علي نعمان المقطري / لا ميديا -

العدوان بين العويل والتهويل 
السؤال الكبير الأهم الآن هو: هل العدوان الآن في وضع أفضل مما كان عليه قبل أسابيع وأشهر أو أعوام؟!
والجواب منتزع من الدراسات الميدانية لسير المعارك الحربية ونتائجها على الأرض وحقيقة الأحداث الجارية الآن وجوهرها ومعانيها وأين يقف العدوان على الصعيد الاستراتيجي التكتيكي والتوازن الدولي والإقليمي الحالي الذي يتحكم بالعدوان ووتائره، وهل ذلك يضيف أم ينقص من الظروف والقدرات والطاقات الحربية الهجومية للعدوان؟ وإلى ماذا يؤول ذلك ويفضي في النتيجة ويصب على نتائج المعارك والصراعات الاستراتيجية الجارية في بلادنا بشكل عام؟
وهناك سوال هام أيضا هو: هل الإمبريالية (الأمريكية ـ الصهيونية ـ السعودية) في المنطقة الآن في حال هجوم أم هي في حال دفاع؟ في حال قوة أم في حال ضعف؟ وما الذي يترتب على كل حالة؟
ما هي طبيعة المعركة الرئيسية الأهم التي تتبناها الإمبريالية؟ وما هو شكلها ونمطها وأسلوبها وميادينها؟ وما علاقة ذلك بمجموعة التطورات والمستجدات الاستراتيجية التي شهدتها منطقتنا منذ عام ونصف وأكثر باعتباره العام الحاسم، وأهمها:
1 ـ شن الإمبريالية الأمريكية موجة حرب نوعية جديدة وتدشينها لحرب جديدة ضد محور المقاومة الوطنية والقومية الإسلامية، بدأت باغتيال الشهيدين الكبيرين للمقاومة البطل قاسم سليماني، قائد جيش القدس والحرس الثوري في جمهورية إيران الإسلامية، والشهيد أبو موسى المهندس، قائد أركان الحشد الشعبي العراقي، ثم فجرت مجموعة من العمليات الإرهابية ومازالت تشمل مناطق العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها ثم انتقلت إلى نسف ميناء بيروت اللبناني.
2 ـ اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، الذي تعتبره «إسرائيل» الأب الروحي للبرنامج النووي الإيراني، ومن أهم أعدائها الألداء، وقد سبق لها أن قامت بخمس محاولات لاغتياله، إلا أنها فشلت، وها هي تفلح أخيراً في اغتياله متصورة أنها نالت من جبهة المقاومة، لكن العكس هو ما ينتظرها رغم الآلام العابرة التي تلم بالمقاومة وجبهاتها؟!
وقد هدفت إجمالي العمليات التي نفذتها الإمبريالية إلى إسقاط الأنظمة الوطنية التحررية بأكلاف أقل مما قد تتحمله لو اعتمدت التدخل العسكري المباشر.
وقد كانت النتيجة أن تلك الأحداث فجرت الغضب الشعبي الوطني والقومي والإسلامي في مختلف مراكز ومناطق المقاومة التحررية المعادية للاستعمار والإمبريالية، وأدت إلى طفرة هائلة من الغضب الناري المقدس وإشعال فتائل الحقد والاحتقار والتحفز الاستراتيجي والوعي القومي الثوري الحاد، فكونت حالة ثابتة متدفقة ومستمرة ومتطورة لا رجعة عنها (سيكولوجية ونفسية وعقلية وجسدية مشتركة) قوامها احتقار العدو والاستهانة بقوته وقواته وقيادته وعقيدته العدوانية الحيوانية المتوحشة.
حالة ثابتة من الجموح والاندفاع والرغبة الفائضة في القتال ووصولها وصعودها إلى أعلى المستويات النفسية والروحية والمقدسة الحسينية العلوية الصمادية، وخلق حالة استشهادية جهادية انتقامية عالية في جميع الميادين العربية الإسلامية، والاستعداد للنزال والقتال المباشر مع الأمريكي الصهيوني والرجعية العربية المزيفة، والدعوة والنهوض للاشتباك المباشر في جميع الساحات والميادين والجبهات بدءا من الساحة الفلسطينية واللبنانية والسورية والعراقية والإيرانية واليمنية، واستثمار الانتصارات والإنجازات الاستراتيجية والتكتيكية التي تحققت في الماضي والحاضر.

