تقرير عادل عبده بشر / لا ميديا
ليست المرة الأولى التي يغيب فيها التيار الكهربائي عن القاعة الكبرى بمحكمة غرب الأمانة، ورغم ذلك،  لم يحل انطفاء الإنارات وسخونة الأجواء، دون أن تعقد المحكمة جلستها، اليوم الثلاثاء 19 أيلول/ سبتمبر 2023م، في جريمة  الدواء  الملوث الذي أودى بحياة 11 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم  في مستشفى الكويت بصنعاء، وأصاب 10 آخرين بمضاعفات،  بينهم طفلان بمركز الأورام في سيئون بمحافظة حضرموت، أواخر أيلول/ سبتمبر 2022م.
وكانت الجلسة هي المقررة للنطق بالحكم في هذه القضية، غير أن هيئة المحكمة أرجأت موعد النطق بالحكم إلى الجلسة القادمة.
وأوضح لـ«لا» القاضي أسامة الجنيد، أن المحكمة ومن خلال اطلاعها على ملف القضية، رأت عقد جلسة أخيرة -هي جلسة  اليوم الثلاثاء- قبل النطق بالحكم، لظهور بعض المستجدات، وأن النطق بالحكم سيكون الأحد القادم الموافق  24 أيلول/ سبتمبر، وهو نفس تاريخ تلقي الأطفال الضحايا جرعة الأدوية الملوثة في 2022م.

وقائع الجلسة
ازدحمت القاعة بالحاضرين وبشكل فاق جميع الجلسات السابقة، حيث احتل القاضي أسامة الجنيد موقعه متوسطاً هيئة المحكمة، على يمينه أمين السر القاضي عبدالله دبوان، وفي اليسار عضو النيابة القاضي جلال العلفي، وبدأت الجلسة باستعراض قرار المحكمة في الجلسة السابقة الذي شدد على إحضار جميع الأدوية المتعلقة بالجريمة والمضبوطة لدى الهيئة العليا للأدوية، خلال وقت لا يتجاوز انتهاء الدوام الرسمي للجلسات في ذلك اليوم (الأحد 17 أيلول/ سبتمبر الجاري) غير أنه، في ما يبدو، فقد تأخرت هيئة الأدوية بإحضار المضبوطات، وهو أحد أسباب تأجيل جلسة النطق بالحكم، وفقاً لما أفاد به أحد المحامين لـ»لا».
وفي هذا السياق أكد عضو النيابة جلال العلفي أنه تم التخاطب مع مدير عام المختبر الوطني للرقابة الدوائية التابع للهيئة العليا للأدوية بسرعة موافاة النيابة بـ»الفيالات» المضبوطة من الصيدليات لعرضها على المحكمة، وتم موافاة النيابة بعدد 9 فيالات، وضعتها النيابة، اليوم، بين يدي المحكمة.
ولأن التيار الكهربائي غاب عن القاعة الكبرى التي يعقد القاضي أسامة الجنيد جلسات التقاضي فيها، فقد اضطر القاضي إلى الاستعانة بكشاف موبايله، كي يتمكن من رؤية البيانات المدونة على الفيالات، ومواجهة المتهمين بها.

أين بقية المضبوطات؟
وتساءل القاضي عن «بقية الفيالات المضبوطة، لماذا لم يتم إحضارها؟» موجهاً الحديث للمتهم الخامس الدكتور محمد الغيلي، رئيس الهيئة العليا للأدوية سابقاً، وكذلك لمحامي الهيئة الثلاثة.. موضحاً أن الوارد في ملف القضية أنه تم ضبط 72 فيالة.. فأجاب محامي الهيئة عبدالباقي الحناني، أن 49 فيالة من المضبوطات مازالت متواجدة لدى الهيئة، وأن تلك الفيالات سليمة وليست ملوثة.
القاضي الجنيد أكد أن التقارير المرفقة في ملف القضية والمقدمة من هيئة الأدوية، تُشير إلى أن الفيالات التي تم فحصها لا تزيد عن 4 فيالات فقط.. معقباً: «إلا إذا عملت الهيئة فحوصات أخرى ولم يتم موافاة المحكمة بها، فهذا شيء آخر».
الرئيس السابق لهيئة الأدوية محمد الغيلي، حاول التوضيح في هذه النقطة، مفيداً بأن المختبر الوطني للرقابة الدوائية قام بالعديد من الفحوصات للعديد من الفيالات المضبوطة لمعرفة السليمة من المصابة بالبكتيريا، ومنها الـ49 فيالة التي اتضح أنها سليمة ومع ذلك قامت الهيئة بمصادرتها وتحريزها، نظراً لأن التصريح الصادر من الهيئة والممنوح لوكيل شركة CELON LABS (سيلون لابز) الهندية، هو لصنف «أمبول» وليس «فيالة».

