البحر الأحمر أنموذجاً لفشل الهيمنة الأمريكية
- عبدالوهاب حفكوف السبت , 12 أبـريـل , 2025 الساعة 7:37:12 PM
- 0 تعليقات
عبدالوهاب حفكوف / لا ميديا -
من بين أكثر جبهات الصراع حساسيةً في الراهن الإقليمي تبرز جبهة البحر الأحمر بوصفها مرآة حادة لتعري العقيدة العسكرية الأمريكية أمام خصم غير تقليدي. فـ"الحوثيون"، دون مظلة جوية ولا منظومات دفاع متقدمة ولا حماية نووية، نجحوا في إعادة صياغة مفهوم الردع، بل وفي تحطيم رمزيته في وعي القوة الأمريكية نفسها.
منذ اللحظة الأولى لتدخُّلها في البحر الأحمر بذريعة حماية الملاحة، اعتقدت واشنطن أن بضع ضربات محسوبة ستعيد التوازن وتفرض الهيبة. لكن الوقائع أثبتت عكس ذلك تماماً. وقعت في فخ مُحكم بُني بعناية تكتيكية فائقة، حيث تقابلت العقيدة الحوثية القائمة على "رفع الكلفة بأقل الإمكانيات" مع منظومة أمريكية مأخوذة بالسرعة والضجيج.
كل عملية هجومية نفذها الحوثيون كانت تهدم جداراً نظرياً:
- فإسقاط مسيّرة أمريكية متقدمة لا يضعف الأداة فقط، بل ينسف الثقة في أدوات الردع نفسها.
- وضرب سفينة تجارية لا يعطل الممر فحسب، بل يربك مركز القرار في وزارة الدفاع الأمريكية.
- والأسوأ أن الدفاعات الأمريكية الذكية استُنزفت حتى أصبحت أضعف من الهجوم ذاته.
وفي العمق، تحولت معادلة الكلفة إلى كابوس استراتيجي: صاروخ بسيط لا تتجاوز تكلفته بضعة آلاف، يُقابل بمنظومة اعتراض بملايين الدولارات.
لكن الأمر لا يتوقف عند اليمن. كل ضربة "حوثية" ضد المصالح الأمريكية كانت تُترجم إلى نقطة تفاوضية لصالح إيران؛ ليس لأن "الحوثيين" يتحركون بأمر من أحد؛ فهم أسياد تتضاءل أمامهم السيادة الزيتية العربية؛ بل لأنهم جزء من منظومة ردع إقليمية واسعة، نجحت في تقاسم الأدوار وتوزيع الجبهات، دون إعلان أو ضجيج.
ومن هنا، بدأ التحول الأمريكي الحقيقي: الإدراك المتأخر أن التصعيد مع الحوثيين كشف حجم الكارثة فجعل البيت الأبيض يُعيد الحسابات من جديد. فما كان يُخطط له كعملية تأديب محدودة، تحوَّل إلى أزمة استراتيجية دفعت واشنطن للتراجع خطوة، والبحث عن مسار تفاوضي مع طهران.
في المحصلة، "الحوثي" لم يعد مجرد طرف محلي يحمي سواحله. لقد أثبت، من خلال أداء منضبط وحسابات دقيقة، أنه قادر على تعديل هندسة القوة في الإقليم، وفرض نفسه كطرف لا يمكن تجاهله في أي معادلة تهدئة، وخصوصا في المعادلة الفلسطينية.
هكذا، تحولت جبهة البحر الأحمر إلى مختبر علني لفشل الردع الأمريكي، وصعود منطق جديد في إدارة الصراع.
أولئك الذين ظنوا أن العدوان الأمريكي سيقضي على أنصار الله، سيخيب أملهم وسيتعين عليهم الاستعداد للتعامل مع قوة إقليمية خرجت مرفوعة الرأس بعد منازلة أقوى دولة في العالم!
كاتب ومحلل سياسي
يعيش في بريطانيا
المصدر عبدالوهاب حفكوف
زيارة جميع مقالات: عبدالوهاب حفكوف