 كسر الإرادة المضادة
أرادت الإمبريالية خنق الإرادة العربية المقاومة بالإرهاب وإرعاب المقاتل العربي الإسلامي ودفعه إلى التخاذل والتردد والدخول في قطار الخيانة والتطبيع والقبول بالأمر الواقع وقبول المهانة والذل والعيش الملطخ المعجون بدماء الملايين من المظلومين والمقهورين، والتراجع عن المسيرة التحررية أو التباطؤ في حركتها ووتائرها على الأقل، والشك في مدى صدقية وسلامة خياراتها واستراتيجيتها وقيادتها. لكن النتيجة كانت على الضد مما يخطط له العدوان الكوني وقادته المتوحشون. وكانت النتيجة على الأرض هي اندفاع مئات الآلاف بل الملايين من المسلمين والعرب في كل مكان نحو ميادين القتال والجبهات والمراكز الكفاحية، وتضاعفت أعداد المقاتلين وقوتهم ومعنوياتهم وعدتهم، وتضاعفت رغباتهم وإرادتهم واستعدادهم للبذل، وارتفعت مناسيب وعيهم الاستراتيجي الروحي وتحولت إلى قوة مادية جديدة على الأرض بأشكال مختلفة من قوات ونوعيات وإرادات كلها تستعد لاستقبال المرحلة الهجومية الراهنة ضد العدو والعدوان.
كما اتسعت القواعد الشعبية المتعاطفة والراعية للمقاتلين والمجاهدين والحامية لهم ولأسرهم من الفاقة والحاجة، والتجهيز للغزو. كما قلبت أمزجة قطاعات واسعة من الشعوب العربية والإسلامية وتغيرت مواقفها السلبية السابقة التي كانت متأثرة بالدعاية والدعاوى المشوهة والمشككة التي تطلقها الوسائل الإعلامية والأيديولوجيات المخترقة والمنشورات والأوهام الماضوية المترسبة. كلها باتت تتحطم وتتحول إلى غبار أمام الواقع الدامي العدواني.
 
أحيونا من حيث أرادوا موتنا
نحن أمة كُلفت بحمل رسالة السماء والدفاع عنها ونشرها والقتال لأجلها، موعودة بالانتصار مهما بلغت التضحيات والأكلاف، فهي مقدور عليها، لأنها مدعومة بإرادة المولى العزيز الجبار وتأييده، وسيان إن أسرع النصر أو أبطأ، فالوعد عهد ويقين وحق، تقدم أو تأخر، فلكل أجل كتاب ولكل أمر ميعاد فلا بد مما منه بد، والذين أرادوا موتنا قد منحونا فرصة الحياة العزيزة الحرة الخالدة الكريمة، وتلك عقيدة قاهرة لا تغلب. 
ونحن أمة بغي علينا ومازال هذ البغي منذ قرون وعقود، وعلى قدر دوام ذلك البغي والظلم والإجحاف والعسف يكون الجواب ويكون الرد والانتصاف، ويكون اليقين الذي لا يرقى إليه الشك ولا يخالطه التردد والأوهام، فهي مظلومية واعية مستبصرة مدركة لحقوقها ومواطن قوتها ورسالتها المقدسة، ومؤمنة أشد الإيمان بمدى صدقيتها وعدالتها وحتمية انتصارها اليوم وغدا وفي كل الساحات التي تفتحها قوى الإمبريالية والرجعية والعمالة والتبعية والاستعمار والاستبداد.
ومن هنا فإننا لا نقيس أسباب الفشل والنجاح في المواجهة بأسباب ومقاييس الماديات والكميات والعدد والعديد وحدها، وإنما تقاس وتحسب بالموازين الروحية والأخلاقية والمبدئية والإرادية وقوة الوعي والقناعات والإيمان الجازم والرغبة الحارة بكسر شوكة الأعداء وتحطيم القيود والأغلال واسترداد الحقوق والمسلوبات، وتفضيل الحياة الحرة العزيزة في الكفاح والاستشهاد على السلم الجبان والموادعة الدنيئة والعيش الرغد الذليل، فضربات السيوف في عز خير من الذل والاستسلام، وهي إحدى الحسنيين، وقد سبق أن قالها الشهيد الأعظم: «هيهات منا الذلة»، واستقبال الموت خير من استدباره.