خلاف أطراف الهيئة
الطرح المقدم من الرئيس السابق لهيئة الأدوية، أكده مدير الشؤون القانونية في الهيئة فوزي الحربي، غير أن زميله المحامي عبدالباقي الحناني، اعترض قائلاً: «لا لا» فردّ عليه الحربي بالقول: «لحظة يا عبدالباقي» وواصل الحديث بأن التصريح لوكيل الشركة الهندية هو للأمبولات وليس للفيالات ولذلك تم إعادة سحبها.
حالة الجدل التي سادت أطراف الهيئة العليا للأدوية في هذه الجزئية، دفعت محامي المتهمين الرابع والتاسع، المحامي زياد عبدالسلام، إلى مخاطبة المحكمة بالاحتفاظ بحقه في رفع دعوى مستقلة، ضد الهيئة قائلاً: «صرحوا للدواء وبعدين سحبوا».
محامي الدكتور الغيلي، قدم اعتراضاً على ما أفاد به زميله المحامي عبدالباقي الحناني، قائلاً بأن ما جاء على لسان الحناني، لا يعبر عن الغيلي، وطلب من المحكمة الفصل في ما تقدم به سابقاً، بعدم صفة الدكتور الغيلي في تمثيل الهيئة العليا للأدوية، كونه حالياً لم يعد رئيساً للهيئة العليا للأدوية، فكان رد المحكمة، بأن الواقعة حصلت أثناء ما كان الغيلي رئيساً للهيئة، وأن اختصام النيابة مع الهيئة في هذه القضية، هو اختصام لها كشخص اعتباري ويمثلها محمد الغيلي، وبغض النظر عن ثبوت التهمة من عدمها فمن سيتحمل نتيجة الجريمة، إن ثبت ذلك للمحكمة، هو الهيئة العليا للأدوية بشخصها الاعتباري.

مواجهة  ساخنة
الجلسة التي استمرت قرابة الساعتين، زادت سخونتها مع مواجهة القاضي أسامة الجنيد للمتهم الأول فيصل عوض، بعدد الفيالات التي قام بشرائها ولمن باعها، ليتدخل محامي المتهمين الرابع والتاسع المحامي زياد عبدالسلام، مستفسراً عن علاقة المتهم عوض بشخصين أحدهما يدعى عبدالملك فاضل والآخر عامر الحمادي، وهي المرة الأولى التي يُذكر فيها هذان الاسمان بحضور صحيفة «لا» لتغطية الجلسات.
وكان رد المتهم عوض بأنه اشترى نحو 300 فيالة من عبدالملك فاضل والمتهم الثالث يوسف صويلح، ولا يعرف الشخص الذي يُدعى عامر الحمادي.. بدورهِ أنكر يوسف صويلح ما أفاد به فيصل عوض، مؤكداً أنه قدم للمحكمة حافظة مستندات بقيام المتهم الأول بتحويل ثمن الأدوية إلى عبدالملك فاضل.. وقال صويلح إن عوض يقوم بالتستر على عبدالملك فاضل.
وشهدت الجلسة، أيضاً، مواجهات حامية بين المتهمين السادس والسابع، من جهة، وبين المتهم الأول ومحامي هيئة الأدوية، حيث أكد محامي المتهمين السادس والسابع عبدالواحد العامري، أن موكليه ابتاعا أدوية مصرحا بها، ومن شخص -المتهم الأول- كان يعمل لفترة طويلة لدى شركة الكوثر الوكيل الحصري للشركة الهندية المصنعة للدواء محل الجريمة، ولا معرفة لهما إن كان الدواء مهربا أم لا.
وفي ذات الجلسة أكد عضو النيابة أن الهيئة العليا للأدوية متهمة بالتصريح لأدوية مهربة، وأن التقارير الصادرة عن الهيئة، بأن الأدوية المصرحة منها سليمة، هي تقارير غير محايدة، قائلاً: «لا نستبعد أن تقوم الهيئة بإصدار تصاريح بالكميات التي قامت بالتصريح لها بأنها سليمة، بينما قد تكون ملوثة، والغرض من ذلك إبعاد التهمة عن نفسها، فلا يمكن أن تقوم الهيئة بإدانة نفسها، وملف القضية زاخر بالأدلة الصامتة والناطقة».
وكان الأطفال من مرضى لوكيميا الدم في مستشفى الكويت بصنعاء، تلقوا أواخر أيلول/ سبتمبر 2022م، جرعة من دواء (methotrexate) المصنع لدى شركة CELON LABS (سيلون لابز) الهندية،  ليتضح لاحقاً أن الدواء ملوث وأودى بحياة 11 طفلاً، وأدخل 10 آخرين العناية المركزة نتيجة للمضاعفات الخطيرة التي تسببت بها الجرعة الفاسدة.

