
تقرير / لا ميديا -
في لحظاتٍ أسطورية وأيقونية مغرقة في العظمة والبطولة، كانت نهاية الشهيد القائد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومحاربها الجسور، الذي قلّ أن يوجد رجل مثله في التاريخ العربي وحتى في التاريخ العالمي كله.
وارتقى الشهيد السنوار، أمس الأول، في اشتباك مع قوات الاحتلال، محارباً بطلاً، في مشهد فاق في مهابته كل ما قيل وكُتب وصُوِّر عن أساطير محاربي التاريخ العظماء الحقيقيين أو الخياليين.
وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس، في كلمة ألقاها القياديّ في الحركة خليل الحية، أمس الجمعة، استشهاد زعيمها يحيى السنوار، وذلك عقب ساعات من إعلان الاحتلال الصهيوني أنه قتل القائد السنوار جنوبيّ قطاع غزة، بالصدفة خلال اشتباك مسلح.
وقال الحية: «بكل معاني الشموخ والكبرياء والعزة والكرامة تنعى حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى شعبنا الفلسطيني، وإلى أمتنا جميعاً، وأحرار العالم، رجلاً من أنبل الرجال وأشجع الرجال، رجلاً كرّس حياته من أجل فلسطين، وقدم روحه في سبيل الله على طريق تحريرها، صدق الله فصدقه الله، واصطفاه شهيداً مع من سبقه من إخوانه الشهداء».
وأضاف: «لقد عاش القائد الشهيد يحيى السنوار مجاهداً، وشق طريقه في حركة حماس منذ كان شاباً يافعاً، منخرطاً في أعمالها الجهادية، ثم في سنوات الأسر الـ23 قاهراً للسجّان الصهيوني، وبعد أن خرج من السجن في صفقة وفاء الأحرار واصل عطاءه وتخطيطه وجهاده حتى اكتحلت عيناه في السَّابع من أكتوبر 2023، يوم الطوفان العظيم الذي زلزل عمق الكيان، وكشف هشاشة أمنه المزعوم، وما تلاه من ملاحم الصمود الأسطوري لشعبنا وبسالة مقاومتنا المظفرة، إلى أن نال أشرف مقام وأرفع وسام وارتقى إلى جوار ربه، شاهداً شهيداً راضياً بما قدم من جهاد وعطاء».
وشدّد الحيّة، خلال كلمته، على أن «أسرى الاحتلال لن يعودوا إلا بوقف العدوان على قطاع غزة وإعادة أسرانا»، مؤكدا أن «استشهاد القادة لن يزيد الحركة إلا إصراراً على الاستمرار».
وأضاف أن «حركة حماس مستمرة في نهجها حتى تحرير الأرض، وإقامة الدولة الفلسطينية».
كما أكد الحية أن «السنوار كان استمراراً لقافلة الشهداء العظام على خطى الشيخ المؤسس أحمد ياسين»، مضيفا أن «دماء الشهداء ستظل توقد لنا الطريق وتشكل دافعاً للصمود والثبات».
وأكّد الحية: «إننا ماضون في نهج حماس، وروح طوفان الأقصى ستبقى جذوتها متّقدة، تنبض بالحياة في نفوس أبناء شعبنا، وإننا على عهدك يا أبا إبراهيم».
«جناح السنوار» يزفه مؤسسه
كتائب القسام - الجناح العسكري لحركة حماس، وهو الجناح الذي كان السنوار أول من عمل على تأسيسه وكان مقاتلاً فيه ثم قائداً له، نعى السنوار، في بيان، قائلاً: «تزف كتائب الشهيد عز الدين القسام إلى العلا الشهيد القائد الكبير يحيى السنوار، «أبو إبراهيم»، قائد حركة المقاومة الإسلامية حماس، الذي ارتقى مقبلاً غير مدبر، في أشرف المعارك دفاعاً عن المسجد الأقصى المبارك وعن شعبنا وحقوقه المشروعة. وإنه لمن دواعي الفخر أن تقدم حركتنا القادة قبل الجند، وأن يتقدم قادتها قافلة شهداء شعبنا الذين قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل الله وعلى طريق تحرير فلسطين، وأن يستشهد قائدها بين إخوانه المجاهدين، بطلاً مشتبكاً مع الغزاة الذين ظنوا أن غزة يمكن أن تكون لقمةً سائغةً لجيشهم الجبان».
