تقرير- غازي المفلحي / لا ميديا -
ضمن الحروب المأساوية التي أشعلها النظام البائد بطرق مباشرة وغير مباشرة بين القبائل اليمنية معركة مروعة وقاسية في منطقة "دقرين" المتوسطة لمديرية الحيمة الخارجية ومديرية بني مطر بمحافظة صنعاء، بدأت منذ العام 2000م واستمرت لقرابة عقدين من الزمان. واشتعلت حرب ضروس ومعقدة بين أبناء قبائل مديرية الحيمة الخارجية وقبائل مديرية بني مطر، وكان أبناء منطقة دقرين وقودها وأرضهم ومساكنهم مسرحها.
كان قتالا مريرا وحقبة حالكة الظلام ومهولة الأحزان والفجائع من حياتهم كما يحكي أبناء دقرين، التي كان يسكنها خليط من أبناء الحيمة الخارجية وبني مطر، فنتيجة سيطرة عمى العصبية القبلية وبلوغ الفتنة والحقد ذروتهما تقاتل الإخوة وأبناء العمومة والأنساب والأقارب والجيران صانعين واحدة من أكبر مآسي قبائل صنعاء.
عادة فإن الحروب القبلية والثارات تحصد الأرواح وبعض الممتلكات، ولكن في دقرين كانت المأساة كبيرة وصادمة حيث تسبب الثارات القبلية في تدمير المنطقة بشكل مروع وكأنها تعرضت لعمل حربي خارجي أو عدوان.
ومما يظهر حجم تعقيد المأساة في دقرين هي تقاتل الأهل والأنساب، مثل أسرة "آل مجلي" التي جزء منها ينتمي قبلياً إلى مديرية الحيمة الخارجية وجزء ينتمي قبلياً إلى مديرية بني مطر، فكان القتل، الذي استخدم فيه الأسلحة المتوسطة (المدافع الرشاشة، ومدافع b10، ومدافع الهاون، وقذائف آر بي جي، والقنابل اليدوية)، مروعا بين أبناء الدم الواحد، والخراب والدمار الذي طال المنازل والممتلكات كان كبيراً.
تسببت المعارك بمقتل أكثر من 38 شخصا وسقوط عدد من الجرحى والمعاقين من أبناء دقرين، فضلا عن سقوط قتلى من المواطنين في الطرقات من خارج المنطقة صادف تواجدهم لحظة الاشتباكات.
كما تسببت تلك الثارات التي أشعلها النظام السابق، في حرمان بعض النساء من رؤية أهاليهن لسنين طويلة.
هجرت المعارك في منطقة دقرين الأسر بالكامل، وأصبحت منطقة عسكرية قبلية وتركت الأراضي الزراعية والمزارع وكل الحياة وهرب الناس، ووصل أبناء المنطقة إلى ذروة من أن تنتهي الحرب أو أن تعود منطقتهم صالحة للحياة.
وتمددت ساحة معركة الثأر التي استمرت لأكثر من 19 عاماً، وتغيرت الأساليب في صناعة المآسي بين المتحاربين، فبعد أن نزل المتحاربون من المواقع تقاتلوا في الطرقات والأسواق وعلى متون السيارات، وتصيد الجميع في كل مكان خارج ساحة المعركة الرئيسية.
يقول حميد مجلي، من أبناء دقرين الحيمة الخارجية، إنه أكثر من 16 عاماً ولم تفارقه البندقية يوماً واحداً، فقد كان الذعر هو المسيطر على حياتهم والثأر هو عنوانهم في الحياة، وينتظرون القتل في أي لحظة.
بدأ الخلاف حول قطعة أرض، لكن سلطات النظام البائد لم تقم بحل الخلاف، بل عمقته كما شكا أبناء دقرين الذين قالوا إنهم كانوا يطلبون من السلطات أن تتدخل وتحل المشكلة، ووصل الأمر أن يدفعوا لها الأموال حتى لأجل أن تنزع فتيل النزاع وتضع حداً للقتل. لكن الإجابة من السلطات كما يقول أهالي دقرين: "تقاتلوا" إلى أن يفنى المتحاربون.
وعلى وقع أصوات الحرب الضروس على تخوم العاصمة كان مسؤولو الدولة المتحركون بين الحديدة وصنعاء يتحركون بمواكب مدرعة بجوار المعركة التي لم يحركوا ساكنا لإيقافها.
وفي الوقت الذي كانت رحى حرب دقرين تفرم أبناء الحيمة الخارجية وبني مطر، كانت قوات النظام البائد تدعم المتحاربين من أبناء المنطقة بالأسلحة، وكانت مواقع لقوات ما تسمى «الفرقة الأولى مدرع»   على بعد 50 متراً من متاريس المتحاربين ولم تحرك ساكناً.
رحل النظام البائـد، ولكـن الحـرب المأساوية شديدة التعقيد بين أبناء دقرين لم تنته، واستمرت مأساتهم، إلى أن جاءت ثورة 21 أيلول/ سبتمبر.
ووسط هذه الكارثة التي بدا الحل فيها مستحيلا لمعارك دقرين، حضرت المسيرة القرآنية بهدي الله لتنجز الصلح المستحيل بين المتحاربين، كما أنجزت المستحيل في حال اليمن، وكما ستنجزه في حال الأمة، فأخذ الأهالي المتحاربون ينخرطون في دورات ثقافية، وذهب بعضهم إلى الجبهات، وأصبح أعداء الأمس في خندق واحد ضد عدوهم الحقيقي، وأصبحوا يحمون بعضاً ويخافون على بعض ويأكلون من طبق واحد.
 يقول فيصل مجلي، من أبناء دقرين مديرية بني مطر: في الجبهة كنا نستحي من بعض بعد أن عرفنا هدى الله، وتساءلنا لماذا تقاتلنا بذلك الشكل، ثم تآلفت القلوب التي تحاربت بفضل الله.
وبتوجيهات من قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي رعي صلح شامل بين أبناء دقرين بواسطة عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي وعدد من المشائخ والوجاهات، وتم العفو والتنازل المتبادل بين أطراف الحرب. 
ليست مأساة منطقة دقرين المهولة حدثا وحيدا في اليمن، فقد كانت السلطة العميلة تنكل بالقبائل اليمنية بإشعال الحروب في ما بينها وإشغالها في نفسها ليتسنى للحاكم المحكوم من السفارة الأمريكية الانفراد بالبلاد وثرواتها وسيادتها ومسارها وقرارها.