فنزويلا: إذا غامرت أمريكا عسكرياً ستجد نفسها أمام نسخة من اليمن
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
لم يكن أحد يتخيل أن اليمن، البلد الذي أرادته واشنطن ساحة مكسورة ومحاصرة، سيخرج من الحرب بواحدة من أخطر التجارب العسكرية التي أربكت الولايات المتحدة وحلفاءها. هذه الحقيقة لم تعد حكراً على التحليل المناهض للإمبريالية ودول الاستكبار والاستعمار، بل باتت جزءاً من الخطاب العالمي الجديد، الذي يرى في صنعاء قوة قلبت موازين الردع، وكسرت الصورة القديمة للجندي الأميركي، الذي يتحرك آمناً في البحار والمحيطات. حتى فنزويلا، البعيدة جغرافياً والقريبة في تجربتها من مخالب الهيمنة الأميركية، وجدت في اليمن نموذجاً يُستشهد به ويعاد قراءته بعناية.
الكاتب والمحلل السياسي الفنزويلي سيرجيو رودريغيز جيلفنشتاين لم يتردد في قول الحقيقة التي تخشاها واشنطن: «الهزيمة التي تلقتها الولايات المتحدة في اليمن هي الأقسى في تاريخ حروبها غير المباشرة»، وإن التجربة اليمنية في تصدي صنعاء لتحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، وما رافقه من حصار خانق لقرابة عشر سنوات، جديرة بأن تؤخذ بالاعتبار، وبالإمكان تعميمها على دولٍ أخرى تسعى الولايات المتحدة وحلف الاستكبار لمحاولة احتلالها والسيطرة على مواردها، كما يُخطط حالياً لفنزويلا.
هذا الكلام لم يأتِ من باب العاطفة أو من موقع التضامن السياسي، بل من قراءة عسكرية صرفة تقول إن أمريكا، التي اعتادت أن تخوض حروبها بالوكالة وبالأقمار الصناعية وبالأساطيل، وجدت نفسها أمام خصم فقير ومحاصر لكنه يمتلك قدرة على فرض معادلات لا تستطيع قوى كبرى تجاهلها.
تجربة كفاح اليمن
جيلفنشتاين، في تحليله الذي نشرته وكالة الأنباء الوطنية الفنزويلية بعنوان «هل تواجه الولايات المتحدة يمناً موسعاً ومحسناً في فنزويلا؟»، أشار إلى أن فنزويلا بثرواتها ومواردها الهائلة، عرضة لمطامع أمريكا في السيطرة عليها، إلى جانب ما تسعى الولايات المتحدة جاهدة لمنعه بأي ثمن، وهو احتمال قيام فنزويلا وكولومبيا والمكسيك بإعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي العالمي، إذ يمكن لأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي أن تلعب دوراً محورياً في هذا المشهد.
في هذا الصدد يؤكد جيلفنشتاين أن واشنطن في حال أرادت فعلاً نقل مغامراتها العسكرية إلى أمريكا اللاتينية، فإنها ستجد نفسها أمام نسخة أكبر وأشد من التجربة اليمنية.
وقال: «في هذا السياق، يبرز خطر جيوسياسي قللت الولايات المتحدة من شأنه، نابع من تجربة كفاح اليمن ومقاومته للعدوان الأمريكي والسعودي والصهيوني»، وأنه «لو تعلمت أمريكا من هذه التجربة، لما فكرت في شن حرب على فنزويلا».
وأوضح جيلفنشتاين في تحليله أنه عندما بدأ العدوان على اليمن مطلع 2015، «كانت السعودية والولايات المتحدة تواجهان قوة صغيرة في بلد يعاني من الفقر ونقص الغذاء، ولم يكن لديه أدنى تطور تكنولوجي أو تسليح لمواجهة دول متفوقة عسكرياً بشكل لا نهائي».
وقال: «حددت الخطط السيناريو، مشيرة إلى أن اليمن سيخضع خلال أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، وأنه بعد استسلامه، قد تقع البلاد تحت سيطرة السعودية والغرب، وهذا من شأنه أن يسمح لهذه الدول بالسيطرة على مضيق باب المندب والمحيط الهندي والبحر الأحمر حسب رغبتها».
وأضاف: «ومع ذلك، ما تزال السعودية وحلفاؤها غارقين في هذه الحرب المستمرة منذ 10 سنوات ولم يتمكنوا من حلها»، مشيراً إلى أنه «وفي ظل هذه الظروف وبحلول العام 2019، نجحت صنعاء في تطوير نظام متطور للصواريخ والطائرات بدون طيار بعيدة المدى».