وشدّدت كتائب القسام على أن «مسيرة قائدنا أبي إبراهيم كانت مسيرةً جهاديةً مشرّفة، كان خلالها من جيل التأسيس لحركة المقاومة الإسلامية حماس وأجهزتها العسكرية والأمنية، ثم ضحى بزهرة شبابه أسيراً في سجون الاحتلال لأكثر من عشرين عاما، قبل أن يخرج رافع الرأس في صفقة «وفاء الأحرار»، وبمجرد تحرره من السجن أبى إلا أن يواصل مسيرة الجهاد، ولم يذق للراحة طعماً، فأشرف على العمل العسكري للحركة في الأقاليم الثلاثة، وكان له دورٌ مهم في مسار توحيد جبهات المقاومة على طريق القدس، ثم ترأس الحركة في غزة، لتشكل فترة قيادته نقلةً نوعيةً في مسيرتها الدعوية والسياسية والعسكرية التي تكللت بـ»طوفان الأقصى»، وفي مسار العلاقات الوطنية والعمل المقاوم المشترك، قبل أن يترأس الحركة في الداخل والخارج عقب استشهاد القائد الكبير إسماعيل هنية».
وذكرت كتائب القسام أن «فصائل المقاومة، وفي القلب منها حماس، حين قررت دخول هذه المعركة الكبرى والفاصلة في تاريخ جهاد الشعب الفلسطيني وفي مسيرة أمتنا، كانت تعلم أن ثمن التحرير غالٍ جداً، قدمته كل الشعوب قبل أن تتحرر من محتليها، وقد كانت مستعدةً لتتقدم صفوف المضحّين في القلب من أبناء شعبها، فقدمت القادة والجند، رافضةً الإذعان للعدو، أو السكوت على ظلمه ونهبه لحقوق شعبنا المشروعة».
أسطورة خارج السيطرة
رغماً عنه ساهم الكيان الصهيوني بنشر تفاصيل النهاية المجيدة لأسطورة النضال الفلسطينيين الشهيد يحيى السنوار.
وعقب شهور من الكذب وادعاء أن السنوار مختبئ في أنفاق تحت الأرض ويحيط نفسه بالأسرى كدروع بشرية، أقر الاحتلال بأن جنوده اشتبكوا مع الشهيد يحيى السنوار في منطقة تل السلطان، في مدينة رفح، جنوبيّ قطاع غزة، مؤكّدا أن ذلك تمّ بشكل «عرضيّ تماما»، وليس حتى ضمن عمليّة خاصّة أو استخباراتية.
وفي بيان مشترك صدر عن قوات الاحتلال وجهاز «الأمن الإسرائيلي العام» (الشاباك)، زعم الاحتلال أن قوّة من اللواء 828، رصدت ثلاثة من مقاتلي حماس، واشتبكت معهم، وعند محاولة التعرّف على جثث الشهداء، تم إدراك أن السنوار كان واحداً من المقاتلين الثلاثة.
ولم يستشهد السنوار، وهو المقاتل البارع والشجاع، برصاص قوات الاحتلال، حيث إن تلك القوات عجزت عن مجابهته، فطلبت الدعم وتم قصف المبنى الذي كان السنوار بداخله بواسطة دبابة.
وأقرت إذاعة قوات الاحتلال بأن «دبابة أطلقت النار على مبنى» تواجد السنوار بداخله، مضيفة أنه «بحسب التقديرات والنتائج التي عثر عليها في المكان، فإن السنوار قد أُصيب نتيجة إطلاق الدبابة النار على المبنى»، كما أشارت إلى أن «قوات مشاة داهمت المبنى، وأجرت عمليات تفتيش بداخله، حيث تمّ تحديد موقع الجثة المشبوهة، في عمليات المسح».
