مارش الحسـام / لا ميديا -

لم تعد كاميرات المراقبة في المحال التجارية والخدمية مجرد مشروع تكميلي أو كمالي،  وإنما صارت عيناً لحفظ الأمن وضبطه، وأسهمت بالفعل 
في كشف كثير من الجرائم والمجرمين سواء في ما يتعلق بجرائم الاعتداء على النفس أو السرقات  أو غيرها من الجرائم الأخرى.

شاهد شاف حاجة
حتى وقت قريب ظل مرتكبو الجرائم والمخالفات الأمنية يعتقدون أن العيون لا تراهم، وأن سلوكهم الإجرامي سيمر بسلام، وأن جرائمهم ستقيد ضد مجهول. اليوم أصبح المجهول معلوما على تسجيلات كاميرات المراقبة التي كانت عاملا مساعدا في فك غموض كثير من الجرائم، وأداة مساعدة لرجال الأمن في كشف تفاصيل بعض الجرائم، ومثالا على ذلك جريمة مقتل الشاب الأغبري، بعد أن شهد شاهد من أهلهم وكشفت الطريقة البشعة.
ومن الأمثلة على ذلك، دور الكاميرات المساعد في القبض على سائق الدراجة النارية الذي كان يقوم بنشل الحقائب النسائية، وكانت جرائمه حديث الشارع. 
فصائد الحقائب النسائية وقع ذات يوم صيدا لإحدى الكاميرات في شارع الجزائر، والتي وثقت جريمته، وتداول المقطع عدد من المواطنين، وتم التعرف على الجاني والإبلاغ عنه، وتم القبض عليه بعد ساعات من ارتكابه عملية السرقة.
كثير من الحوادث والجرائم التي لا تحصى، والتي أسهمت الكاميرات في كشف مرتكبيها، ومواقع التواصل الاجتماعي تعج بالكثير من المشاهد.

إقبال كبير
إلى ما قبل سنوات كانت كاميرات المراقبة حكرا على المصارف والمولات ومحلات المجوهرات وبعض المرافق الخدمية والمركز التجارية الكبرى والشركات، أما اليوم فقد صارت موجودة حتى على مستوى المحلات التجارية الصغيرة من بقالات وصيدليات ومخابز وبوفيات، وحتى على مداخل بعض العمارات السكنية، وهناك إقبال كبير على تركيب منظومات كاميرات المراقبة حتى على مستوى البقالات والبوفيات وبائعي القات والمطاعم والصيدليات وغيرها.
وفي استطلاع لصحيفة «لا» لمعرفة الحاجة أو الداعي لتركيب هذه الكاميرات، كانت الإجابات متطابقة بالنسبة لأصحاب محلات الذهب والصرافة، فأغلب إجاباتهم كانت تعزو السبب إلى دواع أمنية، وخوفا من عمليات السرقة والتهجم على هذه المحلات ونهبها.
أما أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة كالبقالات والبوفيات وبائعي القات، فإن سبب تركيبهم كاميرات المراقبة هو كشف السرقات التي يتعرضون لها، وخصوصا وقت الزحام، وكذا ردع اللصوص الذين يتهربون من دفع الحساب، ويقومون بنشل تلفونات الزبائن وما في جيوبهم.