على أبواب مأرب
العدو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأحسنوا الضربات والتسديد واخنقوا الأراجيف والخيانات في المؤخرات، وحافظوا على الوحدة والرفاق و«السلاح صاحي» دوما.
فالعدو قد هلك وضعفت وتآكلت شوكاته، وانتقل لفتح جبهات الداخل السرية لعله يجد له مأربا يقضيه خفية في ظلام الغدر والخداع، لكن هيهات هيهات! الانتصارات التي تتحقق يوميا وكل ساعة تدوخ الإرادات وتخدر البصيرة وتدير الرؤوس بنشواتها وزهوها، فما زال الوقت باكرا لنزهو.
طوال العام منذ شن جيشنا ولجاننا الشعبية الأبطال هجوماتهم المضادة على محاور الساحل الغربي وقهر العدو على أبواب الحديدة والدريهمي والفازة والتحيتا وإلى معارك آل أبو جبارة وإلى حيران وإلى مجازة وعسير وجيزان ونجران وحتى العود وقعطبة والحشاء وماوية وإلى نهم والجوف وإلى ماس وصرواح والجدعان ومدغل والنضود وإلى العبدية والماهلية وقانية وحوران والبيضاء وإلى جبل مراد وإلى حريب والجوبة وكوفل وهيلان حتى مشارف السد، عبر مسيرة ماجدة طويلة سارها الجيش اليمني ولجانه الشعبية والقبائل اليمنية الحرة الأبية استغرقت أكثر من عامين من المعارك الواسعة والعدو ينتقل من كسرة إلى آخر، ومن هزيمة وفشل إلى هزائم جديدة، ورغم أسلحته المتفوقة وطيرانه وقوته الكونية الغاصبة وأمواله فهو مازال ينتقل من هزيمة إلى أخرى وباستمرار.
وهي وقائع مشهودة على الأرض يلهج بها العدو قبل الصديق، ولا يستطيع إنكارها، لشعة نورها وحقائقها واستحالة إخفائها.

عامان من الإنجازات الاستثنائية
حققت قواتنا وشعبنا كل هذه الإنجازات والعدو كان مايزال في أشد قوته وفتوته وترامب يتبختر مزهوا بقوته يصول ويجول في ساحة العدوان والحرب يمني نفسه وعملاءه ووكلاءه بأن يحقق الغاية من العدوان والحرب؛ ولكن ها هو يجرجر ذيله خاسرا مخذولا مذموما مدحورا من شعبه أيضاً بعد أربع سنوات من الموت والدمار والخراب وملايين الصواريخ الجوية ألقيت علينا كلعب الأطفال، وسقط الكثير من الشهداء وفرض الحصار الشامل علينا، لكن الجوع والموت والإرهاب لم تكسر شوكتنا الروحية، بل زادت شعبنا وجيشنا وأبناءنا يقينا بالنصر وحتميته واستعدادا أكبر فأكبر للصمود.
وخلال عامين فقط من حملة ترامب الكونية المتوحشة علينا وعلى بلادنا كسرت هيبته وشوكته وأسلحته الجهنمية الأقوى في العالم، وقد تحولت إلى خردة وزبالة، ودفن في رمال الوطن وشعابه وترابه مئات الآلاف من المرتزقة الذين جهزوا وأرسلوا لاحتلال الوطن واستعباده، وها هو اليوم هو وجلادوه وزبانيته وعملاؤه يعضون على جراحاتهم ويفرون، وكانوا قد بلغوا أكثر من مليون مرتزق محلي وأجنبي ومن كل بلاد، والجميع ها هم يلعقون جراحات هزائمهم.