابات الرئاسية أو من خلال أعمال اللجنة المكلفة ببحث الدستور السوري.
الإشارة الأولى حول أجواء الزيارة جاءت من الرئيس الأسد حيث أكد للوفد الروسي عزم الحكومة السورية مواصلة العمل مع الحلفاء الروس بغية تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين البلدين، بما في ذلك إنجاح الاستثمارات الروسية في سورية.
كما أعرب الرئيس الأسد عن تقدير السوريين جميعاً لما تقوم به قيادة روسيا وشعبها سياسيا وعسكريا واقتصاديا ومساعدة سورية على استعادة أمنها وسلامة أراضيها وتجاوز آثار الإرهاب الاقتصادي على المواطن السوري، أما الوفد الروسي فقد كان حريصاً على إظهار دعم روسيا لسورية ومساعدتها في مساعيها السياسية على المسارات المختلفة رغم محاولات بعض الدول الغربية عرقلة الوصول إلى أي تفاهمات أو اتفاقات تصب في مصلحة الشعب السوري، مشددين على التمسك والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها وسيادتها واستعادة دورها الإقليمي والدولي.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافـــروف تعمد إظهار الدعم الروســي للقيادة السورية لإنجــاز الملفات والاستحقاقـــات السياسية والدستورية، وكان لافتاً في هذا المجال تشديد وزير الخارجيـــــة السوري وليد المعلم، وبكلمات محددة وقاطعة، على أن الدستور شأن سوري داخلي، وأي تعديل على الدستور الحالي سيطرح على الاستفتاء الشعبي.
وفي رده على سؤال عن رأيه بالاتفاق الذي تم توقيعه في موسكو بين المسؤولة في «مسد»، الجناح السياسي لمليشيا «قسد»، العملية إلهام أحمد، ورئيس حزب الإرداة الشعبية قدري جميل، حول رؤيتهما للوضع في سورية، قال المعلم بأن الدولة السورية لا توافق على أي اتفاق لا يتوافق مع الدستور السوري.
أما النتيجة العملية الأهم للزيارة فقد كانت الاتفاق على تنفيذ الشركات الروسية أكثر من 40 مشروعاً في سورية، خصوصاً في مجال الطاقة والكهرباء والتنقيب عن النفط والغاز في السواحل السورية وفي قطاع الصناعة، وهذا يعني في السياسة والاقتصاد محاولة روسية جدية لفك الحصار الأمريكي الأوروبي المفروض على سورية، ويدخل روسيا في مواجهة مباشرة مع قانون قيصر الأمريكي، وفي عملية تحدٍّ لسياسات لإدارة الأمريكية التي تحاول تطبيق حصار شامل على كل مرتكزات الدولة السورية ومواردها.
مع انتهاء زيارة الوفد الروسي رفيع المستوى لدمشق والمباحثات التي أجراها وما رافقها من تصريحات ومواقف واتفاقات واعدة، يمكننا التأكيد أن سورية أمام مرحلة جديدة عنوانها «كسر الحصار الأمريكي الغربي» المفروض عليها، وبدء مرحلة إعادة الإعمار وترسيخ أسس الدولة السورية، وقد وعد زير الخارجية وليد المعلم الشعب السوري بأنه سيلمس تحسناً واضحاً في وضعه المعيشي خلال الأيام والأشهر القليلة المقبلة.