راجع نفسك قبل الكاميرا
صاحب بوفية في سوق شارع 20 بهائل، يقول إن الكاميرا أصبحت الآن الأساس المهم لأي مشروع تجاري، سواء كان صغيرا أو كبيرا، وذلك لتأمين المحل من السرقات.
ويؤكد أن اللصوص والنشالين يتراجعون عن السرقة لدى رؤيتهم للكاميرات خوفا من أن يتم تصوريهم والتشهير بهم وإبلاغ الشرطة.
ويضيف: «في وقت الظهيرة، ساعة الذروة، يزدحم السوق وتزدحم البوفية، وكثير من اللصوص يستغلون هذه الفرصة لتنفيذ مخططهم الذي قد يكون نشل هواتف الزبائن أو الاحتيال علينا، كأن يقوم اللص وبعد أن يشرب العصير، وبدلا من أن يدفع الحساب يطالبنا بإرجاع الباقي، ويزعم أنه أعطانا ألف ريال، والحل الوحيد في الغالب هو أن نطلب منه أن يحلف يميناً، ورغم يقيننا أنه كاذب فليس أمامنا خيار سوى الرضوخ لطلبه، ولكن كان هذا في السابق، وكنا نقول له «احلف يمين»، أما اليوم وبعد تركيب الكاميرات، فإننا نقول له «راجع نفسك قبل ما نراجع الكاميرا»، فحين يعرف بوجود الكاميرا يرتبك ويحاول اختلاق الأعذار وتفتيش جيوبه وإخراج الحساب لإقناعنا أنه خطأ غير مقصود، ومن ثم يتوارى عن الأنظار ولا يعود مرة أخرى».

لغز اختفاء قطم السكر
يقول صلاح غيثان، صاحب بقالة، إن أكياس الدقيق وقطم السكر المتكدسة داخل أرضية بقالته كانت تعوق حركته داخل البقالة، ولحل هذه المشكلة اضطر إلى نقلها إلى ما وراء الحاجز الزجاجي الذي يفصل بينه وبين الزبائن، أي على مقربة من بوابة الدخول، وقد اعتاد على رص قطم السكر والدقيق خلف الحاجز الزجاجي، ولم يكن يدرك أن مشكلات أخرى ستنتظره في هذا المكان، حيث تكررت حوادث اختفاء قطم السكر عبوة 10 كيلوجرام بالذات، ولم تفلح يقظته ونباهته في تجنيب متجره السرقة، وإيقاف النزيف المستمر لقطم السكر، وهو ما اضطره لتركيب كاميرات المراقبة التي كشفت لغز اختفاء السكر.
ويضيف صلاح: «بعد أسبوع من تركيب الكاميرات لاحظت اختفاء قطمة سكر، عبوة 10 كيلوجرامات، فقمت بمراجعة التسجيلات التي رصدت إحدى السيدات كانت ترتدي جلباباً عريضاً وهي تجلس بجوار قطم السكر، حيث قامت بتغطية إحدى القطم بجلبابها الذي كان يغطي على قطم السكر تماما، ومن ثم قامت بسحبها بيدها من تحت جلبابها وحملتها خارجا دون أن يتضح أن هناك شيئاً تحت الجلباب، بعدها قمت بإبلاغ الشرطة وأطلعتهم على التسجيل».
ويشير إلى أنه قام بتركيب ثلاث كاميرات خارجية للمحل من زوايا مختلفة، «هذه الكاميرات الثلاث التي تصور أجزاء كبيرة من الشوارع المجاورة لبقالتي، أسهمت في كشف كثير من الحوادث التي وقعت في الحارة، وكانت سببا في عودة بعض المفقودات إلى أصحابها».

عين لا تنام
كثير من المواطنين ممن التقياناهم أكدوا أنهم استفادوا من هذه الكاميرات من الناحية الأمنية.
أحد المواطنين، يقول: «كنت أوقف سيارتي جوار البيت، وأخاف عليها من السرقة، لدرجة أني كنت أنام جوار نافذة المنزل للاطمئنان على سيارتي بين الوقت والآخر، لعدم إحساسي بالأمان عليها، ومؤخرا قام أحد أصحاب المحلات المجاورة بتركيب كاميرات، وصرت أركن سيارتي تحت أعين الكاميرات وأنام هادئ البال».

