غازي المفلحي/ لا ميديا -
عاد إلى الأضواء مؤخراً التحرك الأمريكي الصريح في جنوب اليمن، خصوصاً في محافظة حضرموت.
ورغم أن الوجود الأمريكي في مياه وبر اليمن جنوباً وشرقاً ليس جديداً، إلا أن عشرات جنود المارينز نزلوا في محافظة حضرموت الشهر الماضي، ضمن تحرك أمريكي مكثف وملفت باتجاه اليمن.
تبحث «لا» مع خبراء ومحللين، يمنيين وعرب، عن ترجمة لهذه التحركات الأمريكية على خريطة الأحداث المحلية والدولية، وعن معانيها وفق ساعة التوقيت اليمني والعالمي حالياً...

أطماع قَرن
في 7 آب/ أغسطس الماضي، أعلن الأسطول الخامس، التابع للبحرية الأمريكية، وصول أكثر من 3 آلاف جندي أمريكي إلى “الشرق الأوسط”، ودخول السفينة الهجومية البرمائية “يو إس إس باتان” وسفينة الإنزال “يو إس إس كارتر هول” البحر الأحمر.
وقال البيان إن منطقة عمليات الأسطول تشمل قناة السويس والبحر الأحمر ومضيق باب المندب وأجزاء من المحيط الهندي و3 نقاط حرجة في مضيق هرمز والخليج العربي وخليج عُمان.
كما أكدت مصادر مطلعة في القيادة السياسية بصنعاء أنه يتم مراقبة التدفق الملحوظ للقوات والبارجات الحربية الأمريكية قبالة السواحل والجزر اليمنية وباب المندب، وكذلك تموضع تلك القوات في قاعدتي العند وخور عميرة، بمحافظة لحج، وكذلك في قواعد أخرى بحضرموت والمهرة وجزيرتي سقطرى وميون.
العميد عبدالله الجفري، المحلل العسكري والناطق السابق للقوات الجوية اليمنية، يعلق على ذلك في حديث خاص مع “لا” بالقول: “أطماع الولايات المتحدة في حضرموت قديمة وتعود إلى القرن الماضي، وهي مرتبطة بأول عملية استخراج نفط في المنطقة، والتي كانت في حضرموت عام 1929، زمن الاحتلال البريطاني لليمن”.
ويضيف: “الولايات المتحدة حاولت في ستينيات القرن الماضي السيطرة على حضرموت، ودفعت بمرتزقة حينها لتشكيل ما سمي “أبناء العصبة الحضرمية”، والذين قدموا مذكرة اعتبرت حضرموت جزءاً من المملكة السعودية. لكن القوى الوطنية من أبناء المحافظة تصدوا لذلك المشروع، وخاضوا معارك طرد على إثرها مرتزقة “العصبة الحضرمية” عامي 1966 و1967 قبل طرد الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967”.
ويؤكد الجفري أن مساعي الولايات المتحدة للسيطرة على حضرموت واليمن ومياهه لم تتوقف أبدا.
أما بالنسبة للتحرك الأمريكي الأخير في محافظة حضرموت، فيقول الجفري إن له دلالات عديدة، منها: “مواجهة الصين، حيث سارعت أمريكا لتضمن سيطرتها على حضرموت وباب المندب والمياه اليمنية الاستراتيجية والمفتاحية في طريق التجارة العالمية. كما تسعى أمريكا لتعزيز موقفها في مفاوضات الملف النووي الإيراني، وضمان تموقع استراتيجي لها وللكيان الصهيوني في المياه اليمنية لمواجهة محور المقاومة، الذي أصبح اليمن جزءاً منه. كما يأتي التحرك الأمريكي نتيجة التقدم في مفاوضات إنهاء العدوان على اليمن وكذلك التقارب الإيراني السعودية بوساطة صينية”.
ويزيد الجفري: “تسعى الولايات المتحدة أيضا، ومعها النظام السعودي، لاقتطاع حضرموت من اليمن وتشكيل عدد من المكونات التي تطالب بإقامة دولة حضرموت عبر مشروع ما يسمى مجلس حضرموت الوطني”.