وأكد أن «العلماء والخبراء اليمنيون هم من طوروا تقنيتهم الخاصة، بما في ذلك إنتاج صواريخ فرط صوتية بمستويات ونطاقات مختلفة، استطاعوا من خلالها ضرب منشأة أرامكو السعودية، التي تعتبر أكبر مصفاة في العالم»، ما يدل على أن «أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والأوروبية الصنع فشلت في حماية عملاق الطاقة هذا».
وقال تحليل وكالة الأنباء الوطنية الفنزويلية إن «الولايات المتحدة، بكل قوتها العسكرية، لم تستطع حماية السعودية من هجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية المتزايدة شراسة».
معركة إسناد غزة
التحليل ذاته تطرق إلى معركة إسناد غزة، التي خاضتها صنعاء ضد العدو «الإسرائيلي» بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 20213، مشيراً إلى أن القوات المسلحة اليمنية نجحت في منع السفن «الإسرائيلية» وتلك المتجهة إلى موانئ الاحتلال من المرور في البحر الأحمر.
وأضاف: «بعد التدخل الأمريكي، الذي تضمّن وصول أسطول بحري يضم حاملات طائرات تعمل بالطاقة النووية، أحبطت هذه الدولة الصغيرة الفقيرة استراتيجيات الإدارات المتعاقبة، أولاً إدارة بايدن ثم إدارة ترامب، رغم تعرضها لأكثر من 1500 هجوم».
وتابع: «تشير العديد من التقارير التي أعدتها مراكز أبحاث تابعة للبنتاغون إلى دروس عديدة يمكن استخلاصها من الحرب البحرية الأمريكية ضد اليمن في البحر الأحمر، ومن الجدير بالذكر البحث الذي أجراه الدكتور جون كوهن، الأستاذ في كلية القيادة والأركان العامة للجيش الأمريكي في فورت ليفنوورث بولاية كانساس، والذي يفيد بأن الولايات المتحدة تعلمت في البحر الأحمر ضرورة تمركز حاملات الطائرات بعيداً عن مرمى الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية، مستنتجاً أن هذه المنطقة البحرية لم تعد ملاذاً آمناً لحاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية».
وبالعودة إلى فنزويلا، يفيد التحليل بأن «المسافة بين كاراكاس الفنزويلية وميامي الأمريكية حوالى 2200 كيلومتر، وهي مسافة مماثلة للمسافة بين صنعاء، عاصمة اليمن، وتل أبيب، عاصمة إسرائيل، التي تعرضت لهجمات متواصلة بالصواريخ والمسيّرات اليمنية»، لافتاً إلى أنه «إذا كان اليمن، الذي يفتقر إلى الموارد الطبيعية المتنوعة والوفيرة التي تتمتع بها فنزويلا، قد نجح في بناء منظومة صواريخ وطائرات مسيّرة ضخمة في أربع سنوات بمدى يتراوح بين 2500 و3000 كيلومتر، فإن فنزويلا، بدعم من حلفائها، واحتياطياتها الغنية من المعادن والطاقة، يمكنها في أقل من عام، امتلاك منظومة صواريخ وطائرات مسيّرة مماثلة وربما أكثر تقدماً من تلك التي يمتلكها اليمن».
خبرات يمنية وإيرانية وكورية
وكالة الأنباء الوطنية الفنزويلية في التحليل ذاته، ذكرت أن «الخبرات اليمنية والإيرانية والكورية متاحة لفنزويلا، بفضل روابط الصداقة والتضامن الراسخة»، وخلصت إلى أنه «سيكون من الخطأ الاستراتيجي للرئيس ترامب أن يسمح لنفسه بالانجرار إلى صراع من شأنه أن يعرض أمن الولايات المتحدة للخطر»، وفي حال حدث ذلك «ستتحول فنزويلا إلى نسخة أكبر وأقوى من اليمن».
بهذا المعنى، يصبح ما نشرته الوكالة الوطنية الفنزويلية ليس مجرد نص تحليلي، بل وثيقة دولية جديدة تؤكد أن صنعاء تحولت إلى مدرسة عالمية تُغيّر طريقة فهم الحرب والسلام، وتعيد رسم خرائط النفوذ، وتكتب فصلاً جديداً في تاريخ المواجهات مع الولايات المتحدة. وما دام العالم يراقب هذا التحول، فستظل صنعاء -رغم الجراح والحصار- مثالاً للقوة التي خرجت من قلب الضعف، وللنموذج الذي يربك واشنطن وحلفاءها كلما فكروا في خوض مغامرة جديدة.










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا