خاص دمشق  - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تشهد المنطقة الشرقية في سورية تطورات يبدو أنها تشير  إلى مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي "إخراج الأمريكيين من سورية".
فخلال أسبوع واحد تعرضت القاعدة الأمريكية في حقل عمر النفطي في محافظة دير الزور شرق سورية لقصف بالقذائف، حيث سقطت قذيفتان على المدينة السكنية داخل القاعدة، ما أدى -بحسب المصادر الأمريكية- إلى أضرار مادية في القاعدة من دون وقوع خسائر بشرية، لكن المنطقة شهدت بعد القصف تحليقاً مكثّفاً للطيران الأمريكي واستنفاراً كبيراً في صفوف الجنود الأمريكيين وعناصر مليشيا "قسد" العميلة داخل القاعدة.
كما سمع دويّ أربعة انفجارات مجهولة المصدر داخل قاعدة معمل غاز "كونيكو"، التي تحوي جنوداً أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين.
وكانت القاعدة الأمريكية داخل حقل عمر قد تعرضت قبل أيام لقصف صاروخي، أدى إلى وقوع إصابات في صفوف الأمريكيين لم تعرف تفاصيلها بسبب التعتيم الإعلامي.
ولتوضيح المشهد، نشير إلى أن القوات الأمريكية تتواجد في منطقة شرق الفرات بشكل غير مشروع وغير قانوني، وهذه المنطقة تعتبر خزان سورية من النفط والغاز والمحاصيل الاستراتيجية الرئيسية وخاصة القمح والقطن، حيث تقوم القوات الأمريكية بسرقة هذه الثروات وتقوم من خلال عملائها بحرق ما لا تستطيع سرقته من محاصيل القمح.
كما تقوم القوات الأمريكية برعاية عناصر داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى، وتقدم لها الخدمات اللوجستية والميدانية لتقوم بتنفيذ المهمات التي تخدم المصالح الأمريكية، وخاصة محاولة قطع الحدود السورية العراقية، لقطع طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت وصولا إلى فلسطين المحتلة، وكذلك طريق الحرير الصيني الجديد (الحزام والطريق) الذي ينتهي في الشواطئ السورية.
تكرار القصف يؤكد أن ما يجري ليس مجرد حوادث عرضية، وإنما تقف وراءه جهة اتخذت قراراً وعناصر ميدانية تنفذه.
فعدا عن أولوية وأهمية إنهاء الوجود الأمريكي بالنسبة للقيادة السورية والشعب السوري للخلاص من الحصار والضغوط، لأنه أصبح أكثر من مجرد وجود استعماري وغير مشروع، فإن إنهاء هذا الوجود أصبح ضرورة لا بد منها لاستكمال التحولات الجارية في توازنات وموازين القوى الإقليمية والدولية، التي تتشكل من رحم التطورات في هذه المنطقة، والتي تحدث عنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منذ العام 2012 عندما قال إن "العالم سيترتب بالطريقة التي ستنتهي بها الأزمة السورية".
هذا يؤكد أن قوى كثيرة إقليمية ودولية من مصلحتها الاستراتيجية إنهاء الوجود الأمريكي في سورية والعراق، خاصة وأن الظرف يبدو مناسباً مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والذي يعتبر هزيمة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية.
فروسيا تعتبر سورية ضمن نطاق مصالحها الحيوية والاستراتيجية، ومن دونها لا يمكن أن تحافظ على مكانتها كدولة عظمى.
والصين لا يمكن أن تستكمل مشروعها الاستراتيجي (الحزام والطريق) الذي ينتهي في السواحل السورية، والذي يعكس مكانتها العالمية الجديدة، في ظل الوجود الأمريكي الذي يستهدف من ضمن أهدافه الاستراتيجية في سورية قطع هذا الطريق تحديداً.
وإيران تعرف أنها مستهدفة بالتواجد الأمريكي في سورية تحديداً مثل سورية، وأن قوتها وصمودها في كل الملفات المفتوحة مع أمريكا تتعلق بشكل مباشر بالتواجد الأمريكي في سورية.
بدورها أمريكا ومن معها في تحالفها العدواني يدركون حساسية هذا الأمر، وأهمية سورية وموقعها الجوسياسي في تحديد التوازنات وموازين القوى الإقليمية والدولية التي تتشكل، ولذلك نراها تناور بكل ما تستطيع من قوة، وهذا ما يجعل أي مسعى سياسي أو دبلوماسي لإخراجها من سورية بدون أي فائدة، وبالتالي لا بد من اللجوء إلى القوة والعمل العسكري وبشكل يحقق عدة أهداف استراتيجية، وهي إخراجها من سورية وتاليا العراق، ومنع الانزلاق إلى صراع إقليمي ودولي مفتوح، وبما لا يلحق ضرراً أكبر بالدولة السورية التي لا تزال تتعرض للعدوان الشرس عليها منذ أكثر من 10 سنوات.
هذه القواعد والضوابط هي التي تتحكم بشكل رئيسي بموضوع التعامل مع الوجود الأمريكي غير المشروع في سورية، وهي السبب الرئيسي في استخدام سياسة الصبر الاستراتيجي حتى تحين الفرصة المناسبة لإخراج هذه المواجهة إلى حيز التنفيذ الميداني، وبالشكل الذي تراه غرفة العمليات المنوط بها مناقشة هذا الموضوع واتخاذ القرار المناسب بشأنه، وخاصة فيما إذا كانت المواجهة ستكون مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق تنظيم مقاومة شعبية مسلحة تتولى المهمة.
وفي هذا الصدد نقلت مصادر دبلوماسية عربية في عاصمة الاتحاد الأوروبي (بروكسل)، عن خلاصة تقرير أعدته أجهزة استخبارات غربية تأكيدها أن القيادة السورية وجهت إنذاراً إلى واشنطن وجهات معنية بالأمر، بأنها والدول الحليفة لها لن تتوانى عن تفجير المنطقة، ليس فقط لتغيير قواعد الاشتباك وإنما أيضاً لتغيير قواعد اللعبة إذا استمر الحصار الأمريكي على سورية، ورفضت الانسحاب منها.
وبالتأكيد، فإن مثل هذا الإنذار لا يمكن أن توجهه سورية إلا بعد أن تكون قد ناقشته مع حلفائها وأصدقائها وأطلقته بالاتفاق معهم، وبعد مناقشة كل الاحتمالات المترتبة عليه، خصوصاً وأن سورية وحلف المقاومة ومن معها انتقلوا من مرحلة الدفاع السلبي، إلى مرحلة الدفاع الإيجابي، ويبدو أنهم دخلوا مرحلة الهجوم.
بالتأكيد، لا بد من الانتظار بعض الوقت، لنرى كيف ستترجم هذه الأمور على أرض الواقع، ولمعرفة أين تتجه المنطقة؛ لكنها بالتأكيد لن تكون إلا خطوة جديدة في طريق الانتصارات التي يحققها محور المقاومة.