ليزا جاردينر / مرافئ - 
في كوبنهاجن اكتشفت قلعة للفايكنج في قعر حقل على الجنوب الغربي للمدينة، وطبعا هناك حصون كثيرة للفايكنج في أرض الدنمارك الباردة. إن عصر الفايكنج يمثل حقبة مثيرة ودامية في أوروبا الشمالية، وقد امتدّ وعرف التاريخ الإسكندنافي منذ القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر. وقد لا نجانب الصواب حين نقول إنه يحيط بقلاعهم أسرارٌ طمست معهم. 
وها نحن نقف مجلّين أمام تلك الحصون والقلاع! ومع هذه القلاع والحصون الجبارة نقف وقفة احترام وتبجيل لحصون وقلاع تعانق بكل حب وبهاء ضباب السماء، وهي تحدثنا إن أمعنّا الإنصات إليها عن تاريخ عميق في مديرية الحدا في اليمن.
يحد المديرية الشامخة من الشمال مديريات منها الحصن وبني ضبيان، وبلاد الروس (محافظة صنعاء)، ومن الجنوب يحدها ميفعة عنس، ومن الشرق يحدها القريشي وبني ضبيان، ومن الغرب جهران ومدينة ذمار. 
في أرض الحدا ذات الطابع الحميري الأصيل تستشهد الحجارة والسماء بهذه الأصالة والشموخ حيث نرى ونحس حصونها التي تكاد أن تنطق وتقول: ها هي ذي الأصالة والعزة والإباء. 
إن حصون الحميريين في الحدا تسخر من الدنمارك وتهتف مواقعها الأثرية مثل «بينون» في مخلاف ثوبان وأيضا النخلة الحمراء في مخلاف الكميم، ويزمجر تمثال ذمار علي، ملك سبأ وذي ريدان، كأنه يقول للفايكنج: أين أنتم من شجاعتنا ومعجزة حضارتنا اليمنية الصامدة في وجه الدهر والأيام؟
إن هذه الهندسة المعمارية القديمة شغلت العالم منذ قديم الزمان إلى اليوم، ويشهد على هذا حصن «مفتاح» المهيب، الذي هو من المعالم الباذخة في أرض الحدا. وقد لا يجب أن ننسى حصون المنطقة التي تتألق بنقوش مسندية تاريخية، مثل حصن نونة في قرية نونة الخالدة وبركها المنسقة كأنها طريق إلى الجنة. هذه البرك التي تحتضن مياه الأمطار العذبة المباركة لتجد لها ملجأ ومستقرا في البرك المدرجة من أعلى إلى أسفل الحصن، كأنها تداعب العطشان لتسقيه مياها نقية. ولا ينسى الإنسان اليمني الخير، فقد كان ومازال رسولا للخير عبر الأزمنة، كيف لا وحصن «قهلان» في منطقة الكميم بمديرية الحدا شاهد على هذا التاريخ الأجَلّ بجلالة آثاره المحيرة الساحرة، ليشهد على ما تبقى من خراب قصر «بينون» الحميري. ونخص بذكر حصن ساقيتين وغيرها من الحصون التي تزين هذه المنطقة وتزيدها علوا وشموخا لتبرز منطقة الحدا في حلة بهية مطرزة من الحصون والقلاع الأبية. 
كما يجب ألا ننسى عطور النقش المسندي في مسجد يكار القديم ليحكي لنا عن قصة عظمة الإنسان اليمني وأهل الحدا بخاصّة.
وقد يستوقفنا هنا اسم الحدا، وقد عرّج المؤرخون على دلالة هذا الاسم الذي انشق من «الحداء بن مراد، بن مالك، وهو مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن كريب بن زيد بن كهلان بن سبأ».
ولا تخفي هذه المدينة البهية أصلها البارق كبروق الرعد الواثب، وفي بطن وظهر الحدا أسرار من الآثار ومواقع تاريخية تعود إلى العهدين السبئي والحميري. ويقول المؤرخون ان الملك «أبو بكر أسعد» هو من شيد هذه المنطقة الأبية العريقة، وكانت ومازالت مَعْلَم الحضارة والحِمى. 
هنا في الحدا بقايا حصون تندهش لها العيون والأنفس، بأحجارها العظيمة المنحوتة من حجارة البلق الأبيض كأنها بياض الجليد في البلاد الاسكندنافية، ناهيك عن تداخل الأحجار الهندسية التي لا يستطيع حتى الرجل الخارق أن ينتزع منها حجرة بيضاء ملساء تسر الناظرين لأن هذه الحصون والقلاع والقصور مبنية بحجارة قدسيّة، تتداخل الأحجار بما فوقها وتحتها بطريقة هندسية منظمة لا يستطيع أي إنسان أن ينتزعها البتة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة الفكر المعماري الحضاري لأهل تلك المنطقة، وكأن حصون أرض الحدا وأهلها يُعلمون التاريخ درساً في الأصالة والحكمة اليمنية، وهذا ما يجعلنا نؤكّد أن الحدا كنز زاخر بآثارها وبسدودها المائية، وحصونها العتية وقلاعها وكذلك قصورها، فهي ضرب من الإعجاز الحضاري الحميري في المنطقة.