أمين العباسي

أمين العباسي / لا ميديا -
يوم الأربعاء الماضي حلت الذكرى الـ(76) للنكبة الفلسطينية المشؤومة، والتي تعرف عند الفلسطينيين والعالم بأنها ذكرى يوم تشريد الشعب الفلسطيني، قبل ستة وسبعين عاما، من أرضه وتشريده في بلدان كثيرة، كالأردن وسورية ولبنان، وحتى داخل أرضه المحتلة من قبل الكيان الصهيوني، إضافة إلى بلدان شتات أوروبية وأمريكية.
يوم الخامس عشر من أيار/ مايو 1948 هو يوم إعلان نكبة الشعب الفلسطيني، وهو اليوم التالي لإعلان قيام «دولة» الاحتلال الصهيوني الغربي، «دولة» الكيان اللقيط، كرأس حربة وبديل استعماري مباشر لتلك الدول التي منحته هذا الحق، دون مراعاة، بل وعلى حساب الحق العربي الفلسطيني، بناءً على وعد إجرامي خبيث، مثّل سابقة إجرامية في التاريخ الإنساني منعدِمة النظير ومعدومة الضمير، والذي لخصته عبارة: «أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق».
والحقيقة أن من لا يملك أحلّ وثبّت ورسّخ وجودَ من لا يستحق، ومازال يدعمه وينقذه من عثراته وتردياته. غير أن من لا يملك لم يكن بمفرده في هذا المشروع، بل حشد، وعلى مسار كل العقود الممتدة لعمر تلك النكبة، دولاً وقوى متعددة، أكثرها لؤماً ومرارة عربية متصهينة. والوثائق والسرديات تعج بخياناتها وخيباتها المتوالية على الأمة وفلسطين. تلك الدول «العبرارية أو البعرارية» -كما يحلو للمتلقي أن يصفها- ما فتئت تجاهر وتتبجح بعلاقتها مع دولة الكيان على مرأى ومسمع البشرية، وعلى أوجاع ومآسي الشعب الفلسطيني المنكوب بإخوانه العرب قبل أعدائه الصهاينة.
النكبة الأولى واضحة ومباشرة، بكل مسلسلاتها وحلقاتها وسيناريوهاتها الرامية إلى تصفية القضية الفلسطيني حرباً أو سلماً. وما يحدث الآن في غزة من إجرام بحق الإنسانية من إبادة جماعية ما هو إلا أحد تلك السيناريوهات، ودليل على إجرامية هذا الكيان وممالأة العالم، بمن فيه العرب، لهكذا مشروع إجرامي. غير أن نكبة كهذه يمكن مقاومتها بالفعل من خلال اصطفاف عربي جامع وموحد، يقف صفاً واحداً على قلب رجل واحد، كما هي العبارة الأثيرة في التراث الإسلامي. وهذا رغم إمكانياته وشروط قيامه الموضوعية، إلا أن عامل الفرقة العربي على أساس اللامشروع بدّد كل هذا وحوّل تلك الشروط إلى ضرب من المستحيلات. وهذا ما يمكن أن يشكل الوجه الآخر والحقيقي للنكبة الجذر والأساس، والتي لولاها لما استمرت نكبة الشعب الفلسطيني على حالها حتى اليوم.
نكبة الفلسطينيين بالعرب أكثر إيلاماً وأمضّ مرارة من نكبتهم بالصهيونية الأوروأمريكية، نظرا لما يقدمه العرب ويوفرونه من شروط لضخ الدماء في عروق الكيان وإبقائه على قيد الحياة، بطرق مباشرة أو دونها، والتي لا تخفى على أي عاقل متابع.
عقب يوم الذكرى المشؤومة عُقدت في المنامة «قمة» عربية غير ذات جدوى، كحال العديد من «القمم» التقليدية الباردة، وهي باردة بالفعل من أول حرف في جدول أعمالها وحتى آخر نقطة وألف علامة استفهام في بيانها الختامي المعد سلفاً كما جرت به العادة.
لم يتغير شيء منذ الذكرى الأولى لأبشع نكبة وحتى اليوم، سوى حجم الدمار والدماء التي تراق وتتراكم ومازالت في كل شبر من أرض فلسطين. ولم تسترعِ جائحة كهذه أمة كتلك التي ننتمي لها، رغم الاحتراق المادي والمعنوي لشعب الجبارين.
بعد أشهر من الطامة العظمى كتب المفكر العربي السوري قسطنطين زريق كتاباً حاول فيه ومن خلاله ملامسة معنى النكبة في الوجدان الفلسطيني، وأخذ الكتاب العبارة ذاتها كعنوان «معنى النكبة» فصل فيه أسبابها وعواملها، أي النكبة، من نواحٍ عدة، مبيناً في السياق ذاته إجراءات تجاوزها. بيد أن السديم العربي مترامي الأطراف لم يتكثف بتاتاً ليعبر عن ردة فعل، لا أقول بحجم الفعل بل بقدر يسير من المقاومة الحقيقية الهادفة.
ومرت السنوات ووصلنا إلى جدار «النكسة»، وعاود صاحبنا الجهبذ صاحي الضمير ليكتب كتاباً آخر سماه: «معنى النكبة مجدداً»، كذلك راجع من خلاله مقومات البناء وعوامل النهوض للأمة، مؤكدا على كثير مما ورد في المعنى الأول للنكبة، مواصلاً التحليل العلمي والموضوعي لكل الملابسات التي رست بالأمة العربية في قعر مكان مظلم وموبوء حد الغثيان، بحسب ألبير كامي.

أترك تعليقاً

التعليقات