عادل بشر / لا ميديا -
تتهيأ العاصمة صنعاء لاحتضان مراسيم التشييع الشعبي والرسمي للشهيد المجاهد الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري، رئيس هيئة الأركان العامة في القوات المسلحة اليمنية، صباح غد الاثنين، في وداع وطني يليق بقائد صنع مجد الجيش اليمني، وارتقى شهيدا على طريق القدس، بعد مسيرة حافلة بالصمود والعطاء والجهاد في سبيل الوطن والأمة.
وأعلنت القوات المسلحة في بيان لها أن التشييع سيكون شعبيًا ورسميًا يليق بمقام الشهيد القائد، الذي مثّل أحد أبرز الشخصيات العسكرية في اليمن الحديث، وصانع التحول الاستراتيجي في قدرات القوات المسلحة، من واقع الحصار والعدوان إلى موقع الندية والردع الإقليمي.

تضحيات لا تُقدر بثمن
منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023م ، قدّمت صنعاء تضحيات جسام إسناداً للشعب الفلسطيني ودفاعاً عن مقدسات الأمة وفي طليعتها القدس الشريف، وواجهت صنعاء في سبيل ذلك عدوانا أمريكيا وبريطانيا وصهيونيا مباشرا، لم يثنها عن مواصلة موقفها الصادق والثابت في مناصرة فلسطين.
وكان الشهيد الغماري أحد أبرز القادة الذين حملوا هذا الموقف بوعي وإيمان، وقاد إلى جانب وزير الدفاع اللواء الركن محمد العاطفي، المؤسسة العسكرية في واحدة من أعقد المراحل، وواجه العدوان الأمريكي السعودي على مدار ثمان سنوات، ثم العدوان الأمريكي البريطاني في 2024م، وصولاً إلى الحرب الصهيونية الأخيرة على اليمن، ليرتقي الغماري إلى جنة الخلد بعد أن وضع بصمته الخالدة في معركة إسناد غزة التي شكلت فصلا جديدا من حضور اليمن في معادلة الأمة.

مدرسة للصمود والإرادة
منذ العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن عام 2015م، كان الغماري في طليعة المقاتلين والمدافعين، يقود بعقل استراتيجي وإيمان لا يلين، مؤمنا بأن معركة التحرر لا تتجزأ، وأن الدفاع عن صنعاء لا ينفصل عن الدفاع عن القدس.
في عهده، تحولت القوات المسلحة اليمنية من وضع دفاعي محاصر إلى قوة ردع إقليمية متطورة، تصنع صواريخها ومسيراتها بعقول يمنية، وتفرض حضورها في البحر والجو والميدان، حيث قاد الشهيد الغماري عملية التحول الجذري في بنية الجيش اليمني، مؤسسا لمدرسة في الإدارة العسكرية تجمع بين الصبر الثوري والدقة العملياتية، وبين التخطيط المحكم والإيمان العميق بالوعد الإلهي بالنصر.
وبرغم الحصار والعدوان المتعدد الوجوه، ظل صوت الغماري واحدا: "سنقاتل حيث يجب أن نقاتل، وسنصل إلى حيث يجب أن نصل".

إرباك "إسرائيلي" واعتراف بالعجز
مع إعلان صنعاء نبأ استشهاد رئيس هيئة الأركان، عمّت حالة ارتباك واضحة في أوساط الإعلام العبري، الذي وجد نفسه أمام مشهد يمنيّ غير مألوف؛ شعب يشيع قادته كالأبطال، ويحتفي بشهادتهم كأعياد نصر.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" وصفت اغتيال اللواء الغماري بأنه "ضربة رمزية قاسية"، لكنها اعترفت في الوقت نفسه بأن العملية "لن تؤثر على القدرات العسكرية لصنعاء"، وهو إقرار غير مباشر بأن المؤسسة العسكرية اليمنية متماسكة ومؤهلة للاستمرار في المعركة بذات الوتيرة السابقة.
غير أن التناقضات في الرواية "الإسرائيلية" كشفت هشاشة الموقف الصهيوني؛ فوسائل الإعلام العبرية ترددت بين رواية "قناة العربية" التي قالت إن اللواء الغماري "قُتل في غاراتٍ استهدفت اجتماع حكومة صنعاء في 28 أغسطس"، وبين رواية أخرى زعمت أنه أُصيب في غارات استهدفته في "تجمع لمضغ القات" وتوفي لاحقا. هذا التضارب، كما يؤكد مراقبون، يعكس حجم الإرباك في "تل أبيب"، التي لم تتوقع أن يتحول استشهاد قائد عسكري إلى موجة شعبية تعبّر عن وحدة السواد الأعظم من اليمنيين خلف قضيتهم الكبرى.
وفي السياق دعت وسائل إعلام عبرية ومحللون "إسرائيليون" رئيس حكومة الاحتلال ووزير دفاعه، إلى "عدم الشعور بنشوة الإعلان عن اغتيال رئيس الأركان، لأن اليمنيين لا يضيعون الوقت، فقد تم تعيين رئيس أركان جديد بالفعل، وهم مستمرون في تطوير قدراتهم".

اليمن في معركة الأمة
لم يكن الشهيد اللواء محمد عبدالكريم الغماري مجرد قائد عسكري؛ كان حامل رؤية استراتيجية تربط بين الجبهة اليمنية والجبهة الفلسطينية، بين طوفان الأقصى ومعارك البحر الأحمر، وبين صنعاء وغزة والقدس.
وفي خطابه الأخير، أشاد سيد الجهاد والمقاومة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بعطاء اللواء الغماري، مؤكدا أن "هذا الشهيد العظيم توَّج كل عطاءاته الكبرى، وهو الذي لم يَألُ جهدًا في فعل كل ما يستطيع لنصرة الشعب الفلسطيني والإسناد بفاعلية عالية، وقد كان لهذا الإسهام نتائجه الكبرى وآثاره العظيمة"، مؤكداً بأن "رفاقه في الميدان سيواصلون المسيرة بذات الروح والعزيمة"، وهو ما دفع الإعلام العبري إلى التوقف طويلاً عند خطاب سيد الجهاد والمقاومة، مجمعين في حصيلة تحليلاتهم على أن "الجبهة اليمنية ستستمر في اعتبارها تهديداً استراتيجياً لإسرائيل" حدّ توصيفهم.
وأفاد الإعلام العبري أن تزامُن إعلان استشهاد اللواء الغماري مع الذكرى الأولى لاستشهاد القائد الفلسطيني يحيى السنوار، يأتي في دلالة عميقة على إيمان وعقيدة اليمنيين بوحدة الدم والمصير بين الشعبين اليمني والفلسطيني، وعلى أن الطريق إلى القدس تمر من صنعاء كما تمر من غزة.