استهتار
وبخلاف جميع الجلسات السابقة في هذه القضية، حضر اليوم ممثل عن نقابة الصيادلة، وطلب من عدالة المحكمة الإفراج عن «زملائهم  الصيادلة»  المشمولين بقرار الاتهام، قائلاً إنهم «ليسوا متهمين، وما حدث مجرد مخالفات لا أقل ولا أكثر»، فسأله القاضي أسامة الجنيد: «هل تعلم ما هي نتيجة هذه الواقعة وكم عدد الضحايا؟»، أجاب: «تسعة أو عشرة أطفال قالوا إنهم توفوا»، ردّ القاضي الجنيد بالقول: «11 طفلاً توفوا و10 أُصيبوا بمضاعفات، ولو كان ابنك أحد المتوفين أو المصابين لقطر قلبك دماً».

رحلة ألم
في ختام الجلسة تقدم إلى هيئة المحكمة المواطن ثابت الحوري، والد الطفلة فاتن التي أودت الجرعة الملوثة بحياتها، وخاطب المحكمة قائلاً: «استمعتم كثيراً للجدل الحاصل بين المتهمين من الصيادلة وهيئة الأدوية حول الفيالات والأمبولات، ولكنكم لم تسمعوا معاناة أولياء الدم، والمجزرة التي ارتكبها المتهمون في حقنا».. ووضع ثابت الحوري بين يدي المحكمة ثلاثة ملفات متخمة بالسندات والفحوصات التي أجراها لطفلته على مدى سنتين حتى تحسنت صحتها كثيراً، وأوشك المرض اللعين (اللوكيميا) على مغادرة جسدها تماماً، ثم جاءت الجرعة الملوثة لتقضي على الطفلة فاتن.
وقال الحوري بنبرة تمزق نياط القلب: «لم يقتلوا فاتن وحدها، وإنما قتلوا أسرة بأكملها، يا سيدي القاضي والدة فاتن فقدت عينها اليمنى بعد وفاة طفلتها، ومعاناتنا مازالت مستمرة حتى اللحظة».
أبو فاتن أضاف بالقول إن محامي المتهم الخامس رئيس الهيئة العليا للأدوية سابقاً، خاطبه قبيل الجلسة، بالقول إن الأطفال الضحايا كانوا أساساً أمواتاً سريرياً، وكانوا سيتعذبون أكثر، ويحمدوا الله أنه تم الإسراع في وفاتهم بالجرعة الملوثة.
محامي الغيلي كان حاضراً، ولم يعترض على ما قاله ثابت الحوري.

تهديدات
من بين الجدل الذي شهدته الجلسة، قول محامي الهيئة العليا للأدوية عبدالباقي الحناني، إنه أراد الخروج من القاعة، منتصف الجلسة، ولكن شخصاً يقف وراءه ويتبع الرئيس السابق للهيئة محمد الغيلي، منعه من المغادرة.. واعتبر الحناني ذلك تهديداً له.
كما صاح المتهم الأول رافعاً صوته من داخل قفص الاتهام، قائلاً بأنه تلقى تهديداً من شخص كان يقف بجوار القفص، فأمر القاضي بأخذ مطلق التهديد الى السجن.