ضبط الجناة سريعا
يؤكد النقيب أحمد جميل، مدير قسم شرطة مذبح، أنه من الضروري أن تقوم الدولة بإلزام أصحاب المحلات التجارية والخدمية بتركيب كاميرات مراقبة، كشرط من شروط منح الترخيص لمزاولة أي نشاط، وذلك لما لها من فوائد لصالح المجتمع والمنشأة نفسها، باعتبارها حارساً على مدار الساعة، وستسهم في انخفاض مستوى الجريمة بشكل كبير.
ويؤكد جميل أن أغلب الجرائم التي رصدتها كاميرات المراقبة أعفت رجال الأمن من الكثير من التحريات، بل أسهمت في ضبط الجناة خلال ساعات من وقوع الجريمة. 
ويلفت إلى أن ما ترصده كاميرات المراقبة يسهل عمل الجهات الأمنية بصورة كبيرة، تصل أحيانا إلى ما نسبته 100٪ أو تمنح الجهات الأمنية بداية الخيط لكشف تفاصيل الجريمة، بما فيها تلك التي تحدث أو تقع في ساعات متأخرة من الليل في ظل خلو الشوارع من المارة. 
ويضيف: «رغم أن هناك استخداماً محدوداً لكاميرات المراقبة في بعض المحلات، إلا أنها أسهمت في كشف الكثير من الجرائم وتم ضبط الجناة في وقت قياسي».
ويتابع: «قبل أيام قام أحد اللصوص بسرقة مسدس من مواطن كان يشتري القات، وإحدى كاميرات المراقبة الموجودة في السوق وثقت عملية السرقة، ومن ثم انتقلنا للكاميرات الموجودة في بعض المحلات المجاورة للسوق والتي رصدت لنا أن اللص كان لديه دراجة نارية يركنها خارج السوق، ومن ثم انتقلنا للكاميرات التي في الخط العام لمتابعة اللص وهو يقود دراجته النارية، واستمررنا في المتابعة وصولا إلى جولة مذبح، وهناك رصدت لنا إحدى الكاميرات رقم الدراجة النارية، وتم إبلاغ إدارة المرور، برقم الدراجة من أجل التعرف على هوية صاحبها، وبعد أن حصلنا على اسم صاحبها ومع استمرار التحري، تم ضبط صاحب الدراجة واسترجاع المسدس خلال أقل من 24 ساعة». 
وحول ما إذا كان التسجيل المصور أو ما ترصده كاميرات المراقبة يمكن اعتباره دليلا قاطعا وإثباتا للتهمة، يقول النقيب أحمد جميل: «نحن نعتبره دليلاً قاطعاً أو بداية خيط، بعكس النيابات التي تعتبره دليلاً غير كاف».

خلل قانوني
يؤكد المحامي علي الرهيدي أن ما ترصده الكاميرات من تسجيلات مصورة للجرائم والاعتداءات وغيرها، لا يؤخذ بها في القضاء كدليل قاطع أو كاف لإدانة الحادثة على المجرم، وذلك نتيجة خلل في نصوص القانون وليس في الكاميرات.
ويقول الرهيدي: «القانون اليمني لا يواكب العصر، وبحاجة إلى تطوير، لكون الحجج والأدلة الدامغة والمقاطع المصورة التي توثق الحادثة بالصوت والصورة لا توجد لها صيغة قانونية، أو نص قانوني لنسب الجريمة للمتهم».
ويضيف: «المقاطع المصورة أو المسجلة والرسائل النصية قانونيا لا ترتقي إلى مستوى الدليل، وليست حجة أو شاهداً قوياً، وإنما تعتبر مجرد قرينة، والسبب نصوص القانون».
ويتابع: «حتى لو أن مجرماً ارتكب جريمة قتل ورصدته كاميرات المراقبة وهو يرتكب الجريمة، وأثبت خبراء التكنولوجيا أن المقطع حقيقي وليس مفبركاً، فالقانون يعتبرها قرينة وليس دليلاً قاطعاً لنسب التهمة للجاني، وهنا تتم مواجهة المتهم بالفيديو المصور باعتبار ذلك قرينة على الجريمة وليس دليلاً، ومن ثم يتم حشره في زاوية ضيقة من خلال هذه القرينة، ولا يكون أمامه خيار سوى الاعتراف».
ويشدد الرهيدي على أهمية تطوير القانون اليمني ليواكب عصر التكنولوجيا، وكذا إضافة نص قانوني يخص التسجيلات المصورة وترقيتها إلى مرتبة الشاهد القوي بدلا من اعتبارها مجرد قرينة.