كما ذكر الاحتلال أن قواته لم تعثر على أي دليل يشير إلى وجود أسرى في المبنى الذي استشهد فيه القائد يحيى السنوار.
سياسي أنصار الله ينعى السنوار
من جانبه نعى المكتب السياسي لأنصار الله شهيد فلسطين والأمة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ومهندس عملية «طوفان الأقصى»، القائد يحيى السنوار.
وعزى سياسي أنصار الله، في بيان، الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة في غزة وجبهات محور الجهاد وكل الأحرار والشرفاء في العالم بهذا المصاب. وأضاف: «عزاؤنا أن القائد الجهادي الكبير رحل بطلاً مقداماً وقد نكل بأعداء الله وفرض عليهم حرباً وجودية من أجل البقاء فحسب».
وأوضح أن شهيدنا ضمخ بدمائه الزكية ثرى غزة وافتدى أهلها ومقاومتها بأغلى ما يملك في مواجهة بطولية على طريق القدس، مؤكداً على الحق المشروع للمقاومة الفلسطينية في صفقة تبادل عادلة للأسرى، بعيداً عن الإرهاب والتباكي الأمريكي.
وأكد المكتب السياسي لأنصار الله استمرار اليمن وقواته المسلحة في التصعيد العسكري وإيلام العدو حتى وقف حرب الإبادة في فلسطين ولبنان.
حزب الله يزف رفيق الجهاد
في أصداء ارتقاء المحارب الكبير في محور المقاومة، القائد يحيى السنوار، زفت المقاومة الإسلامية في لبنان - حزب الله، في بيانٍ، الجمعة، الشهيد السنوار.
وقال حزب الله إنه يتقدّم بالتعازي إلى الشعب الفلسطيني المجاهد والمظلوم، وإلى المجاهدين في حركة المقاومة الإسلامية حماس، وإلى الأمة العربية والإسلاميّة، وإلى كل مجاهد ومقاوم وحر في هذا العالم، بأحر التعازي باستشهاد قائد «طوفان الأقصى»، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الأخ المجاهد يحيى السنوار رحمة الله عليه.
وتوجه حزب الله بالتعازي بشكل خاص إلى «عائلته الشريفة والمضحية بأحر آيات العزاء، وأن يمنّ الله عليهم بالصبر والسلوان وحسن ثواب الآخرة».
وأكدت المقاومة الإسلامية في لبنان أنّ «القائد الشهيد يحيى السنوار، الذي حمل الأمانة وشعلة القيادة من الشهيد القائد إسماعيل هنية كي يكمل مسيرة المقاومة والعطاء والتضحيات مع المجاهدين الأبطال والمقاومين الشجعان، وقف في مواجهة المشروع الأميركي والاحتلال الصهيوني، وبذل في سبيل ذلك دمه حتى نال الشهادة وأسمى مراتب الكرامة والكمال الإنساني».
وختم حزب الله بيانه بالتأكيد أنّهم في «قيادة حزب الله، والذين نواجه مع شعبنا اللبناني المقاوم والصامد تداعيات العدوان الصهيوني الإجرامي، نؤكد وقوفنا إلى جانب شعبنا الفلسطيني، ولدينا كل الثقة بالوعد الإلهي والنصر لعباده المؤمنين، ونسأل الله تعالى أن يتقبل شهيدنا العزيز بواسع رحمته ومغفرته وأن يربط على قلوب المجاهدين الموعودين بالنصر والكرامة والحرية».
مُلهم الأمم
في إطار أصداء ارتقاء القائد السنوار أيضاً، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أمس، إن زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، الذي استشهد خلال معركة مع قوات الاحتلال في غزة، سيظل «مصدر إلهام» للقتال ضد الكيان في الشرق الأوسط.
وقال عراقجي، في بيان، إن السنوار «مصدر إلهام للمقاومين في المنطقة».
وأشار إلى أن حركة حماس هي جزء من «محور المقاومة» الذي يجمع دول وفصائل مقاومة تستهدف الكيان الصهيوني ومصالحه ومصالح حليف الكيان الولايات المتحدة.