تعميق التقسيم وتعزيز المصالح
تقول الدكتورة ميادة رزوق، الباحثة والأكاديمية السورية، في حديث خصت به صحيفة “لا”: “قد يكون الحضور الأمريكي في حضرموت ومحافظات الشرق اليمنية ضمن تفاصيل التنافس العالمي بين القوى الكبرى، وخصوصاً الصين وروسيا والولايات المتحدة، نحو نوع جديد من العلاقات الدولية يرسم معالم نظام عالمي متعدد الأوجه، ينهي عصر القطبية الواحدة وسيطرة الغرب الاستعماري والنفوذ الأمريكي في أكثر من جغرافية في العالم، وخاصة بعد الحرب الأوكرانية، وتنامي النفوذ الصيني والروسي في العالم، وما تمخض عنه الاتفاق الاستراتيجي برعاية صينية بين السعودية وإيران وانعكاساته الإيجابية على الإقليم”.
وتوضح رزوق أن “استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة تقوم على إعادة تعزيز نفوذها ومكانتها فيها بوصفها قوة عظمى تحجز مكاناً لها في معادلات العالم الجديد، بالإضافة إلى مخطط السيطرة على الموانئ اليمنية ومنابع الطاقة والثروة، واستمرار نهب خيرات ومقدرات اليمن النفطية والغازية والسمكية وغيرها من الثروات، والسيطرة على موقعه الجغرافي، بما يخلق واقعاً جديداً، مع تعمد استمرار حصار الشعب اليمني براً وجواً وبحراً، والحفاظ على مشهد التقسيم وتعزيزه وتعميقه لاستدامة الحرب اليمنية ومنع توقفها؛ لأن اليمن يشكل تهديداً حقيقياً وخطيراً لمصالح أمريكا والكيان الصهيوني، وخاصة من ناحية سيطرته على مضيق باب المندب، في ظل أزمة الطاقة التي يمر بها العالم بسبب الحرب الأوكرانية وأزمة سلاسل التوريد للدول الأوروبية”.
وتضيف أنه منذ عام 2015 وطوال الحرب اليمنية لم يغب الدور الأمريكي عن المشهد اليمني، بل ظل سعي الولايات المتحدة حاضراً لتوطيد دعائم سيطرتها على منابع الثروة النفطية اليمنية والممرات البحرية والجزر الاستراتيجية الواقعة داخل دائرة السيادة اليمنية وفي محيطها؛ لكن “التواجد الأمريكي اليوم ليس إلا سعياً لإبقاء الصراع محتدماً تحت سقف التزام الأطراف المحلية والاقليمية بالأجندة الصهيوأمريكية - البريطانية لمنع أي حل سياسي شامل ونهائي للحرب، من خلال إعاقة أي عملية سياسية تفضي إلى إنهاء النزاع”.

حلبة مصارعة دولية
موقع اليمن الجيوسياسي الاستراتيجي يظل حاضراً وبقوة في كل الجولات والميادين وفي كل حفلات التنافس الإقليمية والدولية. هذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي مستشار المجلس السياسي الأعلى، البروفسور عبدالعزيز الترب، الذي تحدث لـ”لا” قائلاً: “لا شك أن اليمن يقع في إطار جغرافي مهم وحيوي لمصالح الولايات المتحدة، التي أبدت مرات عديدة اهتماماً بالسطو على باب المندب، لذلك حرصت منذ بداية العدوان على اليمن على أن تكون قريبة مما تسمى الشرعية، وعملت بالتنسيق مع التحالف الذي تقوده السعودية على نشر أخبار تدخّلها المباشر وحضور قواتها على الأرض اليمنية في مدينة عدن تحت غطاء وحماية ما يسمى رئيس المجلس الرئاسي. وهذا يأتي تأكيداً على التحركات الأمريكية في جنوب اليمن، ويدل على حقيقة الدور الأمريكي في العدوان على اليمن”.
ويضيف: “التواجد الأمريكي يعتبر امتداداً للصراع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وظاهرة للسباق والسيطرة على المناطق المحاذية لطريق التجارة العالمية”.

إجهاض التغيير
الصحافي والمحلل السياسي خليل العُمري له وجهة نظر مغايرة تماماً حول هذا الموضوع، فيقول إن “الأمريكان متواجدون في اليمن منذ اللحظة الأولى للعدوان؛ متواجدون في الجنوب، متواجدون في قاعدة العند، متواجدون في بعض المناطق الشرقية. حجم هذا التواجد يزيد أو ينقص بحسب حاجة المخطط الأمريكي؛ لكنه بشكل عام عبارة عن مفارز أو مجاميع صغيرة من الضباط والأفراد مهامهم تنحصر في الرقابة والرصد وبناء نقاط للسيطرة وكذلك التنسيق بين القوات الغازية للجنوب. إذن هذا التواجد مستمر”.
ويضيف أن “السفن والبوارج الأمريكية أيضاً تمخر عباب البحر الأحمر منذ سنوات طويلة، وتقترب من مياهنا الإقليمية؛ لكنها لم تمارس نشاطاً قتالياً ضدنا، ولم يتم الحديث عن هذا مطلقاً. إذن ما يجري الآن هو عملية تظهير لهذا الوجود الأمريكي، وليس ظهوراً. بمعنى أن هناك قوى مستفيدة من تظهير هذا الوجود لتحقيق أهداف ورغبات بعيدة تماماً عن الشأن الوطني ومسيرة التحرر والتطهير”.

