التحليل السياسي العربي وفرق الجهد
- أمين العباسي السبت , 12 أبـريـل , 2025 الساعة 7:37:15 PM
- 0 تعليقات
أمين العباسي / لا ميديا -
قبل الولوج في جوهر الموضوع قيد التناول، دعونا نحلل علاقة طرفي العنوان ببعض. المقاومة وفرق الجهد تعبيران فيزيائيان علميان يتعلقان بمفهوم ثالث هو التيار الكهربائي، وهو الأساس في العملية الكهربائية.
معلوم أن التيار الكهربائي ينتقل في الأسلاك من نقطة إلى أخرى كفيض أو سيل من الإلكترونات، وعند انتقاله بهذه الكيفية يتعرض لقدر معين من المقاومة تختلف من سلك إلى آخر بناء على نوع مادة السلك، ودرجة نقاوتها "أي خلوها من الشوائب" وكذا التركيب الذري أو التوزيع الداخلي لذرات المادة المكونة للسلك الناقل...
ويشير فرق الجهد الكهربائي بين طرفي موصل إلى الفرق في كمية الطاقة بين نقطتين معينتين على هذا الموصل، وفرق الجهد بهذا التعريف يعبر عن قوة دفع وتدفق التيار الكهربائي في الدوائر المختلفة، حيث يتدفق التيار من نقطة ذات جهد أعلى إلى أخرى ذات جهد أقل.
من ناحية ثانية تُعرف المقاومة على المستوى اللغوي بأنها الممانعة وعدم الرضوخ لأي تغييرات مفروضة من الخارج، بغض النظر عن التفاصيل المتعلقة بأطراف المعادلة (الفعل والفاعل والمفعول)، وتعرف علمياً من منظور الفيزياء بأنها خاصية فيزيائية تتميز بها الموصلات المعدنية في الدوائر الكهربائية، وتوصف بأنها قابلية المواد لمقاومة مرور التيار الكهربائي فيها بناء على الحيثيات المشار إليها في الفقرات السابقة.
وإذا فحصنا دلالة التحليل السياسي ومؤدياته المختلفة سنخلص حتماً إلى الفكرة والكيفية ذاتها التي حللنا بها المقاومة وفرق الجهد الكهربيين، حيث يمكن مقاربة فهم عملية التحليل السياسي (political analyses) كتيار متدفق بين نقطتي التحليل والتلقي، حيث يقوم بعملية التحليل محلل سياسي متمكن وضليع وصاحب منهج، بينما يتلقى خلاصة ونتائج التحليل طيف مختلف من المتلقين موزعين على مستويات، منها -على سبيل المثال- المستوى العام، أي عامة الناس، وهؤلاء يشكلون مخزون الرأي العام المفروض صناعته وتوجيه قناعاته نحو قضايا ومسالك معينة من خلال التحليل إياه، ويأتي في المستوى الثاني مجموعة النخبة المهتمة والمتابعة للشأن العام، وهي الفئة الأكثر قدرة على التقاط مضامين التحليل السياسي واستيعابه والمساعدة في توجيه الناس باتجاه تبنيه، بغية خلق رأي عام رافد ومؤيد لصناعة القرارات إزاء مواضيع التحليل التي قام بها المحللون، بينما يتمثل المستوى الثالث في مركز أو مراكز صنع القرار داخل المجتمع والدولة، وهو أكثر المستويات أهمية، نظراً لتوقف عملية الاستفادة من التحليل وتحويل مضامينه إلى أنشطة وسلوكيات تؤول إلى مصالح تتوقف على هذا المستوى، مستوى القيادة والسيطرة والتحكم والتوجيه. وهنا تكمن أبعد غايات التحليل السياسي، وبدونها يصبح التحليل غير ذي جدوى، فارغ المضامين والرؤى، وإن كان ممتلئاً بها، ويصبح بهذا فاقد القدرة على أداء دوره ومهامه.
التحليل السياسي هو عملية فهم وإدراك عميقين لأصول وجذور الممارسة السياسية، يشمل ذلك الاهتمام بالأيديولوجيات والعقائد والمصالح المتبادلة بين أطراف العملية السياسية المنطوية على عدد من العمليات الفرعية والجزئية المتكاملة في بنيان المعمار السياسي العام، كالعملية الاقتصادي والتنموية والأمنية والثقافية، وغيرها من العمليات ذات الأبعاد والأنشطة الإنسانية المتناظرة والمتوازية والمتكاملة في دوائر المجال العام للدولة والمجتمع.
يركز التحليل السياسي أيضاً على سائر التفاعلات المتبادلة بين أطراف ومكونات العملية السياسية، ونتائج تلك التفاعلات وأهدافها، وكذا أدوات ووسائل العمل المقترحة لمعالجة الاختلالات وإنفاذ القرارات، وكافة لوازم التصحيح والتقويم والتوجيه، ثم الابتكار والتفوق، من خلال تيار يتدفق لصناعة رأي عام موجه، من نقطة إلى أخرى بين المحلل السياسي صاحب الفعل وعامة المتلقين من الجمهور، ومنظومة الحكم السياسي في أي بلد ومجتمع كمستفيد من هذا التحليل في صناعة واتخاذ القرار.
ومن الملاحظ بالمتابعة أن التحليل السياسي العربي يشوبه ويعوقه العديد من الشوائب والعوائق على كافة مستوياته، ابتداء من المحلل ومنهج التحليل مروراً بمجال التحليل ومواده وعناصره، وانتهاء بفضاء التلقي المفترض على مختلف المستويات المشار إليها آنفاً في السياق، وهو ما أفرغ عملية التحليل من مضامينها المقصودة أو المرجوة بصيغة أو بأخرى.
المصدر أمين العباسي
زيارة جميع مقالات: أمين العباسي