دمشق- أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -

إن تقاعسنا كعرب عن دراسة وكتابة تاريخنا بأيدينا قد فتح المجال أمام مؤرخي الغرب للاستفراد بنا وكتابة تاريخنا بما يناسبهم ويحقق غاياتهم، وهذا ما جعل عنصر التاريخ والتنقيب عن الآثار أحد أهم ما رافق المرحلة الاستعمارية في بلادنا.
لذلك فإن الكثير من صفحات تاريخ المنطقة والعالم تحتاج إلى إعادة بحث ودراسة موضوعية حتى تأخذ الشعوب والحضارات حقها، وحتى تستقيم الأمور في سياقها الطبيعي، وإن كنا ندرك أن تلك المهمة شديدة الصعوبة، لأن التاريخ يكتبه دائما القوي ولا رحمة للضعيف.
ومن هذه الصفحات التي تعرضت للتضليل والتشويه ما كتب عن أصل الألعاب الأولمبية التي تم إحياؤها في عصرنا الحديث وبنيت أدبيات اللجنة الأولمبية الدولية على أن هذه الألعاب انطلقت من جبل الأولمب في أثينا بينما تقول الوثائق التاريخية الموثقة بالمشاهد العينية التي لاتزال قائمة حتى الآن وبالوثائق التاريخية حتى لأهل المنطقة في شرق المتوسط وجزر اليونان التي كانت جزءا من الحضارة السورية الفينيقية أنها انطلقت من مدينة عمريت السورية قبل أحد عشر قرناً من انطلاقتها في جبل الأولمب قرب العاصمة اليونانية أثينا.
تقع مدينة عمريت على بعد سبعة كيلومترات جنوبي مدينة طرطوس على الساحل السوري، وكانت إحدى أهم مدن العالم في حينه وأكثرها حيوية ومساهمة في وضع أسس الحضارة البشرية.
يخترق المدينة نهر صغير معروف حالياً باسم «نهر عمريت» وقديماً «نهر مارتياس»، وتمتد المدينة على مساحة تقدر بستة كيلومترات مربعة، وتعتبر من أبرز مدن الساحل الكنعاني ـ الفينيقي.
من أهم آثار عمريت المعبد المنحوت في المنحدر الصخري المطل على النهر المقدس، والذي لعب دورا في قيام الألعاب الرياضية التي كانت تمارس كطقوس دينية واجتماعية.
أما ملعب عمريت الأولمبي فيقع على بعد 300 متر إلى الشمال الشرقي من المعبد، وهو أول ملعب في التاريخ أنشئ بساحة للألعاب والمسابقات ومدرجات للجمهور، وكان الأساس لما أقيم من ملاعب فيما بعد وتطورت حتى أخذت شكلها الحالي.
كان الملعب محفوراً في الصخر، قسمه الشرقي على شكل حدوة حصان يتخللها ممران يسمحان للمتسابقين بالدخول والخروج من الملعب. كما يوجد ممر آخر في الجانب الجنوبي على شكل نفق لخدمة وتجهيز اللاعبين والمدربين والأدوات.
يمتد الملعب بطول 230 متراً وعرض لا يتجاوز 30 متراً، ويتألف من سبع درجات تحيط بالملعب ويتسع لـ11200 متفرج.
كانت تجري في المعلب الألعاب المعروفة آنذاك، مثل الجري وسباق العربات. كما اكتشف العالم الفرنسي رينان عام 1860 مكاناً على بعد 700 متر من نهر عمريت كان يستخدم للرياضات المائية كالسباحة والغطس والتجديف يسمى معبد المياه.
تشير الوثائق إلى أن ملعب عمريت أقدم من ملعب أثينا بأحد عشر قرناً (1100 عام)، وأن الفينيقيين سكان عمريت هم من نقل ألعابهم الرياضية وعباداتهم من الساحل السوري إلى اليونان التي كانت تشكل جزءاً من الحضارة الفينيقية السورية.
ودليل علماء الآثار على ذلك أن استاد مدينة أليس في اليونان، حيث تقول الأدبيات الرياضية إنه مهد الألعاب الأولمبية، يشبه ملعب عمريت من حيث الشكل والإنشاء، مع فارق بسيط بالأطوال، كما أنه أقيم بجانب المعبد وبالطريقة نفسها التي أقيم بها معبد عمريت وكأنه نسخة طبق الأصل عن الملعب.
هذه الأدلة تؤكد بشكل علمي وتاريخي أن ملعب عمريت كان مهد الألعاب الأولمبية قبل اليونانيين بعدة قرون، وعلى هذا يجب تصحيح التاريخ.
طبعا لا نقصد من هذا العرض حرمان الأصدقاء اليونانيين من أهم شيء يعتزون به في وقتهم الحاضر وهو مجد الألعاب الأولمبية، لكن الحقائق يجب أن تقال، وأن توضع الأمور في نصابها العلمي والأخلاقي، خاصة وأن التراث الإنساني هو ملك للإنسانية كلها، والحقيقة تقول إن الألعاب الأولمبية انطلقت من عمريت وليس من أثينا.