قوى مستفيدة
ويتساءل العُمري عمن يمكن أن تكون هذه القوى؛ ليمهد للإجابة على هذا التساؤل بالقول: “نلاحظ أن النبرة والضجيج الشديد الذي طرأ في صنعاء عن التواجد الأمريكي والسفن الأمريكية في البحر الأحمر جاء بعد إعلان قائد الثورة حفظه الله أن هناك تغييراً جذرياً سيحدث”.
ثم يعلنها صراحة: “”بصراحة أول القوى المستفيدة (من تظهير التواجد الأمريكي) هي السلطة في صنعاء”.
ويستطرد موضحاً: “السلطة في صنعاء هي أول الخاسرين من التغيير الجذري المزمع، وبالتالي فهي تعمد إلى صناعة أجواء مكهربة وشبيهة بكون الدولة أو المجتمع والجيش والقوات المسلحة والحكومة على وشك الدخول في حرب واسعة؛ وذلك بهدف إعاقة هذا التغيير أو تأخيره على الأقل”.
ويتابع: “هذه المحاولة مكشوفة وواضحة، وترافقت مع تحركات واسعة للرئيس مهدي المشاط، ورموز السلطة في صنعاء؛ زيارات للمحافظات ومحاولة كهربة الأجواء مع بعض الشركاء في السلطة، وفتح معارك جانبية هنا وهناك، لكي يخلقوا أجواء غير مناسبة، ويقولوا لقائد الثورة: يا سيد عبدالملك، نحن في وضع لا يسمح بإجراء التغييرات التي أعلنتها”.
ويستطرد العُمري: “من الأمثلة على ذلك، كما قلت سابقاً: البوارج الأمريكية تمخر البحر الأحمر كل يوم؛ فلماذا الآن فقط يتم تهديد إحدى هذه البوارج بتجربة صاروخية؟! لماذا لم يحدث ذلك في أي وقت مضى؟! بل السؤال الأكثر إلحاحاً: لماذا لم يتم تهديد البوارج السعودية والإماراتية التي تمارس القرصنة والحصار البحري علينا منذ أن صدر القرار بإيقاف العمليات الحربية البحرية تقريباً في عام 2018؟!”.
ثم يجيب: “الهدف واضح، ولا علاقة له مطلقاً بمسار التحرر الوطني، بل يهدف إلى إعاقة التغييرات الجذرية التي أعلن عنها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله”.
ويضرب العُمري مثالا آخر عن “محاولة السلطة في صنعاء عرقلة التغييرات الجذرية التي بشر بها قائد الثورة”، قائلاً: “الرئيس مهدي المشاط في خطابه قبل الأخير تحدث عن معركة لمدة أسبوع خاضتها السلطة في صنعاء مع سفينة كانت تحاول سرقة الغاز؛ لاحظ! الغاز اليمني من ميناء عدن!... أولاً: ميناء عدن لا يصدر الغاز، هذا معروف، تصدير الغاز يتم من ميناء بلحاف. ثانياً: “إذا دخلت على مواقع تتبع السفن أو مواقع الملاحة الدولية ستلاحظ أنه ليس هناك أي سفينة من هذا النوع اقتربت من المياه الإقليمية اليمنية قبالة سواحل عدن. إذن ما هو الهدف؟!”.
ويجيب أيضاً: “الهدف هو خلق أجواء مشحونة بنذر الحرب، ليقولوا للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله: يا سيد، مش وقت التغييرات الجذرية الآن، ويمكن تأجيلها إلى أوقات مناسبة قادمة”.