وأضاف عراقجي أن «قضية تحرير فلسطين من الاحتلال صارت اليوم نابضة بالحياة أكثر من أي وقت مضى».
من جانبه أكد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أن المقاومة الفلسطينية لن تتوقف باغتيال زعيم حركة حماس.
رمز لا يموت ولا تموت بموته المقاومة
ارتقاء القائد السنوار لم يكن انكساراً لجمهور المقاومة، وفرحة ومكسباً للاحتلال كما كان الاحتلال ينتظر.
فقد تحول ارتقاؤه بهذه الطريقة إلى لهيب من العزيمة والفخر والإيمان والسعي للقتال مثله وإكمال طريقه.
في هذا السياق أكد محرّر الشؤون الفلسطينية في «هيئة البثّ الإسرائيلية»، إليور ليفي، أنّ «اللقطات التي نراها ليست ما تراه حماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين أو حزب الله» (المشاهد الأخيرة لاشتباك القائد السنوار قبل ارتقائه)، موضحاً: «إنهم يرون رجلاً قاتل حتى اللحظة الأخيرة، حتى آخر قطرة دم، حتى عندما كان مصاباً».
واعترف بأنّ «تلك المشاهد، حيث ظهر القائد السنوار مشتبكاً مع القوات الإسرائيلية في رفح جنوبي قطاع غزة على الرغم من إصاباتٍ في جسده، جعلت منه أسطورة».
وأضاف أنّ الشهيد السنوار أصبح شخصية أكبر بكثير من الشخص نفسه، معترفاً بأنّ اغتياله لن يغيّر صورة السنوار هذه لأجيال قادمة، مشدداً على أنّ «إسرائيل» تجد صعوبة في فهم حماس.
وفي السياق نفسه، أقرّ الباحث والخبير الصهيوني في شؤون حماس، غاي أفيعاد، بأن «حماس ستعرف إقامة المنظمة من جديد مع أشخاص ماهرين ليسوا أقل من السنوار».
وشدّد على أن «السنوار مسؤول كبير جداً، ولكنه جندي في المعركة الطويلة هذه بين إسرائيل والفلسطينيين، المعركة المستمرة منذ عقود».
وأردف: «لا يزال هناك في قطاع غزة آلاف الناشطين المسلحين من حماس ومنظمات أخرى».
وقال لـ«القناة 13» الصهيونية: «هذه المنظمات (في محور المقاومة) مثل طائر الفينيق، تعود كل مرة للنمو وتتغيّر من جديد؛ فحتى بعد عماد مغنية الذي كان حقاً مسؤولاً كبيراً، فإن بنية قوة حزب الله بنيت بعده، ويجب طرح هذا على الطاولة».
وأضاف متحدّثاً عن حماس: «مهما كان السنوار مسؤولاً كبيراً، فقد جرى بناء الكثير من قوتها، رغم أن السنوار كان في السجن الإسرائيلي».
غزة مسرح جريمة كبرى
بالتزامن مع ارتقاء القائد السنوار يواصل الكيان الصهيوني عدوان الإبادة الدموي على قطاع غزة لليوم الـ378.
وارتفعت حصيلة العدوان الصهيوني المتواصل على غزة إلى 52,500 شهيدا و99,546 جريحا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في القطاع أمس.
وأحصت وزارة الصحة استشهاد 62 فلسطينيا وإصابة 300 آخرين في 4 مجازر ارتكبها الاحتلال خلال الـ24 ساعة الماضية.
واستُشهد وأصيب العشرات، الجمعة، إثر قصف طيران الاحتلال مناطق متفرّقة في قطاع غزة، فيما وسّع الاحتلال عدوانه على جباليا، شماليّ القطاع.
وأفادت مصادر طبية فلسطينية بأن القصف أسفر عنه استشهاد عدد من المواطنين بينهم أطفال، إلى جانب وقوع إصابات في قصف الاحتلال منزلاً لعائلة القديري بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
المصدر لا ميديا