خاص - علي عطروس
حينما سطر الفيلسوف الإغريقي الشهير أفلاطون كتابه "المدينة الفاضلة" لم يدر بخلده حينها أن يأتي من يتفلسف من بعده بآلاف السنوات ويُسقط فضائل مدينته المتخيلة عكسياً وعلى واقعٍ مُزرٍ جداً ومختلفٍ تماماً يُحيل كل ما قاله أفلاطون إلى إكليشات نمطية تقليدية وتجريدية كتلك التي تعود خصم إفلاطون هذا على نشرها كل أسبوع بين موقعي قناة الميادين وصحيفة رأي اليوم الإلكترونية.
يوتيوبا (أفلاطون - بن حبتور) لم ولن تتحقق في التاريخ إلا في حالة واحدة مثبتة ووحيدة محققة هي تلك التي صنعها وأنجزها الرسول محمد صلى الله عليه و على آله وسلم في المدينة المنورة وبرغم ذلك فلم تخل حتى هذه المدينة الفاضلة من شواذ الأحداث والحوادث والأشخاص والشخصيات وما صلاة ابن أُبي في الصف الأول وبراءة النبي مما فعل خالد وغضب الرسول مما عمل حاطب بن أبي بلتعة إلا بعض من شظايا اليوتيوبا السماوية المتحققة على أرض طيبة.
لاحقاً سقط الكثير من رموز تلك الفضائل من سماء المُتخيل/ المتحقق النبوي إلى واقع الدنيا وحقائق الناس ولن يكون الصحابي أبو ذر هو أول من اصطدم بذلك الواقع حتى يدفع ثمن اكتشافه بالنفي والعقاب.. ولنتذكر أن من أول قرارات الإمام علي بن أبي طالب بغية العودة إلى داخل فناء تلك المدينة كان قراره بإرجاع ما اقتطعه قادة الفتوح في العراق والشام (وهم بالمناسبة من السابقين) من أراضٍ وأموالٍ إلى بيت مال المسلمين وهو القرار الذي جعل الإمام في مواجهة صدامية مباشرة مع اللوبي السلطوي الاستحواذي عسكرياً وسياسياً وانتهت المواجهة تلك بسيف الأشقى ابن ملجم في جبهة الأنقى ابن أبي طالب.
لن يحتمل الدكتور بن حبتور استدعاء المزيد من تداعيات التاريخ ليتحمل مسؤوليته التاريخية وهو من يدرك الأولى بحكم ثقافته الأكاديمية وينكر الأخرى بالاحتكام إلى سفسطائيته المملة وإحكام تجربته السابقة/ اللاحقة في صالونات الحكم والحكومة على كل بديهيات الحقيقة وعلى جميع أبجديات الواقع.
ينكر ويتنكر رئيس حكومة الإنقاذ عبدالعزيز بن حبتور لوجود فساد مالي في حكومته التي توشك أن تدخل عامها السابع وهي لا تجيد سوى تأتأة الصمود وتبرير الوجود وتمرير العقود.
في الفعالية التي نظمتها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وجهات قطاع الرقابة ومكافحة الفساد في مجلس النواب لاستعراض التقرير السنوي للعام 2022 للقطاع وتقييم مستوى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (والتي يعتبرها رئيس دولة الإنقاذ مجرد فعالية علمية وثقافية بحسب كلامه في الفعالية) يستمر الدكتور بن حبتور في ممارسة هوايته المخاتلة كالمعتاد معيداً التذكير بأن "الوطن في لحظة تاريخية استثنائية" محيلاً الفعل للوطن ذاته حيث "يقوم هذا الوطن بعمل كبير في مجابهة العدوان في الحدود والجبهات الداخلية ويكافح الفساد في الداخل" ولا ندري ما الذي فعله هو من أجل الوطن هذا وهل الوطن بذاته ولذاته هو من يكافح الفساد في الداخل؟!
يتباهى بن حبتور  -في المقابل- في "إنجاز مسؤولية أساسية محددة" تتمثل في "الدفاع عن الدولة من خلال الجيش والأمن في الحدود والجبهات الداخلية وأيضا ضمان استمرار الأجهزة الحكومية في أداء وظائفها بما فيها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد" لكنه يحيل أيضاً هكذا (إنجاز) إلى "تآزر وتضامن الجميع" ولا ندري موقعه من كل هذا الجمع ومن جميع هذا الجميع كما لا نعلم ما هي الوظائف الناتجة عن استمرار الأجهزة الحكومية في أدائها المنعكس شفافية في الأعلى وخدماتٍ في الأسفل كما هو واجب الحكومة افتراضاً.
يستمر بن حبتور في التباهي -متشجعاً من مواكبة أيدي الحاضرين للتصفيق مع كل فقرة يقولها- ولينوه -من نوه يتنوه تنويها- "بحجم العمل الذي تحقق طيلة ثماني سنوات من مواجهة العدوان والحصار والحرب الشرسة، أكانت على المستوى الإعلامي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الديني" لكنه وكالعادة لم يمنحنا مقدار ذلك الحجم ومقياس تلك المستويات ومعيار (حكومته) المستخدم في تحقيق كل ذلك وجميع تلك!
اللافت للانتباه في (خطبة) بن حبتور المذكورة أعلاه، إشارته إلى "أهمية مراعاة عملية الاستفادة المثلى من التنوع الجهوي والثقافي والاجتماعي الذي يتميز به الشعب اليمني في مختلف جوانب الحياة" (كرر مفردة الجهوي عدة مرات) وتشديده على مراعاة تلك المفردة في "النشاط السياسي والوظيفي" وهو أمر نتفق معه عليه بشرط عدم إغفال أن الجهوية أحيانا ولدى البعض لا تعني سوى اتجاه واحد ووحيد هو "أنا"!
في الخطبة ذاتها يشيد (دولة الرئيس) "بتقرير هيئة مكافحة الفساد، وما تضمنه من بيانات كنموذج إيجابي مكتوب"، لكنه لم يشر ولن يفعل إلى نماذج إيجابية مكتوبة أخرى قدمت إليه وإلى غيره ونُشر بعضها في الصحافة الوطنية "لن نختصر هذه الصحافة في صحيفة لا لا سمح الله" وانتهت تلك النماذج إلى أدراج (الغرماء) وفي أحسن الأحوال إلى أرشيف من لا نعلم.
أخيراً واستمراءً لطبعه في إحالة المسؤولية واستمراراً لنهجه في عدم تحملها يقول بن حبتور إن "فخامة الرئيس مهدي المشاط يدير دولة بكتلة بشرية كبيرة تصل إلى 75 بالمائة من إجمالي السكان، وبموارد محدودة لا تتجاوز سبعة بالمائة مما هو متاح للطرف الآخر" وهو ما يذكر أيضاً بحديثه المتكرر عن إنكار وجود فساد بسبب أنه لم تعد هناك موارد ولا توجد هناك أموال حتى يحدث الفساد ويذكر هذا أيضاً بلزوم الإشارة لعدم تقديم حكومة بن حبتور لموازنتها طوال السنوات الماضية ومادام وهو قد ذكر موارد الـ7٪ فليخبرنا بالأرقام أيضاً مقدار هذه السبعة وأين تذهب؟!