ميدان واحد من حمص إلى حضرموت
ما يجري من إنزال أمريكي في حضرموت، والجنوب اليمني، لا ينفصل عما يجري في عموم المنطقة، من بلاد الشام إلى اليمن. فليس صدفة أن يتزامن هذا الإنزال الأمريكي في حضرموت مع ما يجري في الجنوب السوري، وفي شمال وشرق سورية، حيث يتواجد الأمريكي بشكل غير شرعي، في قاعدة التنف وعدد من النقاط في سورية.
هكذا يربط الإعلامي السوري أحمد رفعت يوسف التحركات الأمريكية بهدف واحد من سورية وحتى اليمن.
ويعتقد رفعت أن “التحرك الأمريكي في هذا التوقيت هو محاولة جديدة من تحالف العدوان الأمريكي الغربي الصهيوني، لإعادة الحياة إلى مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، بعدما سقط في نسخته الأولى في الميدان السوري، واستكمل إسقاطه في جهته اليمنية”.
ويضيف: “فتش دائماً عن الكيان الصهيوني، في كل ما يجري في المنطقة، حيث يعيش قادة الكيان هاجس الخطر الوجودي والزوال، رغم تسارع حركة التطبيع من بعض الأنظمة العربية، وبالتالي لا بد من محاولة عمل شيء ما لتجنب هذا المصير”.
لكن رفعت يعتقد أن أمريكا والغرب فشلوا في تحقيق مخططاتهم وهم في أوج قوتهم واندفاعة مشروعهم، لذلك لن ينجحوا في تنفيذه وهم في حالة تراجع وانكسارات.
ويؤكد:  إن هزيمة “مشروع الشرق الأوسط الجديد” بنسخته الجديدة، تحتاج إلى عمل وجهد وتنسيق، أكبر مما جرى في مرحلته الأولى،من قبل قادة محور المقاومة.

الصهيونية ستمتطي ظهر الصين
المحلل والخبير العسكري مجيب شمسان يطالعنا بقراءة مختلفة أيضاً، ويقول إن التواجد الأمريكي الذي برز مؤخراً له ثلاثة أسباب رئيسية:
الأول: الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على مناطق الثروة والطاقة في العالم.، خاصة مع الحرب الروسية الأوكرانية والتداعيات الأفريقية.
الثاني: احتواء التهديدات التي بات يستشعرها الكيان الصهيوني من تنامي القدرات اليمنية. 
أما السبب الثالث فهو: التمهيد لجلب قوى دولية، هي الصين وروسيا، لتكون حاضرة بزعم حماية الملاحة الدولية.
ويوضح العقيد شمسان: “هذا الدور والسيناريو متفق عليه مع الحركة الصهيونية، حيث تم الاتفاق على أنه إذا اشتعلت حرب في الساحل الغربي اليمني تتدخل الصين وروسيا في هذه المنطقة تحت تسمية حماية الملاحة الدولية، بينما الهدف هو حماية ملاحة الكيان الصهيوني”.
ويضيف: “من الأهداف الأساسية للتحركات الأمريكية الأخيرة يأتي التمهيد للتصعيد في الساحل الغربي بهدف تدويل مضيق باب المندب لحماية المصالح الصهيونية، وستكون الصين وروسيا حاضرتين في عملية التدويل بعد اشتعال المعركة، وذلك وفق سيناريو معد ومدروس من قبل الحركة الصهيونية”.
ويؤكد شمسان أن هناك تعاوناً بين الصين وروسيا والحركة الصهيونية. ويقول: “الحركة الصهيونية حالياً أكثر تغلغلاً داخل الصين وروسيا، وما الاتفاق بين السعودية والصين على ميناء جيزان إلا لمنح موطئ قدم للصين للتواجد في البحر الأحمر تحت تسمية مصالح صينية في المنطقة.
كما أن إنشاء قاعدة بورتسودان الروسية بعد التطبيع السوداني مع الكيان الصهيوني، يعد أيضا أحد المؤشرات إلى التمهيد لدور روسي في هذه المعركة.
ويتابع: “كل المعطيات والمؤشرات اليوم تقول بأن الصين ستكون حاضرة لحماية المصالح الصهيونية، على اعتبار أن الصهيونية منذ أن ظهرت كحركة إمبريالية مترافقة مع الحركة الإمبريالية التي ظهرت في القرن الخامس عشر وما بعده، كانت دائماً تنتقل من ظهر حصان إلى آخر، وتنقلت من ظهر إيطاليا إلى إسبانيا إلى هولندا إلى بريطانيا ثم إلى ألمانيا ثم إلى أمريكا، وبعد أن أصبحت كل المؤشرات تقول إن أمريكا تتراجع، اليوم تنتقل الحركة الصهيونية إلى ظهر الحصان الصيني، لتكون الصين هي المتحركة لحماية مصالح هذه الحركة”.